قالت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية، إن دور مصر الإقليمى أصبح يتوقف على قدرتها على التوصل إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد بين حماس وإسرائيل، كما يعتمد على مدى نجاحها فى تحقيق المصالحة الوطنية بين الفلسطينين. وحذرت الصحيفة فى التقرير الذى كتبه مراسلها فى القاهرى جيرى فيلشمان، من أن مكانة مصر فى الشرق الأوسط قد تتراجع لصالح أطراف أخرى أبرزها إيران. وفيما يلى نص التقرير.
رجال يحملون حقائب يأتون ويذهبون، يتفاوضون فى الليل ويتفرقون فى الصباح، يحاولون التوصل إلى سلام فى مكان يبدو من الصعب التوصل إليه فيه. مراقب مصرى ذو شارب كثيف، يحمل مجموعة من الأوراق يستمع إليهم جميعاً، الإسرائيليين والفلسطينيين، معتدلين ومتشددين، بما فى ذلك حركة حماس التى تسيطر على قطاع غزة. فقد عمل مدير المخابرات المركزية عمر سليمان على محاولة ترسيخ الهدنة الأخيرة بين حماس وإسرائيل. والوصول إلى المصالحة بين الأطراف الفلسطينية المتناحرة.
وهناك أمر آخر على المحك فى القاهرة، وهو سمعتها كصوت مؤثر فى الشرق الأوسط، فحلفاؤها من دول الخليج، مثل السعودية، برزوا كلاعبين أساسيين فى الشئون العربية، بينما إيران التى لديها راوبط مع سوريا وحزب الله فى لبنان، تمثل مزيجاً خطيراً من الأذى والكراهية وتحدياً لدور مصر فى التأثير على منطقة غير مستقرة.
وتخشى القاهرة أن يكون الهجوم الإسرائيلى على قطاع غزة، والذى استمر 22 يوماً، قد قسم العالم العربى بين الدول المعتدلة وتلك التى تتبنى اتجاهاً متشدداً ضد واشنطن وإسرائيل. وتعتقد القاهرة أن التوصل إلى وقف طويل المدى لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وتخفيف حدة العداء بين المعسكرين الفلسطينيين سيؤكد على مكانتها، فى الوقت الذى تنظر فيه إدارة الرئيس باراك أوباما فى تجديد المساعدات السنوية لمصر، والتى تقدر بمليارى دولار من المعونات الاقتصادية والعسكرية.
ويرى المحلل السياسى مصطفى كمال سيد، أن مصر تريد أن تثبت لمنتقديها أنهم مخطئون، فهى تريد أن تقول للإدارة الأمريكية "إننا مفيدون جداً لعملية السلام فى الشرق الأوسط". وقد منحت مصر حماس فرصة حتى الوقت الحالى لقبول اتفاق هدنة "دائمة" مع إسرائيل. فاتفاق وقف إطلاق النار الذى بدأ فى 18 يناير، تضرر بالصواريخ الفلسطينية التى أطلقت على إسرائيل، والتى أعقبها هجمات جوية إسرائيلية.
ويتعمق عدم الثقة بين حماس وحركة فتح التى يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ومن ثم فإن التوصل إلى اتفاقية بين حماس وفتح، الأكثر اعتدالاً، يعد أمراً ضرورياً لتحقيق تقدم فى الصراع الأكبر بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويعتقد أحمد ثابت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه إذا فشلت مصر فى تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، فإن مكانتها الإقليمية ستتعرض لضربة جديدة وستبدأ قوتها التفاوضية أمام إسرائيل فى الزوال، وأخيراً ستتم دعوة أطراف إقليمية أخرى مثل إيران وسوريا والسعودية، للعب دور أقوى فى التعامل مع المسألة الفلسطينية.
فمصر، وإن لم تكن ناجحة دائماً، تعرف أبعاد القضية جيداً، سواء من الناحية الدبلوماسية أو الجغرافية. كما أن إسرائيل تثق بها، وهناك اتفاقية سلمية بين الطرفين موقعة منذ عام 1979، ومصير الفلسطينيين الموجودين فى قطاع غزة على الحدود الشمالية سيؤثر بالتأكيد على مصر. وقد فرض هذا ضغوطاً كبيرة على حكومة الرئيس مبارك، التى تعاملت مع أزمة غزة بقدر من التوازن وسط مشكلات اقتصادية وتوتر سياسى فى الداخل.
وكان هدف الرئيس مبارك إضعاف حركة حماس التى تجمعها روابط بجماعة الإخوان المسلمين المعارضة، وذلك حتى يتم منع الإسلام السياسى من الانتشار. فقد خسرت السياحة فى مصر مليارات الدولارات فى فترة التسعينات بسبب التفجيرات ومحاولات الاغتيال والعنف، الذى قام به المسلحون الإسلاميون.
وتجد مصر نفسها، مثلها فى ذلك مثل أغلب العالم العربى، ممزقة بين مساعدة الفلسطينيين ونبذ حماس وإيران الداعمة لها. وسلطت هذه المعضلة الضوء على الانقسام السياسى الكبير فى المنطقة. فخلال القمة التى شهدتها قطر الشهر الماضى، والتى شاركت فيها إيران "غير العربية" وقاطعتها مصر والسعودية، تعرضت القاهرة لانتقادات "لتفضيلها" الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، أكثر من المطالب العربية لها بمساعدة الفلسطينيين.
وكان جمال مبارك نجل الرئيس، قد صرح فى اجتماع أخير للحزب الوطنى، أن القوى المعادية لمصر اهتمت بشكل أساسى بالقضاء على دور مصر فى العالم العربى والشرق الأوسط. وأضاف قائلا، إن الدول المعارضة حاولت قدر الإمكان اللعب بمشاعر الشارع العربى وتوجيهها ضد مصر، وصورها على أنها معادية للمقاومة الفلسطينية.
وحاولت جماعة الإخوان المسلمين الاستفادة أيضا. وتم اعتقال العشرات من أعضائها فى جميع أنحاء البلاد خلال مظاهرات ومسيرات ضخمة تدعم الفلسطينيين وتوبخ مبارك لما وصفه المتظاهرون بعدم الرغبة فى مواجهة إسرائيل. لكن بعد مرور الأيام، واجهت حماس، التى لم ترد أن تبدو وكأنها تتخلى عن معركتها ضد إسرائيل، ومعها الإخوان المسلمين، خيارات محدودة.
ويختتم المحلل السياسى مصطفى كمال سيد رأيه بالقول، إن مسئولى حماس فى غزة يدركون أنه لا توجد أمامهم جهة أخرى يتجهون إليها فيما عدا مصر. فلا توجد دولة أخرى فى الشرق الأوسط يمكن أن تلعب هذا الدور. وعلى الرغم أن من الإخوان المسلمين فى مصر من يحاولون الاستفادة من الوضع القائم، إلا أن هناك شكاً فى قدرتهم على ترجمة شعبيتهم من الاحتجاجات إلى المكاسب السياسية. فلا تزال مصر دولة تعتمد على قوتها الأمنية.
مبادرة مبارك للتهدئة فى غزة اختبار لدور مصر الإقليمى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة