إشادة تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات بإنجاز القوات المسلحة بقيادة المشير حسين طنطاوى فى عملية استصلاح الأراضى التى قامت بها فى مشروع شرق العوينات جاءت فى موضعها تماما، فالجيش المصرى الذى عهدناه ونعهده بطلا فى الحروب، يؤدى بامتياز المشروعات التى يتولاها على الصعيد المدنى بالدرجة التى يعطيه الكل ثقته الدائمة فيها، ومشروع شرق التفريعة مثال ساطع فى تلك المسيرة، فهو يسير فيها بمسئولية عظيمة ومعهودة، من شأنها أن تجعلنا نطمئن إلى أنه لو تصدى للعديد من هذه المشروعات لأصبحنا فى موضع أفضل بكثير فى قضية مهمة مثل الأمن الغذائى، والشهادة هنا من الجهاز المركزى للمحاسبات، وأعادتنى تلك الإشادة إلى تفاصيل هامة عن المشروع قادتنى الظروف إلى معرفتها عام 1994..
أما التفاصيل فعرفتها من لقاء مطول بالدكتور حسين كامل رئيس الشركة العامة للبترول أثناء تولى أحمد عز الدين هلال وزارة البترول فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى وحتى منتصف الثمانينيات، كان لقائى بالرجل فى منزله بالمهندسين بعد أن خرج إلى المعاش بسنوات، ووسط أوراق كثيرة، ورسومات، وصور، وأسماء أخرجها حسين كامل من مكتبه ظل يردد: «يا ريت استمر الجيش فى الإشراف على مشروع شرق العوينات.. أكبر ضرية تلقاها كانت بانتقاله عام 1988 فى قرار مفاجئ إلى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية».
سألته عن القصة بالضبط فعاد بى إلى لحظة البدء عام 1978، حين بدأت الشركة العامة للبترول فى دراسة مصادر المياه الجوفية والثرية فى المناطق التى يقوم قطاع البترول بالبحث عن البترول فيها، وشملت ثلاث مناطق وهى: وادى النطرون، جنوب القطارة، ومنطقة شرق العوينات التى تبلغ مساحتها 15 مليون فدان، تحدد 6 ملايين فدان لدراسة حصر الأراضى الصالحة فيها للاستصلاح. وتم حفر بعض الآبار التى أشارت إلى وجود مياه عذبة فيها، ودلت دراسات الظواهر الجوية على إمكانية الاستفادة من طاقات الرياح والشمس فى المنطقة.
فى 16 أكتوبر عام 1982، وكما يقول د. حسين كامل، عقدت لجنة المشروعات الاستراتيجية لسنة 2000 برئاسة المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع الراحل أول اجتماع لها، وتقدمت وزارة البترول بمشروع شرق العوينات كأحد أهم المشروعات الاستراتيجية فى مصر وذكر لى حسين كامل أن المشير أبو غزالة أثناء هذا الاجتماع ناقش لجنة المشروع فى كافة التقارير والدراسات الواردة منه، كانت قناعته بالمشروع تزداد كلما كان يتناول تقرير ا بعد الآخر، وقرر على أثر حماسه الشخصى نقل المشروع إلى لجنة المشروعات الاستراتيجية ويكون لها الإشراف ومتابعة تنفيذ جميع الدراسات الخاصة به.
وسأل أبوغزالة لجنة المشروع: كم من الوقت أمامكم للانتهاء من الدراسات اللازمة؟
أجاب حسين كامل: أمامنا سبعة أعوام يا سيادة المشير
رد أبو غزالة بحسم: يكفى عامان فقط..
رد حسين كامل: الفترة لا تكفى ياسيادة المشير
رد أبوغزالة: كل الصعوبات التى تعرقل عملكم، أطلعونى عليها، حتى ينتهى عملكم بعد عامين بالضبط. كان حسم أبو غزالة قوة دفع جديدة وهائلة لعمل اللجنة التى ضمت فى عضويتها ممثلين لوزارة الرى والتعمير واستصلاح الأراضى، والهيئة العامة للبترول.
وتمثل ذلك كما قال الدكتور حسين كامل فى اتفاق وزارتى البترول والدفاع أول أغسطس عام 1983 على الاستفادة من منحة مقدمة من إيطاليا إلى مصر قيمتها 9 ملايين دولار لإنشاء مجمع زراعى وصناعى باكتفاء ذاتى من الطاقة الشمسية، بالتعاون بين الشركة العامة للبترول مع الكلية الفنية العسكرية، تم إنشاء هذا المجمع فى شرق العوينات، وشمل محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية والرياح، ومزرعة تجريبية على 200 فدان، وحظائر لماشية وتجربة سلالات جديدة منها تتحمل ظروف البيئة فى المنطقة وزراعة الأعلاف اللازمة.
أعطى هذا المجمع أو نموذج القرية الشمسية نتائج باهرة بإرادة وجهد وخبرة رجال الفنية العسكرية وقطاع البترول، وكما قال لى د. حسين كامل: «بعد عامين إلا شهر من المهلة التى تم منحها للجنة وبالتحديد فى سبتمبر عام 1984 تقدمنا بالدراسات النهائية إلى المشير، وشملت.. وجود مساحة 3.3 مليون فدان قابلة للاستزراع منها 1.1 مليون فدان ذات أولوية أولى، وأن كمية المياه حاليا بمنطقة شرق العوينات تكفى لرى حوالى 200 فدان بمعدل سحب يوحى قدره 4.7 مليون متر مكعب لمدة 100 عام دون الإخلال بخصائص الاتزان فى الخزان الجوفى، وأشارت الدراسات إلى أن الكمية السنوية للخزان الجوفى تبلغ 126 مليون متر مكعب من شمال غرب السودان، واحتمال تغذيته من الجزء الجنوبى الغربى عن منطقة جبل العوينات.
نتائج الدراسات كان معها تقرير آخر مفصل عن تجربة القرية الشمسية التى شيدها أبناء وأبطال الفنية العسكرية، جاء فيه أن المنطقة تصلح لزراعة القمح على ثلاث دورات متتالية فى السنة، منه صنف يصلح لتصنيع المكرونة، هذا بالإضافة إلى النتائج الباهرة فى زراعة العنب والمشمش والخوخ والتفاح والفول السودانى والسمسم والذرة والشعير واللوبيا والفول البلدى والرومى والعدس والترمس والحلبة والكركديه والنعناع والريحان والزهور والقرنفل والبصل والبطيخ والشمام والخيار والخس والباذنجان والملوخية والفجل والجرجير والبامية والسبانخ والثوم.
فى عام 1986 عقدت لجنة المشروعات الاستراتيجية اجتماعا، تم فيه توزيع التقرير النهائى والخرائط وجميع المستندات الخاصة بالمشروع إلى وزارة التعمير والمجتمعات الجديدة، والوزراء أعضاء اللجنة، وتم طرح 50 ألف فدان للاستثمار فى القطاع الخاص، لكن عام 1988 حمل إجراء كان بمثابة انتكاسة للمشروع وصفه الدكتور حسين كامل على النحو التالى:
صدر قرار مفاجئ بنقل المشروع من لجنة المشروعات الاستراتيجية إلى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، وذلك على أثر شكوى متكررة من الدكتور يوسف والى وزير الزراعة وقتئذ بأن المشروع خارج نطاق اختصاصه رغم أنه مشروع زراعى، وقال الدكتور حسين كامل: تلقينا الخبر، و شعرنا أن المشروع سيدخل فى طى النسيان، لأن يوسف والى لم يكن متحمسا له من الأصل، كما أنه مشروع قومى يحتاج إلى جهد جبار، وانضباط والخلاص وتفانى، وتتوفر هذه الخصائص فى القوات المسلحة، ولو واصلت الإشراف عليه لأخذ منحى آخر، وأسندت وزارة الزراعة إلى مؤسسة أمريكية مهمة دراسة المنطقة وبعد أن تقاضت هذه المؤسسة مليون دولار توصلت إلى نفس نتائج فريق الخبراء المصريين، وطول عشر سنوات تالية لم تفعل وزارة الزراعة شيئا للتوسع فى زراعة 3 آلاف فدان فى المشروع.
كان هذا بعض ما عرفته عن المشروع من المسئول الأول عن الدراسات الخاصة به، وبعد كل هذه السنوات، نجد صدى لمخاوفه فى تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، فوزارة الزراعة ممثلة فى المركز القومى للبحوث الزراعية لم تستطع إنجاز مهمتها فى استصلاح آلاف الأفدنة التى بحوزتها.. فإذا كان المركز بكل خبرائه يعجز عن ذلك فمن ينجح؟ وبالإضافة إلى تخاذل المستثمر بين الآخرين نجد الحصيلة بائسة، ويحدث كل هذا فى الوقت الذى تنجز القوات المسلحة بقيادة المشير حسين طنطاوى مهمتها بنجاح فى المشروع وبالدرجة التى يشيد بها التقرير، ما يجعلنا نتساءل: ماذا لو كان مشروع شرق العوينات تحت إشراف القوات المسلحة؟ ألم تكن النتائج أعظم بكثير بالدرجة التى تشاهد بالفعل مشروعا قوميا ناجحا بدلا من كل هذا الفشل؟
لمعلوماتك...
◄أحمد باشا حسانين رئيس الديوان الملكى للملك فاروق قبل ثورة يوليو 1952 هو أول من وصل إلى منطقة العوينات فى العشرينيات من القرن الماضى أثناء قيامه برحلة صيد برية.. وهو الذى أطلق اسم العوينات بعد أن شاهد فى الجبل مجموعة من العيون، وتقع المنطقة على الحدود المصرية السودانية الليبية والتشادية، وتقع على خزان المياه العذبة بالحجر الرملى النوبى الذى يقع فى شرق الصحراء الكبرى، ويعد أكبر خزانات المياه الجوفية فى القارة الإفريقية
◄ضحايا فى السبعينيات من القرن الماضى أعلن أحمد عز الدين هلال وزير البترول عن وجود 6 ملايين فدان صالحة للزراعة فى العوينات، فطلب الرئيس الراحل أنورالسادات الذهاب إليها ومشاهدتها على الطبيعة.. وبعد أن تم تجهيز استراحة له فى الوادى الجديد للنزول فيها تقرر إلغاء الرحلة بعد وشاية عن أن ليبيا سوف تطلق صواريخ على طائرته أثناء تحليقها فى الجو على العوينات، وكانت العلاقات المصرية الليبية وقتها تشهد انهيارا شاملا
جودت الملط أكد براعة القوات المسلحة فى تنفيذ مهمتها بالعوينات ونحن نسأل: لماذا لا يشرف الجيش على عمليات استصلاح الأراضى بدلا من محترفى التسقيع
الجمعة، 20 فبراير 2009 01:38 ص
المشير محمد حسين طنطاوى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة