مها طارق محمد حاصلة على ليسانس كلية الآداب قسم التاريخ بتفوق، وتقيم فى منطقة عين شمس، تذهب كل عام إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب للتزود بالجديد من الكتب التى تعشق قراءتها، فى العام الماضى ذهبت إلى المعرض، وأثناء تجولها وجدت ورقة ملقاة على الأرض هالها ما فيه، فهى شيك بمبلغ مليون جنيه لحامله من معرض القاهرة للكتاب ومسحوب من البنك المركزى، ودون تفكير ذهبت إلى العقيد مصطفى محمود مدير أمن الهيئة المصرية للكتاب، والذى أبلغ المسئولين عن المعرض، والتفوا حولها ووعدوها بالوقوف إلى جوارها، فهناك وظيفة محترمة بالمعرض فى انتظارها، وأيضا تعيين كل ما يستحق من أفراد أسرتها، وأجروا الاتصالات بالدكتور ناصر الأنصارى رئيس الهيئة العامة للكتاب، والذى تحدث إلى مها شاكرا ومادحا أمانتها الكبيرة، وحصل منها على رقم هاتفها واعدا إياها أنه سيوفر لها وظيفة مناسبة ومهمة بالمعرض.
«مها» خرجت من مكتب العقيد بعد حصولها على «إقرار استلام الشيك» موقع منه.. حصلت على الإقرار، وخرجت مسرعة من المعرض والسعادة تسيطر عليها، لسببين الأول: أن مبلغ المليون جنيه لم «يزغلل» عينيها وأنها تغلبت على كبت شهوة النفس الآمرة بالسوء بأن تصمت وتجد الوسيلة فى صرف المبلغ، الذى سينتشلها وأسرتها من العيش فى شظف الحياة، والسبب الثانى: أن الرجال المحترمين والمثقفين من القائمين على هيئة الكتاب وعدوها بالحصول على فرصة عمل كثيرا ما حلمت بها منذ تخرجها.
عادت «مها» إلى منزلها وبعد انتهاء المعرض ذهبت إلى مكتب ناصر الأنصارى ليوفى بوعده لها أن يعينها فى وظيفة، لكن مديرة مكتبه أكدت لها عدم وجوده، عادت الكرة من جديد بعد مرور أسبوع آخر، وما إن شاهدتها مديرة مكتب رئيس الهيئة حتى اكفهر وجهها، مؤكدة أن الدكتور مسافر خارج البلاد.
خرجت «مها» مثقلة القدمين يخالجها شك وخوف من أن تكون الوعود قد تبخرت، وأن الأمر ما هو إلا مسكنات للحصول على الشيك، ووسط هذا الزحام سقط والدها صريع المرض الفتاك يئن تحت وطأته فى مستشفى الدمرداش ثم سرعان ما فاضت روحه، ووسط الحزن ونار الفراق أعادت «مها» الكرة وذهبت إلى الدكتور ناصر الأنصارى إلا أنها فوجئت بتجاهل شديد، وكررت الأمر 10 مرات، وما بين التجاهل «والشخط والنتر»، أصيبت الفتاة بصدمة كبرى، غير مصدقة أن القائمين على العرس الثقافى لا يصدقون فى وعودهم، ويرسخون مبدأ عدم الأمانة والانتهازية بديلا للأمانة.
«مها» تعيش أياما صعبة، فمصدر رزق أسرتها لقى ربه، وهى تبحث فى كل مكان عن فرصة عمل ولا تجد، وهى التى كان منذ عام بين أيديها مليون جنيه ورفضتها بقوة، وكان يمكن لها أن تضع القائمين على المعرض الذين يتنكرون لها فى ورطة، ليس هذا فحسب، فهى كان يمكن لها أن تتمسك بحقها القانونى ومقداره عشرة فى المائة من قيمة الشيك جزاء أمانتها، أى مائة ألف جنيه لكنها لم تلتفت لذلك، ولم تفكر فيه، وغلبت الأمانة المطلقة، التى تصورت أنها ستنال عليها الجزاء الحسن، لكن عادة تخلى المسئولين عن وعودهم تغلبت على كل شىء بما فيها أمثال مها، الدكتور ناصر الأنصارى سيقف أمام الكاميرات للحديث عن إنجازاته فى المعرض لكنه لن يتذكر ما فعلته مها، والدليل ما حدث معها من تنكر لوعوده، فهل يتذكرها مسئولون آخرون، القصة نهديها إلى وزير الثقافة فاروق حسنى.