«كان جنود القوات الخاصة الأمريكية يواجهون مقاومة عنيفة من خصومهم، رغم فارق القوة الواضح لصالحهم، ورغم آلياتهم الأكثر تطورا من أسلحة المقاومين البدائية، عندما بدأ مقاومون عزل فى التقدم تجاه مدرعات الجنود الأمريكيين ودباباتهم، رغم الرصاصات التى تمزق أجسادهم، قبل أن يلقوا بأنفسهم بينهم، لتنفجر الأحزمة الناسفة مطيحة بالجميع».
المشهد السابق لن تجده فى نشرة الأخبار على اعتبار أنه جزء من معركة جنود حماس مع جيش الاحتلال أو ميلشيات القاعدة مع المارينز الأمريكى فى العراق أو أفغانستان، ولا هو واحد ضمن مشاهد أفلام «جورج كلونى» المناهضة للحرب على العراق، بل هو أحد مشاهد لعبة الحرب الاستراتيجية «Genrals»، التى تعد من أشهر الألعاب الاستراتيجية التى تصور معارك مجسمة تخوضها جيوش الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، بالإضافة لجيش ثالث، ومستحدث، هو جيش القاعدة، الذى أطلق عليه مصممو اللعبة Gla، بقيادة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
«Genrals»، بجزأيها «Comnd Conqer، و «Zero Hour».. وألعاب استراتيجية أخرى مثل «Red Alert»، تنقل نموذج الحرب الذى تابعناه ونتابعه على الأرض إلى شاشة الكمبيوتر والبلاى استيشن وغيرها من أجهزة الفيديو جيم، كلعبة تحاكى الواقع تماما، ويظهر فيها كل خصم بمقدار قوته الحقيقية فى الواقع حتى إن حجم السلاح ونوعيته، يأتى فى اللعبة مطابقا لآخر الأرقام التى يعلنها موقع (Cia) وكالة المخابرات الأمريكية عن طبيعة تسليح وتكوين كل جيش فى العالم.
بالتالى فإن كل شئ فى اللعبة يشبه الواقع كثيراً. الجيش الأمريكى يمتاز بطيرانه وسلاحه المتطور وجنوده المارينز، والقاعدة وحركات المقاومة المختلفة لديها نفس الأسلحة الخفيفة والسيارات المفخخة، والعمليات الاستشهادية إذا لزم الأمر. وكما تسببت تلك الأسلحة الخفيفة فى الكثير من القلق والإزعاج للجيوش المنظمة على أرض الواقع، تفعل أيضا مع جنود المارينز على شاشة أى جهاز لألعاب الفيديو جيم، ومع اللعبة الأولى لك ستكتشف أن مخاوف الأمريكيين عموما وجنود القوات الخاصة والمارينز، من التورط فى قتال مباشر مع المقاومة المسلحة «حرب الشوارع»، لاختلاف قواعد تلك المعارك عن قواعد الحرب الحديثة التى تم تدريبهم عليها، والتى تؤمن تكنولوجيا الأسلحة الأمريكية، وآلة حربها الحديثة حياتهم فيها بكل الطرق، هى نفس المخاوف التى يتحدث عنها خبراء عسكريون أمريكان فى الواقع أيضا.
وكالعادة لم يفضح مصممو الألعاب الاستراتيجية المخاوف الأمريكية من المقاومة بشكل واضح، بل أتت ألعابهم التى تنتجها شركات أمريكية، استكمالا لسلسلة البطل الأمريكى الخارق، والجندى الذى لا يقهر، بأسلحته الحديثة والأقوى بين بقية جيوش اللعبة، خاصة فى لعبة «Genrals» التى يظهر فيها الجيش الأمريكى على أنه الأفضل والأقوى، ليصبح الاختيار الأمثل للاعبين الراغبين فى الفوز، ليجدوا أنفسهم فى هذه الحالة ينفذون عمليات ضد جيش القاعدة، أو جيش الإرهابيين كما تسميهم اللعبة، ولينتقل مسرح العمليات العسكرية إلى أرض العراق، وأفغانستان، وكازاخستان.
مخاوف الجنود الأمريكين فى ألعاب الحرب الأمريكية أيضا- لا تختلف كثيرا عن مخاوفهم على أرض الطبيعة، بل إن تلك الألعاب تعد تجسيدا حيا لتلك المخاوف المستوحاة من المعارك الأمريكية فى أفغانستان والعراق، ففى لعبة «Genrals»، التى يعد الجيش الأمريكى أقوى جيوشها، تبدأ مرحلتها الأولى بعد إسقاط مقاومى القاعدة إحدى طائرات F 16 عن طريق قذائف «آر بى جى»، وهو السيناريو الذى يتكرر خلال مراحل اللعبة، فتستطيع المقاومة العراقية كذلك تدمير طائرات الأباتشى المقاتلة بنفس القاذف البدائى ويواجه جنود المارينز فى تلك الألعاب الشراك التى تنصبها لهم المقاومة فى المدن التى يدخلونها بأسلوب «حرب العصابات»، عن طريق دفع سيارات مفخخة يقودها انتحاريون فى طريقهم لتفجر ما تصطدم به من دباباتهم ومدرعاتهم، قبل أن يخرج عليهم مسلحون من المنازل المحيطة، ويمطرونهم بالصواريخ والرصاص. الأكثر من ذلك مقاومة المدنيين التى تصورها لعبة «Genrals»،
والتى تصطدم فيها نساء ورجال بملابس عربية مع الجنود الأمريكيين، ويمطرونهم بزجاجات المولوتوف الحارقة، والتى تسبب خسائر فادحة لآليات الجيش الأمريكى ودباباته فى اللعبة.
الرعب الأكبر فى تلك الألعاب هو الانتحاريون المفخخون بالأحزمة الناسفة، خاصة أنهم يسببون أكبر الأضرار لجنود المارينز، فبمجرد اقترابهم من الدبابات والمدرعات الأمريكية، يفجرون أنفسهم، فتتحطم الدبابات ويسقط الجنود صرعى حول حفرة كبيرة يحدثها انفجار الانتحارى. العجيب أن السيناريو السابق، هو نص شهادات الجنود الأمريكيين العائدين من الغزو العراقى عن عمليات الاشتباك مع المقاومة، لصحف ومحطات تليفزيونية أمريكية.
شهادات الجنود الأمريكيين أكدها اللواء محمد على بلال، قائد القوات المصرية التى شاركت فى حرب الخليج، مضيفا أن أصعب مهمة يمكن أن توكل إلى جيش نظامى فى العالم هى قتال المدن، لأنه يتم بأسلوب «حرب العصابات»، والأكمنة والشراك، مما يضطر الجنود إلى القتال مترجلين، وهو ما يمثل صعوبة بالغة للجيوش النظامية.
الفريق محمد الشحات، القائد السابق لقوات الدفاع الجوى، يضيف إلى الكلام السابق أن الألعاب الاستراتيجية تشبه إلى حد كبير المعارك الحقيقية التى تخوضها الجيوش، لأنها خرجت من عباءة التدريب العسكرى، عبر ألعاب الفيديو، وهو أسلوب تتبعه كل جيوش العالم للتدريب، ويستخدم فيه الجنود ألعابا مصممة خصيصا لتدريبهم على تكتيكات ومعارك افتراضية، بأسلوب المحاكاة ثلاثية الأبعاد.
الفريق الشحات لم ينس أن يشير إلى أن الألعاب الحربية التدريبية تصمم خصيصا للجيش الذى يدرب جنوده عليها، وأكد أن الألعاب الاستراتيجية الترفيهية المستوحاة من الألعاب الحربية، تتشابه إلى درجة كبيرة مع الألعاب التى تستخدمها الجيوش، مضيفا أن مخاوف الجنود الأمريكيين التى تفضحها تلك الألعاب من المقاومة ومن حروب العصابات حقيقية، ولها أساس على أرض الواقع، ودلل الشحات على كلامه بمعارك المدن التى خاضها الجيش الأمريكى، بدءا بحرب فيتنام، ومرورا بعمليات أفغانستان والعراق. الكلام السابق رغم جذوره الواقعية؛ فإنه يختلف كثيرا عن الصورة التى يحاول الإعلام الأمريكى رسمها لجندى الجيش، ذى القدرات الخاصة، القادر على قهر جيش كامل بيمناه، بينما تحتضن يسراه فتاة فاتنة، وبعدما قامت السينما بدورها للترويج لتلك الصورة التى تؤكد أن جندى المارينز هو البطل المغوار، صاحب القوة والشهامة، جاء الدور على ألعاب الفيديو جيم لتعيد رسم هذه الصورة، ولكن هذه المرة فى عقول أجيال قادمة، ستكبر وتكبر معها تلك الصورة الخرافية للجندى الأمريكى غير القابل للهزيمة.
لمعلوماتك...
◄5 مليارات دولار مبيعات ألعاب الكمبيوتر والفيديو سنويا
◄3 شركات عالمية تحتكر صناعة ألعاب الكمبيوتر وبرمجياتها حول العالم
◄أقر الجيش الأمريكى فى عام 2004 بتزايد معدلات انتحار الجنود فى العراق منذ بدء الغزو، وأكدت إحصاءات للبنتاجون هروب المئات من المارينز من العراق نتيجة تصاعد هجمات المقاومة العراقية التى أسفرت عن سقوط الآلاف منهم بين قتيل وجريح، خلافا لمئات آخرين لقوا مصرعهم فى حوادث عرضية، أو بنيران صديقة كما يحلو للجيش الأمريكى تسميتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة