فى فيلم «استراليا» تدور قصة حب كبيرة بين بطليه نيكول كيدمان وهيو جاكمان تنتهى حسب السيناريو الذى كتبه المخرج باز لورمان - بموت البطل، وهو مايتفق مع مسار القصة ومغزاها، ولكن عندما عرض الفيلم على مجموعة من الجمهور ضمن العروض الاختبارية التى تجريها شركات هوليوود، اعترضت الغالبية على النهاية وقالوا إنهم يتمنون لو أن البطل عاش واقترن بحبيبته فى النهاية.. وهو ما دفع الشركة المنتجة للضغط على المخرج، و«إقناعه» بأى وسيلة لإعادة تصوير النهاية لتتماشى مع رغبة الجمهور.
ليست هذه هى المرة الأولى ولا الأخيرة التى يبدل فيها صناع الأفلام نهاياتها «الحزينة» بنهايات أخرى «سعيدة»، حتى لو جاء ذلك على حساب المنطق والدراما. وحتى لا نظلم هوليوود كالعادة، فإن تغيير نهايات الأعمال الفنية مسألة قديمة، وطالت حتى الأعمال المحفوظة عن ظهر قلب مثل «روميو وجولييت» و«هاملت» التى يموت فيها كل الشخصيات، والتى تغيرت بنهايات يتزوج فيها روميو من محبوبته وينتقم فيها هاملت من قاتل أبيه ويتزوج أوفيليا!
أما أغرب الحالات فحدثت مع موسيقار كبير طلب منه تغيير نهاية أوبريت كتبه تموت فيه الشخصيات، فما كان منه إلا أن احتفظ بالنهاية الأصلية ثم جعل الشخصيات تنهض مرة أخرى لتؤدى أغنية ختامية!
السينما المصرية فعلت نفس الشىء، وربما أكثر من أى سينما أخرى، فلا يكاد يوجد عمل تراجيدى أدبى أو مسرحى، لم تقم بتحويله إلى كوميديا أو ميلودراما استعراضية تتحول فيه النهاية المأساوية إلى نهاية سعيدة.
منذ حوالى 2500 عام وضع أرسطو أصول الدراما فى كتابه «فن الشعر»، وقسمها إلى تراجيديا ذات نهاية حزينة وكوميديا ذات نهاية سعيدة. وكان الناس يحترمون النهايات المأساوية أكثر لأنها كانت تحقق لهم ما أطلق عليه أرسطو «التطهير»، ولكن يبدو أن مزاج الجمهور يتغير وفقا للظروف، وأنه كلما كان تعيسا ويائسا أو خائفا من «التطهر»، كلما فضل الكوميديا.. ولكن المؤسف فى أفلام هذه الأيام أن الكوميديا اختلطت بالمأساة، ولذلك نجد فيلما يموت فيه آلاف الناس بفعل كارثة ما، أو خلال معركة دموية تستغرق زمن الفيلم كله، ولا يخرج منها سوى الأبطال فقط سالمين وسعداء، وهو مايرسخ فى الأذهان أن السعادة مرتبطة بالأنانية وبالحفاظ على حياتنا حتى لو كان الثمن موت الملايين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة