عبقرية المحكمة الجنائية

الأربعاء، 11 مارس 2009 10:34 ص
عبقرية المحكمة الجنائية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أثارت مذكرة اعتقال الرئيس السودانى عمر البشير الكثير من ردود الفعل بين مؤيد ومعارض، وذلك لأنها السابقة الأولى التى تلاحق فيها المحكمة الجنائية الدولية رئيساً مازال فى السلطة وظل البعض يتساءل عن مشروعية المساءلة الجنائية للرئيس السودانى وعن كون قرارات المحكمة الدولية ملزمة أم لا، وتعالت الأصوات التى تنادى باحترام سيادة الدول، (فالدولة سيادة القانون)، هى وحدها التى تملك وضع حد للجرائم التى يقوم بها قادة سياسيون وبينهم أشخاص لهم صفات رسمية من ضباط الجيش وأجهزة المخابرات وزعماء.

ولأن الشعب السودانى مثل بقية الشعوب العربية والإفريقية لا يملك الكثير من الأدوات لمحاسبة الطغاة والمستبدين من حكامه، فهذا قد أعطى المجال لأن تتحول هذه القضية على قضية معقدة وحساسة، فبعد أن أصدرت المحكمة الجنائية مذكرة عبقرية باعتقال الرئيس السودانى وملاحقته خارج السودان، أصبح الرئيس السودانى محاصراً داخل دولته التى يتهافت الجميع من أجل الحصول على ثرواتها، ووقفت الدول العربية تهتف وتهلل بالتنديد والاستنكار، وازدادت الأمور فى السودان سوءاً، وأغفلنا فى ظل هذه الفوضى ضحايا الشعب السودانى.

لست ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية، ولا شك فى إنه يجب احترام سيادة الدول وشرعية رموزها وزعمائها ولكن ماذا يحدث إذا كان البعض قد قام بانتهاك الدستور وارتكب جرائم ضد الإنسانية فى هذه الحالة لابد من عقاب الجانى، وذلك من خلال إجراء محاكمات عادلة دون عدالة انتقائية وتحيز وازدواج للمعايير.

وبوجود تجاوزات تظهر الضرورة للمحاسبة، فالمسألة ليس لها علاقة بالسيادة بل بضحايا ومذابح وشعوب من حقها أن تحيا، وأن كان فى الأمر ظلم فمن حق الرئيس السودانى أن يدافع عن نفسه وأن يرفض هذه الاتهامات.

وفى كل الأحوال لا يكفى أن نقف مكتوفى الأيدى ونحشد المظاهرات ونسخر من القرارات الدولية، بل يجب أن نجتهد فى تقديم أدلة البراءة ونواجه الواقع الجديد بأدلة تثبت عدم تورط البشير، ولنبحث عن حلول تخرجنا من حالة الفوضى التى نعيشها فى الوطن العربى، فالأمر الآن أصبح يتعلق بالمزيد من الجهود العربية ومازال أمامنا الوقت لحل القضية بشكل جذرى من أجل الحفاظ على وحدة السودان وضمان سلامة الشعب العربى.

لم تكن ثورة 1919 بمثابة انتفاضة شعبية وثورة على الاستعمار الأجنبى فحسب، وإنما كانت ذات مضمون ومعنى أعمق من ذلك، فشعارها وحد القطر المصرى من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربة تحت لواء (الدين لله والوطن للجميع) ليختار الشعب المصرى الترفع عن الاقتتال الداخلى والالتفاف حول مصلحة الوطن فى جلاء المحتل عن أرضه.

وتجلت تلك المعانى فى خروج جميع طبقات المصريين من عمال وفلاحين وطلبة ومثقفين وعلماء ورجال ونساء ليضعوا ثقتهم فى شخص الزعيم سعد زغلول الذى نجح بمواقفه فى نيل ثقة الشعب المصرى، وبعد 90 عاماً من الثورة نشعر جميعاً أن ما أحوجنا تلك الأيام لتلك الكلمات والمعانى التى استطاعت أحياء الروح الوطنية فى نفوس المواطنين وزرع روح الأمل والثقة فى مستقبل أفضل والالتفاف على قلب رجل واحد نحو هدف واحد.

إن أحوالنا هذه الأيام تحتاج لروح ثورة 1919 كنموذج لإعادة أمجاد مصر وتوحد شعبها تجاه محاربة الفساد ونبذ التطرف والعنف وتكاتف القوى الوطنية والشعبية يداً واحدة للعمل على بناء مستقبل أفضل لمصرنا الحبيبية، بعيداً عن التشرذم والصراعات وتبادل الاتهامات.

ولعل من أهم الدروس والعبر المستفادة من ثورة 1919 هى رياح التغيير السلمى، والتى ساندها الشعب المصرى بكل أطيافه، فلم تكن الثورة داعية تدمير أو تخريب بل تفاوض من أجل حصول مصر على استقلالها ونضال وكفاح وطنى مستمر من أجل رفع اسم مصر عالياً خفاقاً. وأصبح المصرى نموذجاً للوطن العربى كله للمثابرة فى الحصول على استقلاله ونيل حريته والحفاظ على موارده وثرواته، فصار المصرى ثورة وثروة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة