انتصرت حماس وإسرائيل والحكومة الفلسطينية ومصر وقطر، ويحق لكل هؤلاء أن يقيموا أقواس النصر، ويهنئون بعضهم البعض ويلقون الخطب الحماسية التى تنقل للعالم كيف خططوا وجهزوا وصبروا وانتصروا فى النهاية.
حماس لم تتوان فى إعلان انتصارها، وهاهو خالد مشعل يعلن الانتصار، فهى تقف على قدميها، لم تستطع الغارات الإسرائيلية أن تدفع بها للتراجع أو حتى إعادة النظر فى أهدافها أو تكتيكاتها، ودلائل النصر واضحة للعيان لا يستطيع أحد تكذيبها، قتلى أو شهداء حماس 48 فردا فقط، كل هذا الضرب من صواريخ ومدفعية، ومازالت تحتفظ بقدراتها العسكرية تقريبا كما هى، كل ما خسرته هو هدم بعض المبانى الحكومية،وهى فى الحقيقة كانت تحتاج للتجديد فى كل الأحوال، وهى أيضا مازالت تعلن أنها لا تقبل بهدنة طويلة بل هدنة محدودة مابين 6 أشهر أو سنة، باختصار انتصار تام ولا يمكن لنا ان نتحدث عن أخطاء أو غيره، فالمقاومون من عينة حماس وغيرهم من المغاوير لا يخطئون أو على الأقل لم يخطئوا حتى الآن، والدليل على ذلك معركة غزة الأخيرة هل يمكن لأحد أن يتحدث عن هفوات ارتكبوها، لم أسمع صوت أحد، موافقة!!، أما عن أقوال العملاء حول إطلاق الصواريخ من وسط الأحياء السكنية،أو استخدام المدارس فى أعمال قتالية،أو استخدام المستشفيات والمساجد بعد المعركة لتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين أو حتى عدم تهيئة المواطنين للاختباء فى ملاجئ من القصف الدائم، فهذه كلها أكاذيب لايمكن إلا لعميل أن يناقشها أو يفكر فيها.
أما إسرائيل فيمكن لها أن تتحدث عن الانتصار، طائراتها قصفت غزة بأحدث ما لديها من أسلحة، وسقط الأطفال والرجال والنساء شيوخ وعجائز وشباب، ولم يستطع أحد أن يوقف زحفها، ولم نر طلقة واحدة تطلق فى مواجهتها إلا بعض الصواريخ التى واجهتها إسرائيل بمرونة بالغة، فأخذت العدة للدفاع عن مواطنيها وردت بقصف أعنف على مصادر إطلاق الصواريخ ومن لم يطلق الصواريخ!!
أمر آخر أن اسرائيل حين وجدت أن أهدافها تحققت، توقفت عن العملية العسكرية وسحبت قواتها دون ضغوط من أى طرف، ويمكن لها إذا وجدت فى أى لحظة بعض القصور فى تحقيق أهدافها من المعركة أن تعاود القصف فورا، غير أن قادة إسرائيل ليسوا من عينة قادة حماس المغاوير ولهذا كان لهم بعض الأخطاء فى معركة غزة وجارى التحقيق فيها، وهى أخطاء صغيرة بشكل عام مثل استخدام أسلحة محرمة، أو البشر كدروع بشرية، أو قتل الأطفال والنساء بعد رفع الأعلام البيضاء، أخطاء صغيرة ولكن لأن الصهاينة "إنسانيين" إلى حد بعيد!!! سوف يقومون بالتحقيق فى الأمر وربما يعاقب هذا الجندى أو ذاك.
أما الحكومة الفلسطينية بالطبع تستطيع الاحتفال بالنصر، فقد اتضح للجميع أنها الطرف الفلسطينى القادر على الحوار مع كافة الأطراف، وهاهو محمود عباس يقف بين زعماء أوروبا والعرب ممثلا للشعب الفلسطينى، منتفخا كديك نجا من الذبح، يعلن أنه لا يمكن لمليارات الدولارات أن يتم صرفها إلا بعد أن تمر على حكومته فى رام الله، فهو الممثل الشرعى، وقد كان مع مصر يهندسان المبادرة التى وضعت أساس وقف إطلاق النار.
أما النظام المصرى الذى بدا تائها فى بداية المعركة وتحمل الإساءات المختلفة التى وجهتها له الجماهير والأنظمة العربية على حد سواء، فقد اتضح أنه لا يمكن وضعه على الرف بتاتا، إذ بدأت المذبحة بعد زيارة "الست" ليفنى، الأمر الذى جعل الجميع يوجهون له الاتهامات بالتواطؤ والضلوع فى المؤامرة، استطاع اللحاق بالقطار قبل أن يصل إلى محطة الوصول، وكانت المبادرة المصرية التى وضعت الأساس لوقف إطلاق النار والهدنة المؤقتة، ثم مؤتمر شرم الشيخ الذى توسط فيه الرئيس المصرى زعماء العالم ليتبارى الجميع فى تقديم التحية والتقدير له، هذا غير زعماء حماس أنفسهم الذين لا يتوانون فى البرهنة التامة على حماقة الاتهامات التى تم توجيهها سابقا للنظام المصرى.
أما قطر فقد واصلت عروضها القوية واستثمرت الحدث لأبعد الحدود، فذراعها الإعلامية الطولى قناة الجزيرة استطاعت أن تجتذب العالم فى ملاحقة سريعة للأحداث والدبلوماسية القطرية بسرعتها وحركاتها الرشيقة، والتى وصلت قمتها فى قمة الدوحة، أعلنت بقوة أن لا يمكن الاستهانة بهذه الإمارة الصغيرة فهى تستطيع أن توجه الضربات للأصدقاء والأعداء على حد سواء. استطاعت أن تنال الحسنيين رضا حماس ورضا إسرائيل، الله أكبر يا عرب.
يبقى السؤال.. إذا كان كل هؤلاء انتصروا فمن هو المهزوم، أحسبكم تعرفون الإجابة المهزومون هم أولاً أبناء الشعب الفلسطينى، وبقية شعوب منطقتنا، وأعتقد أنهم سيلقون المزيد من الهزائم، لسبب بسيط هو أنهم ما زالوا يهللون لقاتليهم!
