اهتمت صحيفة نيويورك تايمز بتسليط الضوء على أوضاع الأرامل فى العراق اللاتى لم يجدن ملجأ أو مأوى سوى فى مقطورات مخصصة لأرامل الحرب وعائلاتهن، وتوجد فى أحد أفقر المناطق فى العاصمة العراقية، فى حديقة تسمى "حديقة الوفاء"، وتعد جزء من برامج المساعدات التى تهدف إلى إيواء 740 ألف أرملة، ولكنها تستضيف 750 امرأة فقط.
وتشير الصحيفة إلى أن أعداد الأرامل قد تصاعدت بشكل كبير خلال الحرب التى استمرت ست سنوات، وأصبحت رؤيتهن فى شوارع المدن الكبيرة يتسولن، من أجل الحصول على مال أو طعام أمر عاديا، بل وأصبحت هذه السيدات هدفا مغريا ليقوم المتمردون بتسليحهن مقابل مكافأة مادية، الأمر الذى يلقى بالضوء على انهيار نظام الاكتفاء الذاتى فى العراق.
وتقول الصحيفة، إن النساء اللاتى فقدن أزواجهن أثناء الحرب، كن قد اعتدن على تلقى الرعاية والاهتمام من قبل أنظمة الأسرة والجيران والمساجد، وعلى العيش فى ظل حياة كريمة. ولكن مع اشتداد وطأة الحرب فى البلاد، أعلنت الحكومة ومنظمات الخدمات الاجتماعية، أن احتياجات النساء قد تخطت حجم المساعدة المتاحة، وهو الأمر الذى يفرض تهديدا حقيقيا على استقرار البنية الاجتماعية الهشة فى العراق.
وتنقل الصحيفة آراء مسئولين عراقيين، يرون أنه مع ظروف الاقتصاد المضطربة، والمعتمدة تقريبا كليا على أسعار النفط الخام، وانشغال الحكومة بإعادة أعمار البلاد وكبح العنف الطائفى، لن تتغير أوضاع النساء العراقيات عما قريب.
وتذكر الصحيفة أن امرأة بين كل أحدى عشرة، تتفاوت أعمارهن بين 15 إلى 80 عاما، تنضم إلى قائمة الأرامل، خاصة مع تصاعد أعمال العنف المستمرة وتشريد الملايين من العراقيين. ووفقا لتقرير للأمم المتحدة، فقدت بين 90 إلى 100 سيدة عراقية على مدار يومى، زوجها خلال عام 2006 بسبب اندلاع موجات العنف الطائفى.
وتضيف الصحيفة من ناحية أخرى، أن وجود أرامل الحرب فى المدن الكبيرة مثل بغداد يصعب تجاهله، حيث يقمن السيدات المتشحات بالجلابيب السوداء بالتسكع بين صفوف السيارات الطويلة وفى نقاط التفتيش الأمنية، أملا فى الحصول على الأموال والطعام. بالإضافة إلى أنهن ينتظرن خارج المساجد، للحصول على أغطية تقيهم برد الشتاء القارص، ويبحثن عن الفتات فى أكوام القمامة المتراكمة على امتداد الشوارع. وتعيش مجموعة من هذه النساء مع أطفالهن فى الحدائق العامة أو فى مراحيض محطات الوقود.
وتستشهد الصحيفة بأقوال المسئولين فى وكالات الخدمات الاجتماعية، وتقول إنه فى بعض الأوقات تجبر النساء الأرامل على التورط فى "زيجات مؤقتة"، وهى العلاقة التى تقرها التقاليد الشيعية، وهو زواج قد يستمر من ساعة إلى أعوام، فى محاولة للحصول على المساعدات المالية من قبل الحكومة أو زعماء القبائل ورجال الدين.
وقد تحولت بعض الأرامل إلى فتيات بغاء، وانضم البعض الآخر إلى جماعات المتمردين مقابل رواتب ثابتة. ويقدر الجيش العراقى عدد النساء اللاتى أصبحن انتحاريات فى الآونة الأخيرة بالعشرات.
وقد شكلت الحكومة العراقية خلال الأسابيع الماضية لجانا اجتماعية لدراسة هذه المشكلة الكبيرة، كما بدأت حملة للقبض على المتسولين والمتشردين، بما يشملهم من أرامل يجبن الشوارع بحثا عن الطعام والأموال.
وترى الصحيفة، أن هذه الظاهرة قد شغلت الرأى العام العراقى بصورة غير تقليدية مؤخرا، فمثلا عندما ألقى منتظر الزيدى بفردتى حذاءه على رأس الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش أثناء مؤتمر صحفى ببغداد، صرخ بأعلى صوته أنه يفعل ذلك من أجل أرامل الحرب وأيتام العراق. وكذلك خلال حملة انتخابات المحافظات الشهر الماضى، أظهرت المظاهرات السياسية حجم المعاناة التى تعيشها النساء الأرامل فى العراق.
ومن جهة أخرى، تشير الصحيفة إلى أن الجهود لحث الحكومة على زيادة رواتب الأرامل، (تحصل كل أرملة على راتب شهرى 50 دولارا، ولكل طفل 12 دولارا إضافيا)، قد توقفت. وبالمقارنة، يصل سعر خمسة لترات من الجازولين، الذى تستخدمه السيارات والمولدات الكهربائية، حوالى 4 دولارات.
وتضيف الصحيفة، أنه وفقا لبيانات حكومية، لا تتلقى أكثر من 120 ألف أرملة أية مساعدات من الدولة. وتقول الأرامل، إنه للحصول على المستحقات المالية، يجب أن تكون لهن علاقات سياسية، أو يوافقن على الزواج المؤقت من رجال بارزين يتحكمون فى توزيع الأموال الحكومية.
نيويورك تايمز: الأرامل العراقيات يتسولن بحثاً عن الطعام
الثلاثاء، 24 فبراير 2009 02:47 م