لاقت ترجمة رواية علاء الأسوانى "نيران صديقة" إلى اللغة الفرنسية تحت عنوان "لوددت أن أكون مصرياً" (دار نشر Actes Sud) نجاحاً كبيراً، انعكس أثره فى الصحافة الفرنسية مثل لوموند والبلجيكية مثل لاليبر بلجيك التى كتبت عن هذا العمل الأدبى وذهبت إلى وصفه بأنه "مرجع فى تاريخ الأدب المعاصر فى دولة الفراعنة"، لقد صنع النجاح المذهل الذى حققته رواية "عمارة يعقوبيان" من علاء الأسوانى روائياً فوق النقد.
أدرك الأسوانى مبكراً أن مهنة طب الأسنان لا تحقق له آفاقاً كافية، وأجاد استخدام القلم تماماً مثلما يجيد استخدام مثقاب الأسنان، على الرغم من هذا النجاح، كانت روايته الأولى قد لاقت مصيراً لا تحسد عليه.
تروى صحيفة لوموند كيف واجه الأسوانى فى البداية صعوبة فى نشر عمله، حيث لا تواجه الأسماء الكبيرة من الأدباء مشاكل بهذا الصدد، ولا حتى هؤلاء الذين يتمتعون بمساندة رسمية، أما ما عداهم فيتعرضون لمتاعب جمة.
وقد كان الأسوانى من هذه الفئة الأخيرة بروايته القصيرة الأولى، وهى نوع من السيرة الذاتية الشبابية التى وصف فيها الأسوانى بصراحة مشاهداته الفعلية فى المجتمع المصرى.
فقد أخبره موظف لجنة القراءة فى هيئة الكتاب بأنه لا يمكنهم نشر عمل يهين مصر، حاول الأسوانى أن يشرح له أن فى أى نص أدبى لا يعكس بالضرورة كلمات الرواى آراء الكاتب نفسه. فالشخصية الرئيسية فى النص، عصام عبد العاطى، هو شاب مثقف يائس، يعانى من الفساد والتعسف ويعبر عنهما بطريقته.
وعرض عليه الموظف التوقيع على إقرار يؤكد فيه اعتراضه على كل الآراء الواردة على لسان بطل كتابه فيما يتعلق بمصر والمصريين. ثم بعد عدة أسابيع، وبعد استشارة رؤسائه، أبلغه الموظف موافقة الهيئة بشرط إلغاء الفصلين الأول والثانى، لأنهما الأكثر حساسية. إلا أن الأسوانى رفض وعدل عن النشر.. حتى عام 2004، ذلك العام الذى شهد النجاح العالمى لـ "عمارة يعقوبيان". فكانت وقتها كثير من دور نشر على استعداد لنشر أى عمل يحمل توقيعه. فعرض عليهم الأسوانى كتابه الأول، عبر له ناشر كبير عن إعجابه بالرواية معتذراً عن عدم استطاعته تحمل نتائج نشره لأن الأفكار الواردة فيه قد تزج به إلى السجن.
غير أن الأسوانى نجح أخيراً فى نشر نصه الأول فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، مستهلاً إياه بمقدمة يشرح فيها صعوبة كتابة قصة فى مجتمع أصبح كالمومياء.
تذكر صحيفة لوموند أنه حتى السنوات الأخيرة، لم يكن القراء المصريون قد اعتادوا بعد على رؤية انتقاد مجتمعهم بهذه الصورة، إذ كانت مشكلاتهم عادة ما تنسب لعوامل خارجية، أو تصاغ بشكل غير مباشر.
حتى لو لم تكن تلك المجموعة القصصية القصيرة بقوة روايات الأسوانى، فإنها على الرغم من ذلك تغوص بالقارئ فى المجتمع المصرى المعذب والضاحك، الذى يجهله السياح.
أما عن أسلوب هذا العمل الذى يمزج فيه الأسوانى بين اللغة العربية الأدبية والعامية، فقد وصفته لوموند بأنه مباشر، سريع وفعال، أى الدقة التى يتميز بها طبيب الأسنان.
أما من جانبها، فتشير صحيفة لاليبر بلجيك إلى ملاحظة الأسوانى أن بعض القراء لا يزالون للأسف حتى يومنا هذا يخلطون فى الأدب بين الخيال والواقع. بيد أن الأدب يمنح لهؤلاء القراء القدرة على التخيل، بما أن الأدب هو فى الأصل فن الحياة.
من خلال المسافة بين الكاتب ونصه، بين حياة القصة وواقع الحياة، تحدث الأسوانى فى عمله الأول الممنوع عن رأيه فى بلده، من خلال بطل القصة، عن الجبن والشر والكسل وغيرها من الصفات، بكلمات لا تخلو بالتأكيد من نبرة قوية مشددة، وعن عمد دون أدنى شك.
فقد مشى جيل جديد من الأدباء على خطى نجيب محفوظ. اصطبغت كتاباتهم بلون من الحداثة اصطدمت بمجتمع مصرى متكلف فى عقائده السياسية والدينية، وبيروقراطيته الموروثة من الاستعمار الإنجليزى وفساده الذى تحول فى أغلب الأحيان إلى أسلوب حياة فيه.
أيعنى ذلك أن علاء الأسوانى المصرى قد حكم على نفسه باليأس؟ اللهم إن لم يكن، ودون الاعتراف بذلك بعد، قد اكتشف أن أفضل طريقة اليوم ليكون مصرياً هى التمرد .. ولكنه ذلك التمرد الذى يرتقى إلى مستوى الفن، هو فن الكتابة.