يسرى فودة

شكراً وزيرة الداخلية البريطانية

الجمعة، 27 فبراير 2009 02:26 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هجوم حاد تتعرض له وزيرة الداخلية البريطانية جاكى سميث، لاتخاذها قراراً شجاعاً قبل أيام قليلة، تمثل القرار فى منع مواطن من إحدى دول الاتحاد الأوروبى من دخول بريطانيا لغرض محدد، أما المواطن فليس مواطناً عادياً، بل هو عضو فى البرلمان الهولندى، وأما الغرض المحدد فكان تلبية دعوة من مجلس اللوردات البريطانى لمناقشة الفيلم الذى أنتجه كى يدعو المسلمين فى نهايته إلى تمزيق صفحات بعينها من القرآن.

كنت فى مؤتمر دولى يناقش حرية الصحافة قبل نحو عام فى أحد منتجعات السويد عندما جاءنا خبر إصدار فيلم جديد فى هولندا يتعرض للإسلام والمسلمين بالسوء، ثار جدل واسع فى أروقة المؤتمر وفى جلساته، اتخذت أثناءه قراراً بالامتناع عن التعليق إيماناً بأن النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله. اليوم، بعد قرار وزيرة الداخلية البريطانية والهجوم الحاد الذى أعقبه، وجدت نفسى مضطراً إلى مشاهدة الفيلم، ثلاث مرات.

يبدأ الفيلم بصورة لمصحف على شاشة سوداء يظهر تدريجياً إلى جواره اسم الفيلم، «فتنة»، مع موسيقى صحراوية، يتوارى هذا كى يفسح المجال لكارتون شهير يصور الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يرتدى غطاءً للرأس على شكل قنبلة يبدأ فتيلها فى الاشتعال، تنفتح صفحات القرآن كى ترشدنا إلى الآية رقم 60 من السورة رقم 8 (سورة الأنفال)، نسمع صوت الشيخ السديسى يتلوها: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم».

فجأةً تظهر طائرة مروان الشحى كى تخترق البرج الجنوبى لمركز التجارة العالمى مع أصوات ذعر وهلع واستغاثات وتسجيلات هاتفية للضحايا وهم يحترقون. يؤدى هذا إلى صور مريعة لتفجيرات مدريد واستغاثات امرأة فى إحدى محطات القطار، ثم صورة إمام يرتدى عمامة أفغانية ويخطب فى الناس بالإنجليزية ما يمكن ترجمته إلى: «ما الذى يُدخل السعادة إلى قلب الله؟ الذى يُدخل السعادة إلى قلب الله هو أن يُقتل غير المسلمين»، لا تزال صور الضحايا تترى بينما يأتينا إمام آخر يخطب فى الناس بالعربية: «اللهم اقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً».

تنفتح صفحات القرآن مرة ثانية كى ترشدنا إلى الآية رقم 56 من السورة رقم 4 (سورة النساء): «إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب»، يقودنا هذا إلى إمام يخطب فى الناس منفعلاً: «سيقول حتى الحجر يا مسلم هذا يهودى خلفى تعال واقطع عنقه، ونحن نقطعها»، عند هذه النقطة يستل الإمام الغاضب سيفاً مرعباً ويصرخ بشكل هستيرى: «أيها الإخوة! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الجهاد فى سبيل الله! الجهاد فى سبيل الله!» تنفعل الجماهير وراءه.

تطلع علينا بعد هذا طفلة صغيرة محجبة بينما نسمع صوت مذيعة تحاورها بلهجة مصرية واضحة: «اسمك إيه؟» «بَسْمَلة»، «عندك كم سنة؟» «3 سنين ونص»، «إنتى مسلمة؟» «آه»، «بسملة إنتى تعرفى اليهود؟» «آه»، «بتحبيهم؟» «لأ»، «ما بتحبيهومش ليه؟» «كده»، «عشان هُمّه إيه؟» «هُمّه قِرَدة وخنازير»، «عشان هُمّه قِرَدة وخنازير؟» «آه»، «ومين قال عليهم كده؟» «ربنا»، «وقال عليهم فين؟» «فى القرآن».

يعقب هذا مشهد سَحْل الجثث المتفحمة لعملاء سى آى إيه فى الفلوجة وصور لتفجيرات لندن وصور لمحجبات يشاركن فى مظاهرات، تحمل إحداهن لافتة باللغة الإنجليزية تقول: «استعدوا للمحرقة الحقيقية»، بينما تحمل أخرى لافتة تقول: «اللهم بارك فى هتلر»، تندمج هذه المشاهد مع مشاهد لمُقَنّعين بعضهم يلتحف كوفيات فلسطينية وبعضهم الآخر بلباس طلائع حزب الله، وكلهم يأتى بإشارة «هاى هتلر»!

تنفتح صفحات القرآن مرة ثالثة كى ترشدنا إلى الآية رقم 4 من السورة رقم 47 (سورة محمد): «فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق»، يرتبط هذا بمشاهد للمخرج الهولندى القتيل، ثيو فان جوخ، وصور لمتظاهرين فى هولندا يرددون: «اتعظوا بما حدث لثيو فان جوخ فإنكم ستدفعون الثمن بدمائكم»، ثم صور لخناجر ملطخة بالدم، ومشهد مرعب لذبح الرهينة البريطانى العجوز، كين بيجلى، وهو يصرخ.
ثم تنفتح صفحات القرآن مرة رابعة كى ترشدنا إلى الآية رقم 89 من السورة رقم 4 (سورة النساء): «ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء، فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا فى سبيل الله، فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيرا». يأتى بعد هذا إمام يتحدث عن فوقية الإسلام ومقتطفات صحفية عن تهديدات بالقتل لسلمان رشدى وآخرين، وأخيراً تنفتح صفحات القرآن مرة خامسة كى ترشدنا إلى الآية رقم 39 من السورة رقم 8 (سورة الأنفال): «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله»، يؤدى هذا إلى سلسلة من الأئمة والمسئولين والشباب فى تتابع مؤداه «سيأتى يوم نحكم فيه العالم» و«لتذهب الحرية إلى الجحيم».

يتهيأ الفيلم الآن لإرعاب الغربيين من الأعداد المتزايدة للمسلمين فى ديارهم فيذكر أن عددهم تضاعف فى هولندا من 54 مسلماً عام 1909 إلى 54 مليون مسلم فى أوروبا عام 2007، بالطبع مع صور توضح انتشار المساجد فى المدن والمحجبات فى الشوارع، وينتقل من هذا إلى الضرب على أوتار حساسة تتعلق بالحريات الشخصية والمدنية وطريقة الحياة الغربية، فى هذا الإطار يركز على ختان الإناث وجرائم الشرف والرجم وقطع الرقبة وأوضاع المرأة وأوضاع اللوطيين، مع عناوين صحفية يمكن لها بسهولة أن تثير الذعر لدى من لا يعلمون.

ثم يتجه الفيلم، الذى يبلغ طوله 17 دقيقة، نحو النهاية بصورة لمصحف على شاشة سوداء، تمتد يد إليه وكأنها ستبدأ فى تمزيق صفحاته. تختفى صورة المصحف تدريجياً نحو الأسود بينما نسمع صوت تمزيق للأوراق. يظهر بعد ذلك نص على الشاشة باللغة الإنجليزية هذه ترجمته: «الصوت الذى سمعتموه كان صوت تمزيق صفحة من دليل الهاتف؛ إذ إنه ليس من شأنى أنا بل من شأن المسلمين أن يقوموا بتمزيق الآيات الكارهة من القرآن، إن المسلمين يريدون منك أن توسع الطريق للإسلام ولكنّ الإسلام لا يوسع الطريق لك، الحكومة تصر على أن تقوم أنت باحترام الإسلام ولكنّ الإسلام لا يحترمك، الإسلام يسعى إلى حكمك وإخضاعك وإلى تدمير حضارتنا الغربية، فى عام 1945 انهزمت النازية فى أوروبا وفى عام 1989 انهزمت الشيوعية فى أوروبا، الآن ينبغى هزيمة الأيديولوجية الإسلامية، أوقفوا الأسلمة، دافعوا عن حريتنا».

وكأن «المخرج» وقد طلع إلى المسرح طلوع الرواة بهذه الرسالة المباشرة لم يشبع بعد فأضاف بعدها صورة كارتون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فى عمامة القنبلة مع صوت دقات الساعة بينما تتجه عدسة الكاميرا تدريجياً إلى الفتيل المشتعل وقد اقترب من نهايته، اختفاء تدريجى إلى الأسود ثم.. صوت انفجار.معنى قرار وزيرة الداخلية البريطانية ودلالات الهجوم الحاد الذى تعرضت له حكومتها فى مقالنا الأسبوع القادم إن شاء الله.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة