فى الاحتفال العالمى بيوم اللغة الأم لا نملك إلا أن نخجل من أنفسنا، كثير من خريجى كليات اللغة العربية أنفسهم لا ينطقونها بلغة صحيحة، بالإضافة إلى أن نظرة واحدة على الواقع المصرى تجد مئات الكلمات الأجنبية التى تتسرب فى الحديث رغم وجود أكثر من بديل لها باللغات العربية، وحتى إذا نظرنا إلى نسبة كبيرة من أصحاب المدونات يكتبونها بلغة عامية وأحيانا بلغة أجنبية، بالإضافة إلى لغة الـ"فرنكو آراب" التى يستخدمها الشباب على الفيس بوك، وبعضهم يرفض استخدام العربية.
مفارقة ساخرة، إن معظم أساتذة اللغة العربية فى الجامعات المصرية، باعتبارهم أعلى درجة علمية يتكلمون العامية فى محاضراتهم للطلاب، وفى نفس الوقت يؤكدون على أهمية اللغة، كما أنه من العجيب أن تطالب جهات حكومية بخريجين من الجامعة الأمريكية لا يشترط أن يجيدوا العربية، وإنما يجيدون لغات أخرى.
مؤتمرات تعقد سنوياً لمناقشة وضع اللغة العربية وحمايتها، آخرها ما يعقد اليوم، الاثنين، فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، ومجامع اللغة العربية فى الدول العربية تجتمع وتحذر من وضع اللغة العربية وتقدم توصياتها، ولا جديد.
كما أن نظرة سريعة على كل البرامج التليفزيونية وعلى نشرات الأخبار، التى تتعامل باللغة العربية الفصحى هناك أخطاء كثيرة، وكان الراحل المفكر الكبير عبد الوهاب المسيرى حذر من تدهور اللغة العربية قبل رحيله ورفع دعوى قضائية ضد رئيس الجمهورية يلزمه فيها بتطبيق مادة دستورية تنص على أن العربية هى اللغة الرسمية للبلاد، وتضامن مع المسيرى بعض المثقفين وجمعيات تهتم باللغة مثل "جمعية لسان العرب" و"الجمعية المصرية لتعريب العلوم" وغيرها.
تحدث اليوم السابع بالدكتور صلاح فضل لاستطلاع رأيه حول أزمة اللغة، خاصة أنه عضو بمجمع اللغة العربية، إلا أن إجابته كانت غريبة، وقال "أنا مش بشترك فى تحقيقات جماعية، جمع الأسئلة اللى عندك واعمل معاى حوار" وعندما نبهناه إلى أنه شارك فى تحقيقات جماعية من قبل وآخرها بخصوص رحيل الطيب صالح، قال "دى كانت ظروف وفاة واحد، جمع قضايا متعددة وساعتها ممكن أتكلم معاك، وده النظام بتاعى".
الدكتور حامد طاهر عميد كلية اللغة العربية السابق يصف هذه الظاهرة، بأن لها وجهان، الأول هو اللغة العربية الفصحى المكتوبة والمنطوقة فى برامج الإعلام وخاصة فى البرامج المهمة مثل نشرات الأخبار وغيرها، والثانى اللهجة العامية التى يتحدث بها الناس فى مختلف شئونهم اليومية وفى الأسواق، وهما يسيران جنبا إلى جنب ومن الخطأ اعتقاد أن تحل الفصحى مكان العامية أو العكس، ولا يصح أن نقول إن الفصحى يمكن أن تنقرض ولا أن تحل اللهجات بدلاً عنها.
طاهر ينتقد النظم التعليمة ويعتبرها السبب الرئيسى فى تراجع اللغة، لأنه فى الوقت التى تقوم المدارس الأجنبية بدورها على أكمل وجه فى تعليم اللغات الأخرى لا تقوم المدارس المصرية بذلك ويجيدها المصريون بطريقة جيدة فى الوقت الذى يخطئون فيه فى العربية، وحتى من المفترض أن يتعود طلاب الجامعات عليها، طاهر يرجع المشاكل التى تعانى منها اللغة إلى عدم تطوريها والاعتماد على طرق تعليم قديمة ووسائل تعليمية غير متطورة ويعدد الأسباب، التى منها عدم وجود قاموس عصرى للغة العربية، يهمل القديم، فكل القواميس تضم كلمات قديمة وغير منطوقة وطرق البحث بها لا تناسب العصر، بخلاف أى قاموس آخر فى اللغات الأخرى، كذلك عدم وجود قاموس مبسط لأفعال اللغة العربية يوضح اشتقاقاتها وإسنادها للضمائر أو قاموس لأدوات اللغة التى تختلف من مكان لآخر حسب السياق.
ويضيف أيضا أن من أسباب ذلك عدم وجود كتاب مبسط لقواعد اللغة العربية التى بصورتها الحالية تنفر القراء منها، بالإضافة إلى أنه لا توجد مختارات جيدة منها، فى حين يوجد كل ما سبق فى كل اللغات الكبيرة.
الدكتور محمد طه عصر أستاذ اللغة العربية بجامعة الأزهر يعتبر اللغة لا تنفصل عن الهوية، وهو ما تفهمه جيداً دول مثل فرنسا وإسرائيل، ولذا لا يتكلم أحد لغة غير لغاتهم، بعكس ما يحدث فى مصر والدول العربية التى تعتبر الكلام باللغات الأجنبية والتخلى عن لغتها تطور عصر الميديا، الذى نعيش فيه يراه الدكتور "عصر" يحمل فوضى وتناقضاً واضحاً فى هويتنا القومية بما فيه من دلالة على شلل الإدارة القومية وتراجع اللغة العربية لصالح اللهجات واللغات الأجنبية، مما أدى إلى وجود مدرس لغة عربية غير ملتزم بها، وكذلك دكتور جامعى وفى نفس الوقت يدعوان إلى قوتها، كما أن من أسباب ضعف اللغة أنها لا تدر أى دخل، وبالتالى يهتم الطلاب بالكمبيوتر واللغات على حسابها.
"عصر" يرى أن الحل الوحيد للدعوة للهوية العربية لا يجدى معه أى خطاب وعظى من الخطابات التى تدعو إلى الاهتمام باللغة، وإنما يجب أن تهتم السلطة نفسها باللغة، مثلما يحدث فى فرنسا، التى تعتبر إهمال اللغة جريمة ولابد أن نستخدم السلطة فى حماية اللغة، ونحتاج إلى عقليات مثقفة ليس بمعنى حفظ ألفية ابن مالك وإنما الثقافة العامة.
الدكتور أحمد الجوادى عضو مجمع اللغة العربية، يرى أن ما يحدث للغة العربية فى مصر إنما هو إجهاض لها ولا يحدث فى أى بلد فى العالم، إلا فى عصور انحطاط، فلا يجوز أن يخطئ مدرس لغة عربية، أو مذيعة فى التليفزيون هذه الأخطاء الساذجة، لأن اللغة بالممارسة وعادة سماع الأخطاء تؤدى إلى التعود عليها، وأكد الجوادى أن عودة اللغة إلى مكانتها لن يتحقق إلى بالانتباه السياسى أولاً وخطة قومية وقرار سياسى يهتم بها.
قانون حماية المستهلك المصرى الصادر عام 2006، نص على أنه على المنتج أو المستورد أن يضع البيانات على المنتج الذى يباع فى المحلات باللغة العربية، ولكن نظرة على المحلات تنقل لك الوضع كاملا، كذلك رغم النظام التعليمى الذى ينص على أن تلتزم المدارس الأجنبية بتدريس اللغة العربية إلا أن هذا لا يحدث، ولا تقوم وزارة التربية والتعليم بدورها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة