سعيد الشحات

عبدالرحمن الأبنودى

الجمعة، 27 فبراير 2009 02:28 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعلقت كما تعلق الملايين غيرى بالشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، فى سنوات الطفولة كان أبى وخالى جسره الأول إلى قلبى، فى جلسات سهر الصيف على سطح دارنا فى قرية كوم الأطرون بالقليوبية كانا يرددان أشعاره، فالتقطت منها ما تيسر، وفى اليوم التالى تتمدد عظمتى بين زملائى فى المدرسة، فأنا دونهم أقول شعرا للأبنودى، ودونهم أحكى جانبا من سيرته التى استمعت إليها من الأب والخال فى جلسات سهر الليل، وهكذا أكسبنى الشاعر الكبير تفوقا لم أحصل بسببه على درجات فى الدراسة، ولكن حصلت على ما هو أعظم، حصلت على صفة التفوق غير الدراسى و«الكبير» بين أقرانى.

كان الراديو «كبير الحجم» جسره الثانى إلى قلبى، عرفنا التليفزيون بعده بسنوات، لكن الراديو كان يجعلنا نتخيل الصورة ونرسمها معه، كنت أحتضن الراديو فرحا كلما سمعت عبقرية كلماته، فى أغنيات لعبدالحليم حافظ، ومحمد رشدى، ونجاة، وشادية، وفايزة أحمد، وغيرهم ممن صاغوا وجداننا حزنا وفرحا، وفى شقاوة الصبا لا يمنع أن نسرق كلماته، من أغنيات مثل «الهوا هوايا»، و«فى أحضان الحبايب» وغيرها، وننسج منها خواطر كنا نظنها شعرا حتى ندغدغ مشاعر من نحب، كان رسولنا إذا فى الحب، كما كان رسول آبائنا الفلاحين إلى الأرض والعيال والدار، كما كان رسول الكل إلى الأمل والعمل.

آه يا عبدالرحمن، ونجاة بتشجى بكلماتك: «وبكرة وردتى تطرح فى يوم ما تعود مع النسمة، حبيبى بكرة راح أفرح، وأتعجب على القسمة، مسير الشمس من تانى، تنور فوق سنين عمرى، وهيجينا الربيع لاخضر، شباب نشوان بيتمخطر، مسير الشمس من تانى، من تانى»، لك العبقرية يا أبنودى، ولنا متعة الخيال، وشوق الانتظار على رصيف الأمل، وحزن الفراق على من نحب، سنوات وسنوات ونحن نشرب من هذا الفتى النحيل، حتى شيب الشعر الذى زاد قلبه اخضرارا، فأتحفنا المزيد والمزيد من «الموت على الأسفلت» حتى قصيدته الصابحة «التوأم» والتى أبدعها منذ أيام، وأهداها إلى القامتين العظيمتين الرائعين محمود أمين العالم، وعبدالعظيم أنيس بعد أن رحلا قبل أسابيع، قصيدة من مبدع نادر إلى مبدعين نادرين.

أعادتنى القصيدة إلى سنوات مضت، حين رأيت الأبنودى أمام الآلاف من أبناء القليوبية المحتشدين لتأييد خالد محيى الدين، أطال الله فى عمره، وقائمته الانتخابية لمجلس الشعب عام 1984، وحضر يومها كمال الدين حسين نائب عبدالناصر والمعتزل وقتها للعمل السياسى بعد تجربة قصيرة ومريرة فى عضوية البرلمان مع السادات، التهبت الأيادى تصفيقا حين تقدم الأبنودى لإلقاء الشعر، وزاد التصفيق حين استهل أشعاره بقوله: «لم أحضر لتأييد هؤلاء ولكن للتشرف بالوقوف إلى جوارهم للحظات»، كان للتحية مفعول السحر، وكان من صوته الشجى المحرض الإذن بالاستمرار فى الأمل.

فى رحلة الذين أحبهم رأيته باكيا وهو يودع نبيل الكتاب الصحفيين وكبيرهم محمد عودة: «مع السلامة يا محمد»، ومع جثمان محمد رشدى: «مع السلامة يا حبيبى، مع السلامة يا محمد»، كنت أعرف كم كانت دموعه آتية من قلبه على الاثنين، فمن العم محمد رشدى الذى اقتربت منه سنوات وسجلت قصة حياته، عرفت كم كان الأبنودى جسره الدائم للوصول إلى قلوب الناس، عبر أغنياته، «تحت السجر يا وهيبة، ياما كلنا برتقان»، و«عدوية»، و«بلديات»، و«ع الرملة» وغيرهم، حكى لى محمد رشدى كم كان الحلم يداعب الثلاثى، هو وبليغ، والأبنودى، لعمل ثورة فى الأغنية تواكب الحلم الذى عاشوه مع عبدالناصر وأخلصوا له، أغنية تعبرعن البسطاء وتتغنى بهم، تقول لهم أن الوطن وطنكم، والفرصة جاءتكم فاغتنموها.

قبل الأبنودى لم تكن تعرف الأغنية أسماء مثل وهيبة، ونجاة، وعدوية، وكل الذين ساروا على هذا النهج، بقى الأبنودى كبيرهم، وبقينا معه ننهل من قاموسه الذى حمله لأهله فى الجنوب، إلى ناسه فى الشمال، مضى الأبنودى فى ذلك وكأنه مينا موحد القطرين، عودنا نحن أهل الشمال على «لغوة» أهل الجنوب، فأحببناها لدرجة العشق لأن رسولها فى الشعر رفض التخلى عنها، ورفض التمترس فى خانة الفصحى، فاكتشفنا أن للفصحى ألف وجه ووجه، والأبنودى ألف وجوهها.

فى قاموس الأمل والشجن، رائعته «عدى النهار» للرائع عبدالحليم حافظ، تلك الأغنية التى عبرت عن وجع عبدالناصر ووجع كل العرب بعد نكسة 1967، ولهذا أحب الزعيم الراحل تلك الأغنية الشجية، وكلما كانت تغيب عن الإذاعة يسأل عنها، فمنها عرف كم كان الحلم رائعا، لكن نهاره كان قصيرا.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة