يوسف الشريف

محاكمة البشير تفتح أبواب جهنم على المنطقة

الخميس، 12 مارس 2009 10:39 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لاشك أن الدور الأمريكى الغربى كان واضحاً ومحققاً عبر تأجيج الصراع فى دارفور، وهى المرحلة الثانية للمؤامرة الكبرى التى تستهدف تقسيم السودان، بعد نجاح المرحلة السابقة التى أفضت إلى قسمة السودان الموحد إلى دولتين متقابلتين، شمالية وعاصمتها الخرطوم، وجنوبية وعاصمتها جوبا، عبر جولات التفاوض المكوكية بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان، وشهدها عدد من المنتجعات فى كينيا، بداية من ماشاكوس ثم ناكورا ونهاية فى نيفاشا، حيث مارست أمريكا ضغوطها على السودان من خلال مبعوث الرئيس بوش السيناتور جون دانفوس، وهو كان قس الاعتراف للرئيس الأمريكى.
وإذا كانت أمريكا قد فرضت عقوبات اقتصادية شتى على السودان،بدعوى رعايته للإرهاب الدولى، بل قصفت مصنع الشفاء بدعوى إنتاج أسلحة كيماوية وغازية محرمة دوليا، فلعلها كانت تكرر خطيئتها فى اتهامها الكاذب للعراق ،بتصنيع وحيازة أسلحة الدمار الشامل، ومع ذلك لم تعترف أمريكا بالخطأ، ولا دفعت التعويضات المستحقة عن تدمير مصنع الشفاء، مما يؤكد أنها وليس السودان التى تمارس الإرهاب.

والأدهى والأمر حين قدمت حكومة الإنقاذ لأمريكا عن طيب خاطر وحسن نية، كل ما لديها من ملفات الجماعات الأصولية الإرهابية، إثر أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وبينها ما يتعلق بنشاطات تنظيم القاعدة فترة إقامة أسامة بن لادن فى السودان، إذ كان يتعين عليها أن تكون هذه الملفات الأمنية السرية عربوناً لرفع العقوبات الأمريكية، وبداية مرحلة جديدة أكثر شفافية وعدلاً وندية فى العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، لكن هذا المقابل لم يتحقق، بل صعدت أمريكا عدوانها ضد السودان!

حكومة الإنقاذ ارتكبت كذلك خطأ سياسياً فادحاً، عندما خاضت غمار المفاوضات مع الحركة الشعبية منفردة، رغم كونها غير مؤهلة فى حسم القضايا المصيرية التى تمس وحدة السودان وسيادتة، من دون أن يساندها الإجماع القومى، عبر فتح أبواب المشاركة لمختلف ألوان الطيف السياسى والجهوى، ومن ذلك منح أبناء الجنوب وفقاً لاتفاقية نيفاشا «حق تقرير»، فيما أصبح من الثوابت السياسية التاريخية فى السودان، الفشل المحتوم لانفراد فصيل وطنى فى حل أى من مشكلاته القومية، علماً بأن حق تقرير المصير كان يختص الدول والشعوب التى كانت لاتزال تعانى ويلات الاحتلال الأوروبى فى نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم يكن شمال السودان محتلاً لجنوبه، وإنما كان أسيراً ومحاصراً عبر قانون المناطق المقفولة، الذى أجازه الاستعمار البريطانى، للحيولة دون تلاقى وتعاون أبناء الشعب الواحد عبر النضال المشترك فى مواجهته، وبناء حاجز عرقى مسيحى لمنع التواصل بين العرب وأفريقيا!

تلك خلفية سياسية وتاريخية، فرضت نفسها فى سياق البحث عن جذر وخلفيات الصراع فى دارفور من جهة، وانعكاساته الخطيرة على مستقبل السودان وسيناريوهات ما بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية الخاص بوقف الرئيس البشير، واحتمالات ردود الفعل المتوقعة، ومن حيث البداية فى استجلاء الحقائق، أن نظام الإنقاذ وجد نفسه فجأة ومنذ خمس سنوات فحسب، فى مواجهة تصاعد حدة التمرد فى دارفور، ولم يكن بوسع السلطة المركزية فى الخرطوم، سوى مقاومة التمرد أمنيا وعسكرياً على اتساع مساحة الإقليم، كما مساحة دولة مثل فرنسا، ومن هنا كانت صعوبة حل المشكلة أمنياً أو عسكرياً، ومضى الكثير من الوقت حتى كانت قناعة حكومة الإنقاذ باللجوء إلى الحل السياسى، لكن أمريكا والدول الغربية وإسرائيل، كانت وقتئذ على أهبة الاستعداد لاقتناص الفرصة وتسديد ضرباتها للسودان، وهكذا جرىالتآمر على مختلف المساعى والمؤتمرات التى حاولت تسوية أزمة دارفور سلمياً، حتى مؤتمر أبوجا الذى كان على وشك التوقيع على التسوية السياسية عام 2006، إذا بقيادات التمرد تغيب عنه، وتتوجه إلى العديد العواصم الأوروبية، والوحيد الذى حضر ووقع كان أوكوميناوى الذى حظى بتعيينه مساعداً أول للرئيس البشير، وقد ظل هذا الموقف يتكرر حتى توصلت المفاوضات مؤخراً فى الدوحة إلى اتفاق إطارى للتسوية بين حكومة الإنقاذ والدكتور خليل إبراهيم، زعيم حركة الوحدة والمساواة، دون أن يتورع عن التهديد بقلب نظام البشير وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.

ثم كيف نفسر عملية الاجتياح العسكرى واللوجيستى التى قام بها هذا الفصيل لمدينة أم درمان العام الماضى، فمن أين له هذا الكم الهائل من السلاح، وتجنيد الآلاف حتى الأطفال، وكيف نفسر افتتاح حركة تحرير السودان بزعامة عبدالواحد نور مكتبا للاتصالات فى تل أبيب، ثم زياراته المتكررة بعد ذلك للدولة العبرية، ويكف نفسر هذا التصاعد المريب فى أعداد حركات التمرد فى دارفور، ولأى غرض كل هذه الأموال والأسلحة التى تتدفق عليهم عبر الجارة تشاد، وكذا كلفة إيوائهم فى فنادق العواصم الأوروبية وتذاكر الطائرات!

كل هذه الحقائق والأسرار الخطيرة، أصبحت معروفة ومتداولة بين المتخصصين ومراكز الدراسات، وبات المتعين بالتالى الولوج إلى المشكلة الراهنة حول مصير البشير ومصير السودان، ونحسب أن الفشل لاقدر الله لمساعى الجامعة العربية والاتحاد الأفريقى فى تأجيل قرار المحكمة الجنائية الدولية سنة أو بضعة شهور وفقاً للمادة 16 من قانون تأسيسها، حتى يتمكن السودان من توفيق الأوضاع فى دارفور، من شأنه أن يفتح طاقات جهنم تباعاً، وفى المقدمة احتمالات تراجع عملية السلام فىالجنوب، واندلاع نذر الحرب الأهلية مجدداً، خاصة أن الحركة الشعبية بزعامة سلفاكير ترى ضرورات الامتثال للقرار الدولى، وهو كذلك موقف معظم حركات التمرد فى دارفور!

وإذا كان نحو 108 دول، وقعت على ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية عام 1997، تظل بالتالى ملتزمة بما يصدر عنها من قرارات، وإلى حد القيام بالقبض على البشير، خاصة أن المحكمة ليست لديها قوات عسكرية أو بوليسية للقيام بهذه المهمة، بل إن الاحتمال وارد إزاء مشاركة قوات حفظ السلام الدولية فى دارفور وفى جنوب السودان فى عملية الاعتقال، ولعله يضفى المصداقية إزاء المخاوف التى أبداها الرئيس البشير من نشر هذه القوات فى البداية قبل أن تتحول فيما بعد إلى قوات هجين، تجمع بين القوات الدولية، وقوات الاتحاد الأفريقى، ولعل قرار طرد نحو عشرين منظمة دولية تعمل فى مجالات الإغاثة والشئون الاجتماعية والصحية من السودان، ما يؤكد بالتالى المخاوف والشكوك التى تعرضت لها حول قيامها بعمليات التجسس لحساب أمريكا وإسرائيل، وتزويد المحكمة الجنائية الدولية بالمعلومات والقرائن التى تدين البشير وغيره من المسئولين السودانيين، دون أن يبذل المدعى العام للمحكمة ما يتوجب عليه من جهود للتحقق ميدانيا فى دارفور من صحة أو بطلان تلك التقارير، لعل هذه السقطة كانت وراء إلقائه اتهام البشير فى آخر لحظة من ارتكاب الإبادة الجماعية والتطهير العرقى فى دارفور!

ومن عجب أن يتورط الأمين العام للأمم المتحدة كى مون، عندما طلب من السودان التزام الهدوء قبل صدور مذكرة توقيف البشير بنحو ثلاثة أسابيع، بمعنى إنه كان على علم مسبق بها، مما يجرده من الحيدة والشفافية التى تتعلق بمباشرة صلاحياته الدولية، كذلك كان تورط الرئيس نيكولاى ساركوزى عندما ساوم البشير حول تقديم كل من أحمد هارون وزير الشئون الإنسانية وعلى كوشيب أحد قادة ميليشيا الجنجويد الى المحكمة الجنائية.

لمعلوماتك...
108 دول وقعت على ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة