من سنن الله ونواميسه فى الكون التغيير والتداول، فكما يقولون فى الأدبيات المتداولة "الأيام دول"، والله سبحانه وتعالى يقول فى كتابه العزيز، "وقد خلت سنة الأولين"، ففى السياسة والاقتصاد والعسكرية تسيدت إمبراطوريات عدة الكون منذ نشأته، منها على سبيل المثال وليس الحصر الإمبراطورية الإسلامية والرومانية والفارسية والقيصرية والعثمانية وأخيرا الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس وهى الإمبراطورية البريطانية.
كل هذه الإمبراطوريات وغيرها كانت مآلات بعضها إلى السقوط والفناء والاندثار وبعضها الآخر الضعف والوهن والانكسار، كل ذلك لأسباب متعددة منها خلل العقيدة وقصور الإيمان ومنها الفساد والإفساد، ومنها التجبر والطغيان والاستبداد فى الأرض، ومن ثم الخضوع لسنن الله فى الكون "ولن تجد لسنته تبديلا "، وإبان الحرب العالمية الثانية ظهر لأول مرة مفهوم أو مصطلح القطبية فى العالم - مشتقة من كلمة استقطاب وتعنى اكتساب وضم موالين وأنصار وأحيانا إخضاعهم - فعقب أفول نجم الإمبراطورية البريطانية حلت الولايات المتحدة التى خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية محلها، واشتد عضد الثورة البلشفية فأفرزت الاتحاد السوفيتى ومن ثم صار العالم منقسما إلى معسكرين أو قطبين، أو كما سمى بعصر القطبية الثنائية (1950– 1990)، وهما المعسكر الشرقى او الشيوعى بقيادة الاتحاد السوفيتى والمعسكر الغربى أو الرأسمالى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، واستمر الصراع بين القطبين على قيادة العالم بين شد وجذب وحروب باردة حتى تمكن المعسكر الغربى فى بداية التسعينيات من إسقاط المعسكر الشرقى والانفراد بالعالم، ومنها صار العالم يخضع لحكم القطبية الواحدة وهى الولايات المتحدة الأمريكية حتى تاريخه.
أما فى المجال الكروى فقد تسيدنا العالم ولسنوات طويلة قوتين كرويتين هما البرازيل والأرجنتين حتى بزغت قوى كروية أخرى زاحمت وهددت عرش هاتين القوتين مثل ايطاليا وألمانيا وانجلترا واسبانيا، وفى كل بلد لاسيما الدول الكروية العريقة نجد أن هناك فريقين يحتكران البطولات ويمثلان إمبراطوريات كروية وكيانات اقتصادية ورياضية أصيلة مثل ريال مدريد وبرشلونة فى أسبانيا، وليفربول وتشيلى ومانشستر يونايتد فى إنجلترا، وبايرن ميونخ وشتوتجارت وبريمن فى ألمانيا ، وفى الدول العربية هناك الاتحاد والهلال فى السعودية ، ونادى الكويت والسالمية أو كاظمة فى الكويت، أما هنا فى مصر فقد كانت المنافسة حتى قبل يوم الأحد 2/2/2009 ومنذ مولد كرة القدم فى مصر منحصرة بين القطبين الكرويين الأهلى والزمالك، حتى أن يوم لقائهما صار عيدا كرويا كبيرا ينتظره كل الشعب بمختلف فئاته وأعماره السنية على أحر من الجمر وبشغف، وصار هذين الناديين كيانات رياضية واقتصادية واجتماعية خارج حدود المنافسة، ليس فى مصر فحسب بل امتد نفوذهما الكروى إلى قلب القارة السمراء وربما الأوروبية فى الحقبة المنظورة، حتى جاء لقاء نهائى كأس مصر الذى خلا من أى منهما على غير عادته، ففى مطلع القرن الواحد والعشرين اقتحم كل من الجيش والبترول الساحة الكروية المصرية محدثين طفرة كروية نوعية أحد ثمارها المقطوفة فوز منتخبنا الوطنى بلقبين متتاليين لبطولة كأس الأمم الأفريقية، هذا الاقتحام الإيجابى خلق نجوم كرويين جددا على الساحة الكروية المصرية، فبعد أن كان لاعبو الاهلى والزمالك يحتكرون النجومية والشهرة والأضواء، صار لدينا مواهب ونجوم جدد يصولون ويجولون فى ملاعبنا الخضراء ، ليس ذلك فحسب بل أن هذه الأندية الوليدة صارت مصنعا لتفريخ النجوم للأهلى والزمالك والمنتخب القومى.
لقاء القمة على نهائى كأس مصر الذى جمع بين إنبى الفريق البترولى وفريق حرس الحدود ممثل قواتنا المسلحة الباسلة، والذى أسفر عن حصول الحرس على هذه الكأس الغالية لأول مرة فى تاريخه الوليد، لاشك أنه سوف يعيد رسم خارطة كرة القدم المصرية خلال الفترة المقبلة لاسيما بعد المستوى الرائع الذى شاهدناه من الفريقين فنيا وأخلاقيا والمظهر الحضارى الذى ظهر عليه مدربا الفريقين الكابتن أنور سلامة والكابتن طارق العشرى، اللذين ضربا أروع الأمثلة فى الانضباط والإبداع الفنى والالتزام بالقيم والمبادئ.
وهذه شهادة تفوق للمدرب الوطنى المصرى الذى أثبت قدرة هائلة تؤهله لمنافسة الخبراء الأجانب كما حدث مع المعلم حسن شحاتة ، كما لا ننسى روعة التنظيم وأن نشيد بمستوى التحكيم، ولا ننسى اللاعب رقم 1 وهو الجمهور الذى بدا متحضرا ورائعا بعد هذا المهرجان الكروى البديع، لا أشك لحظة فى أن مستقبل الكرة المصرية مشرق ومبشر ويدعوا للتفاؤل، ليس هذا فحسب وإنما بزوغ قوة كروية جديدة بزعامة أندية البترول والجيش، وكله فى النهاية يصب فى صالح الكرة المصرية التى نتطلع جميعا بلوغها نهائيات كأس العالم القادمة بجنوب أفريقيا للمرة الثالثة فى تاريخها ، وهذا هو حلم كل مصرى ومصرية.
على يحيى الهوارى يكتب..
رحيل عصر القطبية الكروية فى مصر
الجمعة، 06 فبراير 2009 01:29 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة