"العيب ع الحكومة والشكوى لربنا"، عندما صدر هذا النداء كان الكثير من الأموال تتطاير فى الفضاء الضيق للسيارة لتعبر عن سخط السائق على الركاب والمسئولين والظروف التى اضطرته للعيش فى هذا لبلد.. إنه المشهد الذى يتكرر أكثر من مرة يوميا ليس فى سيارات الميكروباص فقط، المترو أيضا وأتوبيسات النقل العام، ومحال البقالة، وكل الأماكن التى يتم فيها البيع والشراء، يكون البطل محل الخلاف هو العملات المعدنية، وعلى الرغم من أن- قيمتها الشرائية توازى قيمة العملات الورقية، إلا أنها فقدت قيمتها واعتبارها عند المصريين وتحولت إلى عملة منبوذة يتلقفها الناس ويتمنى أحدهم لو لم يرزق بها يوما ما.
كان كافيا للمصريين أن يعلن الدكتور يوسف بطرس غالى عن طرح 900 مليون عملة معدنية من فئة الجنيه والخمسين قرشاً والخمسة قروش، لتشتعل بسببها معارك جانبية وتحرر محاضر ضد رافضى التعامل معها مثلما حدث فى بنى سويف، حيث قرر المحافظ هناك فرض غرامة 100 جنيه على كل من يرفض التعامل بها، ووصولا إلى البرلمان، حيث تقدم نائب بالشورى بطلب للحكومة لوضع ضوابط صارمة لفرض التعامل بالعملات المعدنية، وعلى الرغم من مبررات المالية فى طرح هذه العملات منطقية، كالقول بأنها تهدف لمواجهة ارتفاع أسعار خامات المعادن القديمة وإنهاء ظاهرة جمع تجار الخردة للعملات الفضية، كما أنها طويلة العمر مقارنة بالعملات الورقية..
إذا كانت العملات المعدنية سببا فى وقوع مشاجرات فلماذا تم طرحها؟.. الهدف من طرحها هو محاولة السيطرة على التضخم بحسب أحمد صادق رئيس مصلحة سك العملة الذى أعلن أنه فى حال توافر هذه العملات واعتياد المواطنين على استخدامها فإنها تساعد على الحد من التضخم، فمثلا سيعتاد كل من التاجر والمواطن على أن يكون ثمن السلع البسيطة 1.10 جنيه أو 1.15، بدلا من رفعها إلى 1.25 بحجة عدم توافر الفكة، وأضاف: كان ثمن التذكرة فى مينى باص "الخدمة المميزة" 1.15 قرشا مما أدى إلى وقوع العديد من المشاجرات بين الركاب والمحصلين لعدم توافر الفكة، وهو ما أدى فى النهاية إلى رفع سعر التذكرة إلى 1.50 جنيه بعد رفع سعر السولار للتغلب على هذه المشكلة.
"كل واحد مننا لازم يمشى بكيس".. لا تختلف عبارات التذمر التى يطلقها المواطنون تختلف كثيرا عن العبارة التى قالها "يحيى" الذى يعمل سائق بالجيزة، ليؤكد أنه " يدب" أكثر من خناقة مع الزبائن يوميا بسبب رفضهم للتعامل بالعملة المعدنية مما يضطره هو الآخر إلى أن يرفض أخذها من زبائنه، وعندها يبدأ الخلاف، الذى ينتهى بأن يسب كل منهما تعنت الآخر ويلعن كلاهما من تسبب فى هذه المشكلة. لا أحد ينكر أن التالف من العملات الورقية رقم كبير جدا، ولكن هذا لا يعطى مبررا للحكومة التى أخطأت فى تطبيق هذه الخطوة، فهى بذلك وضعت الـ"عربية قدام الحصان" كما يقول الدكتور رشدى العدوى أستاذ الاقتصاد بجامعة كفر الشيخ، فكيف أفاجىء الناس بعملات معدنية دون أن أمهد لها بخطة مسبقة إعلاميا، فكان من الطبيعى أن يرفضها الناس خاصة بعد أن أثبتت أنها "سريعة الفقد" على الرغم من طول عمرها.
رشدى أكد أن الثقافة هى ماتحكم هذا الرفض لدرجة أن بعض البيوت تدخل هذه العملات فى قائمة التحف فتجمعها دون أن تصرفها وهو ما يفقدها أهم هدف منها وهو تقليل من الارتفاع العام فى مستوى الأسعار وخفض حدة التضخم. الغضب على العملات المعدنية لا ينتهى من شخص إلى آخر ومن محافظة إلى أخرى، ففى مركز إسنا بمحافظة قنا، ذكر أحد المواطنين أن سائقى الميكروباص لا يتعاملون بهذه العملات، بل وأن المقولة الأساسية التى تتصدر مشاجرات السائقين مع الأهالى حول "العملات الحديد" هى: "إننا لا نتعامل بالحديد ده، إحنا منعرفش غير الورق" فيكون الرد الطبيعى من الأهالى: "ليه مش هيا ديه برضه فلوس، ولا إحنا مطلعنها من بيوتنا".
وما بين "رفض التعامل بالحديد" و"الجهة التى أصدرت هذه العملات" تبرز المشكلة كما قال الدكتور محمود عبد الفضيل أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، والذى أوضح أنه للأسف قرار العملات المعدنية جاء متأخراً للقضاء على بعض مشاكل العملات الورقية وأهمها أن الأخيرة تساهم فى نقل الأمراض المعدية وتكلف الدولة فى طباعتها الكثير مقارنة بنظيرتها المعدنية، لذلك لابد أن تكون تكلفة إنتاج العملات مساوية لقيمتها الشرائية لكى نحقق التوازن، كما أن العملات المعدنية بعد انتهاء عمرها الافتراضى تمثل قيمة اقتصادية كمعدن يمكن إعادة استغلاله بالاضافة إلى صعوبة تزويرها، كما أنها تعتبر أكثر متانة وتكلفتها أقل، نظرا لطول عمرها. خاصة وإنها تعيش لأكثر من30 عاما أما الورقية فعمرها ينتهى بعد7 أشهر على الأكثر، وعلى الرغم من أن العملات الورقية أسهل وأيسر فى التعامل إلا أن البنك المركزى يقوم بسحب العملات الورقية القديمة المتسخة والمتهالكة ويقوم بإعدامها ولا يضخ عملات ورقية جديدة بدلا منها. ومن هنا فكرت وزارة المالية جدياً فى البحث عن بديل، لكن غضب الجماهير وطريقة التعامل معها لم يكن فى الحسبان.
----------------------------------------
لمعلوماتك..
عام 1950 صدر مرسوم ملكى بإنشاء دور سك العملات المصرية لتقليل النفقات الباهظة التى كانت تعود على دور السك الأجنبية وسد احتياجات مصر من العملة.
العملات المعدنية المغضوب عليها هى السبب..
900 مليون جنيه تشعل حرب الشوارع بين المصريين
الجمعة، 27 فبراير 2009 03:33 م
طرح "المالية" للعملات المعدنية أثارت الحرب بين المصريين
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة