ورق الصحف له استخدامات متعددة, القراءة طبعا، أو الفرش فوق الأرفف، أو لف ما تشتريه من الباعة الجائلين، أما لدى هويدا «33» سنة وزوجها «محمد» 40 سنة، فله استخدام آخر، فهى تشترى الجريدة لكى تقص عليها باترون التفصيل.. أما محمد فيصنع من ورق الجرائد «قرطاسا» يشعل فيه النار ثم يضعه فى كوب زجاجى حتى يحترق تماما فيلقى بالرماد, ويتبقى «دهن الحبر» كما يقول فيدهن به أصابع يديه لكى «يكوى» الجروح التى لا تندمل من جراء عمله فى صناعة بلاط الأرضيات بإحدى الورش جنوب القاهرة.
قبل عام 1996 كان محمد عيد محمود يستيقظ فى الفجر يوميا, ويتجه إلى ورشة البلاط, حيث يقوم بتقليب عجينة البلاط التى تتكون من الأسمنت الأبيض والبودرة والحصوة، فتتكون الخلطة التى تصب فى «الفورمة» ثم يقوم بوضعها فى «شراعة» خشبية تسع 10 بلاطات وتزن 40 كيلو , وعلى كل «صنايعى» أن يكبس 15 مترا من البلاط يوميا، والمتر 16 بلاطة.
فى ليلة شتوية من ليالى 96, وبينما يقوم «محمد» بتشحيم ماكينة «الفورمة» اشتبك طرف قميصه بعجلة السير وفى ثوان سحبت ذراعه أيضا وفتتت الماكينة عظمه وقطعت أعصاب كفه، ظل يصرخ ويئن حتى نقله واحد من المارة إلى مستشفى قصر العينى, ولم يكن مع محمد سوى عشرة جنيهات «يوميته», وكان مع الرجل الذى نقله للمستشفى 35 جنيها, وهناك قالوا لهم: «على أد فلوسكم ح نجبسه».
وجبسوا نصف الذراع المهشم الذى كان بحاجة إلى علاج تتجاوز تكلفته ألف جنيه (شريحة ومسامير وعملية.. إلخ), وليس مجرد نصف «جبس».ومنذ ذلك اليوم أصبح محمد الذى يعول أسرة مكونة من 5 أفراد عاجزا، يقول: «11 سنة ما بقدرش اتقلب وأنا نايم ناحية دراعى, ولا بقدر أشيل حاجة».
«هويدا» شريكة عمر محمد تقول: «والله احنا تعبنا من الدنيا واللى فيها, حتى اللى بيكون عايز يعمل لنا حاجة بقينا نخاف منه، احنا بندفع إيجار للأوضه والصالة اللى ساكنين فيهم 70 جنيه كل شهر, و30 جنيه كهربا بالزبالة, و220 جنيه دروس للعيال, ده غير الأكل والشرب.. بقالى شهر مكومة الغسيل لأنى معنديش مسحوق أغسل بيه, أنا باشترى الفرخة وأقسمها قطع صغيرة تكفينا أسبوعين, واللحمة بنشترى أحيانا ربع كيلو.. باساعد نفسى وبيتى بشوية الجلاليب اللى باخيطها للستات فى الشارع, ورينا يهون علينا العيشة لحد ما نموت».
«أنا قررت أصوم» , هكذا انتقلت هويدا إلى محطة أخرى من الحديث.. تقول: «أنوى الصيام ولا أقطعه إلا أيام الجمعة, وأيام العذر, كده كده ما بناكلش يبقى ناخد ثواب أحسن, وغير كده احنا معندناش تلاجة, ومرة حطيت العيش فى ثلاجة جيرانى, طلبته, لقيتهم أكلوه, سكت ح أعمل إيه, مبعرفش أتخانق».
قبل 13 عاما كان الزوج «صنايعى ماهر» حتى فقد ذراعه وعمله فى حادث واحد
هويدا ومحمد.. «بيغسلوا» ملابسهم مرة فى الشهر.. ويتعالجوا بورق الجرائد.. ويشتروا اللحمة «بالربع كيلو»
الخميس، 05 فبراير 2009 11:36 م
محمد الزوج الذى غدر به الزمن
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة