الدكتور عبدالحليم أبوالنور، طبيب مصرى، كل ما ارتكبه أنه قام بالكشف عن وقائع فساد خطيرة فى مستشفى سعودى فكان جزاؤه السجن والتعذيب والاعتداء الجنسى عليه، وخلال رحلته مع العذاب التى استمرت لمدة 13 شهراً كشف عن معتقل فى السعودية يوجد به عشرات المصريين المعتقلين دون محاكمة ولا يعرف أحد عنهم شيئاً، وهذه قصته من البداية.
أبوالنور سافر إلى السعودية فى الأول من فبراير 2005 ليعمل بمركز القدس الطبى بمدينة جدة، وانتقل هو وزوجته وابنتاه مريم 9 سنوات ومنتهى 6 سنوات للإقامة هناك، وقبل أن يسافر تأكد أن عقد العمل رسمى، ووثقه من وزارة القوى العاملة المصرية والغرفة التجارية السعودية والسفارة فى مصر، ومنذ أيام عمله الأولى بدأت المخالفات القانونية تظهر، كان أولها إصرار مدير المستشفى على مصادرة «جواز سفرى أنا وزوجتى وبناتى رغم مخالفة هذا للقانون السعودى»، وبعد مشادة اتفقنا على أن يحتفظ بجواز سفرى فقط.
بعد ذلك طلب المدير العام للمستشفى أن أجبر كل مريض على إجراء تحاليل طبية بالمستشفى بحد أدنى 500 ريال، فرفضت حتى بعد أن عرض علىّ نسبة مالية منها. ومن وقتها بدأت المضايقات بمنعى من الإجازات وحرمانى من المشاركة فى المؤتمرات الطبية.
وتفاقمت أزمة أبوالنور فى مايو 2007 بتهديده بفسخ عقده وضمه لقائمة الممنوعين من دخول السعودية، و أجبروه على الكشف الطبى «على هاربين من القانون لا يحملون هوية شخصية فى حين يشترط القانون ألا يقوم الطبيب بالكشف على مريض لا يحمل هوية، ولما اشتكيت للجهات الحكومية كان ردهم أن الكفيل له الحق يعمل فيا أى حاجة».
وفى نهاية ديسمبر 2007 حصل أبوالنور على مستندات تكشف فسادا خطيرا بالمستشفى «المدير الفنى مندوب مبيعات ينتحل صفة طبيب، والمدير العام يعمل بمستشفى حكومى ولا يحق له العمل فى مستشفى خاص وفقا للقانون، كما أن المستشفى تنصب على المرضى حيث تقدم أطباء امتياز يعملون لديها للمرضى على أنهم استشاريون وأخصائيون، بالإضافة إلى عشرات المخالفات»، فتقدم أبوالنور بشكوى للشئون الصحية التى أرسلت لجنة تفتيش بعد شهر من المماطلة، وأثبتت مخالفات بسيطة وتجاهلت الباقى وعاقبت المستشفى بغرامة 220 ألف ريال. إلا انه اكتشف وقوعه فى شبكة فساد، بعد صدور قرار بمنعه من السفر هو وأسرته استمر لـ13 شهراً، «وعيشت أنا وعيالى بالسلف، وما دخلوش المدرسة لأن ما فيش فلوس».
القنصلية المصرية كان موقفها متخاذلاً مع أبو النور.. «أبلغتها منذ البداية بمشكلتى، ولم يساعدنى أحد حتى محمد الدكرونى، المستشار العمالى كان فى صف المستشفى». حتى وزارة الخارجية أرسل لها أبوالنور شكوى لسهام رحمى، رئيسة قسم الشكاوى بالخارجية، فحولته للمسئول عن السعودية، الذى طلب منه أن يتصل به ليتابع حل مشكلته، لأن «فلوسى خلصت فقالى أنا معنديش دولى، قلت له إزاى وزارة الخارجية ما فيهاش خط دولى طب بتكلموا القنصلية إزاى؟». وفى نهاية ديسمبر 2008 عرض عليه الدكرونى أن «يخلص نفسه ويحل الموضوع ودى»، ووافق أبو النور، وأرسل معه سكرتيره عمرو أحمد إبراهيم إلى إدارة المستشفى وهناك طلب منه التوقيع على تنازل عن كل مستحقاته المالية، بعد وعد الدكرونى إنه «حيجبلى إخلاء طرف وعدم ممانعة من عودتى للسعودية وكل مستحقاتى المالية بالإضافة لإنهاء إجراءات أوراق سيارتى لشحنها لمصر، وبعدما عملت كده الإدارة لم ينفذ الدكرونى وعده».
فى يوم السبت 10 يناير 2009 كان أبوالنور فى مكتب صديقه إبراهيم النحيانى، مساعد مدير هيئة حقوق الإنسان التابعة للحكومة السعودية، جاءه اتصال هاتفى من العقيد عبد الله الجهنى، من المباحث الإدارية وقال له «مشكلتك انتهت، تعالى مكتبى عشان تصفى وضعك وترجع مصر». ذهب أبوالنور وهناك «اتكلم معايا الجهنى بحدة وقالى أدامك 3 أيام وتكون رجعت مصر وبكرة الصبح تجيب تذاكر الطيران حنديلك تأشيرة الخروج وتسافر وتجيب ورق سيارتك عشان نخلى الكفيل يوقع عليه»، وعندما أخبرته إنه معى فى السيارة طلب إحضاره، وعندما رجعت لمكتبه فوجئت بـاثنين من العساكر «هاجمونى وقيدوا يدى ورجلى بالكلابشات الحديدية واحتجزونى لنصف ساعة داخل غرفة الحجز، وأغلقوا هاتفى المحمول»، قلت لهم «إنتم أكيد غلطانين»، فكان ردهم أنها أوامر العقيد الجهنى.
بعدها اصطحبونى إلى سيارة الترحيلات، وقيدونى فى مقعدى، ونقلونى إلى معتقل «بريمان» فى صحراء جدة، وهو نفس السجن المحتجز به الطبيبان رءوف العربى وشوقى المحكوم عليهما بالجلد. وهناك حاولوا الضغط على لأوقع تنازل عن سيارتى وكل ممتلكاتى للكفيل فرفضت، وقالوا لى «خليك مرمى فى السجن». صديقى النحيانى شك فى الموضوع بعدما تأخرت وتليفونى مغلق، فأرسل اثنان من المحامين إلى السجن، وعندما رأيتهم طلبت من أحد العساكر إنى أكلمهم فرفض، قلت له طب أكلم زوجتى أو السفارة فرفض أيضا، فصرخت فيه «أنا دكتور مش مجرم ما ينفعش تعمل معايا كده»، فكان رده «دكتور طب تعالى معايا»، واصطحبنى إلى حجرة على يسار الاستقبال، وأغلق الباب وقام بنزع ملابسى، وبدأ فى التحرش بى جنسيا وأنا مقيد لا أستطيع الدفاع عن نفسى. بعدها نقلنى إلى عنبر 2، وهو مكان ضيق لا يتسع لأكثر من 100 شخص، لكن يوجد به ما لا يقل عن 600 مسجون، كلهم من الأجانب وبينهم العشرات من المصريين يزيد عددهم على 100 مصرى.
كشف أبوالنور أن هناك العشرات من المصريين محتجزون دون تهم أو بتهم غريبة مثل التحرش بفتاة بالحرم المكى، أو «الالتصاق بالسيدة»، ومحتجزون دون محاكمات أو أوامر اعتقال. كما أنهم يتعرضون لأسوأ أنواع التعذيب، وينامون على البلاط، ويتعرضون للتحرش الجنسى، والطعام الذى يقدم لهم فاسد لا تأكله الحيوانات، كما أنهم ممنوعون من الاتصال بذويهم، وبالقنصلية المصرية، وحتى المرضى منهم ممنوعون من الحصول على أدويتهم كما حدث مع أبوالنور.
تعاطف المصريون المعتقلون مع أبوالنور وأحضروا له تليفوناً محمولاً مقابل رشوة، فقام بالاتصال بصديقه النحيانى، وأبلغ زوجته التى اتصلت بالقنصل المصرى على العشيرى، الذى قال لها «جوزك ما فيش أى حاجة ضده ومش عارفين هو ليه مقبوض عليه».
ومر اليوم الأول دون أن يحضر أى ممثل من السفارة لمساعدته، وفى اليوم التالى حضر محمود الجندى موفد من القنصل، لكنه «عمل مصيبة» كما يقول أبوالنور «سألنى فى الأول معاك فلوس، فقلت أكيد لا، ووعدنى إنه بعد دقائق سيوفرها لى، وطلبت منه أيضا إنه يخلص أوراقى عشان أسافر، ثم غادر السجن ولم أره مرة أخرى». وفى اليوم التالى اتصلت بيه وقلتله أرجوك ساعدنى وأنا حرد أى فلوس تدفعها بس أطلع من هنا برضه تخلى عنى ولم يسأل عنى مرة أخرى».
ظل أبوالنور معتقلاً لمدة 5 أيام «دون نوم أو طعام أو علاج وتعرضت لأسوأ معاملة، لم يساعدنى سوى النحيانى، الذى عرض على إدارة السجن الإفراج عنى على ضمانته» لكنهم رفضوا وكان الرد «إحنا بنفذ أوامر عليا، ومش عارفين سبب اعتقاله». وعن طريق علاقات النحيانى بشخصيات كبرى، نجح فى تصفية كل ممتلكات أبوالنور وحجز له ولأسرته تذاكر الطيران، وفى يوم الأربعاء 14 يناير تم الإفراج عن أبوالنور، وخرج من السجن بحراسة مشددة إلى المطار، وحتى على الطائرة اصطحبنى حتى مصر ثلاثة رجال أمن «رفضوا أن أجلس إلى جوار زوجتى وأولادى» ولم يتركونى إلا بعد أن وصلت إلى القاهرة.
طبيب مصرى هارب من معتقل «بريمان» السعودى يكشف:
عشرات المصريين معتقلون فى سجون المملكة ويتعرضون للتعذيب والاعتداءات الجنسية وأسرهم لا تعرف عنهم شيئا والسفارة لا تساعدهم
الجمعة، 06 فبراير 2009 12:19 ص