قمرية الدوح فى بغداد

الأربعاء، 25 فبراير 2009 10:53 ص
قمرية الدوح فى بغداد أم كلثوم
أحمد فاضل يكتب من بغداد:

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لابد لكل من يكتب عن سيدة الغناء العربى كوكب الشرق أم كلثوم (1898-1975) أن يكون من السميعة، لها حسب وصف الإخوة فى مصر وملما على الأقل بالتنويعات الغنائية لهذه المطربة الكبيرة التى أسكرت العقول وأذهلتها طيلة أكثر من نصف قرن، فمن أغانى عاطفية بدأتها فى عشرينيات القرن الماضى متنقلة بين الطقطوقة والمنولوج إلى مذاهب أخرى من الفن التطريبى، حتى غنائها للقصائد والوطنيات والغناء الصوفى، وهى فى كل هذا لم تخرج عن الخط الذى سارت عليه مذ تعرفت بكبار الكتاب والملحنين أمثال أحمد رامى (1892 - 1981) وبيرم التونسى (1893 - 1961) والموسيقار محمد القصبجى (1892 - 1966) ورياض السنباطى (1906- 1981) ومحمد عبد الوهاب 1902-1991) ) فحافظت على مستوى الغناء وعندما تفتح جهاز التسجيل أو الراديو لسماع إحدى أغنياتها فسوف يأسرك صوتها المتدفق بعذوبة اللحن وجميل الكلمات، وهذا هو سر عبقرية أم كلثوم التى جابت الأقطار العربية والأجنبية حتى أن كبريات المسارح الغربية فى إنكلترا وفرنسا كانت تتسابق بدعوتها لإحياء حفلاتها هناك، إلا أن من أجمل ماحملته الذكريات عن تلك السفريات المكوكية، رحلتها إلى العراق عام 1932 أى فى زمـــــن الملك فيصــل الأول ( 1883-1933) فتصادف وجودها مع تعرض البلاد إلى كساد مالى متأثرا "بالهبوط المالى الحاد الذى تعرض له العالم إلا أن القائمين على إحياء حفلاتها لم يلتفتوا لهذه الهزة المالية العنيفة، فمنحوها مبلغا "خرافيا" قدره ألفا دينار، وهو مبلغ ضخم حسب مقاييس ذلك الزمان، مما دفع شاعر العراق الكبير الملا عبود الكرخى (1861-1946) إلى استهجان هذا الأمر مع محبته وإعجابه بها فقال :-
هلة بأم كلثوم أبشرى، كلما تردين يجرى، ياهلة بست الغوانى، الكاملة وحلوة معانى، يعجز بمدحك لسانى، وكذلك أهل قطرى، كل رجل من أهل شعبى، لدعوتك لازم يلبى، بمالهم عاد أنت أجبى، وعظمهم أرجوك إكسرى، كبل منج بنت رشدى، فاطمة وكم رجل مصرى، منهم محمد السوة، انقلاب الفووك جوة، وقبل منه سامى شوة، الكمنجاتى رجل عصرى، وأعقبه يوسف الوهبى، على رووس الناس يشبى.

إلا أن ذلك الاستهجان والغضب لم يمنع السيدة أم كلثوم من متابعة غنائها فى أوتيل الهلال برصافة بغداد فى منطقة الميدان الحالية، وقد حضر لمشاهدتها والتمتع بصوتها أكابر أهل بغداد من شيوخها وعلمائها وأدبائها ومنهم الشيخ محمد باقر الشبيبى المتوفى عام 1960 وهو الشاعر العراقى وصاحب جريدة الاستقلال الناطقة بلسان أبطال ثورة 30 حزيران 1920 والنائب المعارض، كان مفتونا "بحزب الوفد المصرى وبسيدة الغناء العربى أم كلثوم، وله عدة قصائد فيها ولهذا فقد كتب عنه الدكتور زكى مبارك (1892-1952) مقالا "طريفا" ضافيا" بعنوان (أبو كلثوم الوفدى) وعلى ذكر الوفد وأم كلثوم أنشد الشبيبى قصيدة فى حفلة أقامها (نادى القلم العراقى) للدكتور زكى مبارك قال فيها..
وهيجنى فى الرستمية شاعر
به مثل مابى من حنين ومن سهد
هواه على أطراف دجلة وافد
وأما هوى قلبى فللنيل والوفد
صريع الغوانى لا تلمنى فإننى
صريع أغانى أم كلثوم لأدعد

أما الشاعر الكبير معروف الرصافى (1875-1945) فلم تفته هذه الزيارة فأرخها بقصيدة عصماء، وأعرف لماذا لم تغنى أم كلثوم لهذا الشاعر وقد غنت لشعراء دون منزلته، يقول فيها :-
اسمحى قبل الرحيل كلاما
ودعينى أموت فيك هياما
هاك صبرى خذيه تذكرة لى
وامنحى جسمى الضنى والسقاما
شغل الكاتبين وصفك حتى
لادويا" أبقوا ولا أقلاما
كلما زاد عاذلى فيك عذلا
زدت فى حسنك البديع هياما
رب ليل بالوصل كان ضياء
ونهارا بالهجر كان ظلاما
كان المشهد الثقافى بالعراق يضج بعشرات الكتاب والشعراء الذين احتفوا بقدومها ومنهم الشاعر الفيلسوف جميل صدقى الزهاوى وعبد الكريم العلاف ومحمد باقر الشبيبى وعبد الرحمن البناء ومصطفى جواد وكمال نصرت ومحمد حسين الحداد وآخرين، وقد أطلق هؤلاء أسماء وتواصيف عديدة عليها، ومنها قمرية الدوح وعبقرية الغناء والغادة والبلبلة، ويذكر أهل بغداد أنها غنت أوائل أغنياتها الرائعة منها لى لذة فى ذلتى وخضوعى وأمانيها القمر المطل ومالى فتنت وأكذب نفسى وأفديه إن حفظ الهوى أو ضيعه، والصبا تفضحه عيونه، وأراك عصى الدمع، وأيها الرائح المجد، وقولى لطيفك ينثنى وغيرى على السلوان قادر وعينى فيها الدموع .

ومن الجدير بالذكر أنها غنت لبغداد مرتين، الأولى فى فيلم دنانير، والثانية فى فلم أنشودة الفؤاد، ومن أغانيها الوطنية التى تمجد بغداد، بغداد يابلد الرشيد، وغنيت بغداد ياذات القطوف .
لقد ارتبطت هذه الزيارة الفريدة بأسماء لامعة كان لها وقعا وحضورا بين الأوساط العلمية والأدبية، حتى كانت معروفة فى شتى أنحاء المعمورة ومنهم العلامة محمد بهجت الأثرى المتوفى عام 1996 رئيس ديوان الأوقاف الذى رحب بأم كلثوم حينها قائلا" :-
روح من الملأ الأعلى يناجينا
أم بأغمام من ظباء الخلد يشجينا
سل سارى النجم عنه كيف قيده
حيران يسمع منه السحر تلحينا
عادت أم كلثوم إلى مصر وهى تحمل معها ذكريات هذه الرحلة الممتعة، فقد جمعت ربة الصوت الملائكى بكل هذا الجمع الفريد من الكتاب والشعراء لتبقى ذكرى عالقة فى النفوس مادامت السنوات تذكرها فى كل عام يمر على رحيلها ....





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة