أحمد عبدالمعطى حجازى

الطغيان ليس دليلاً على موت الديموقراطية!

الجمعة، 20 فبراير 2009 01:34 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أريد أن أواصل حديثى الذى بدأته فى الأسبوع الماضى عن الشعر.
هناك أكثر من مناسبة تستدعى الحديث عن هذا الفن الجميل والأسئلة التى تطرح عليه كثيرة، والإجابات التى تقدم أكثر، وفى كل إجابة سؤال جديد.

فى الخامس عشر من الشهر المقبل يفتتح ملتقى القاهرة الدولى الثانى للشعر العربى أعماله فى المجلس الأعلى للثقافة، حيث يشارك أكثر من مائة وعشرين شاعراً وناقداً، نصفهم من المصريين، ونصفهم من العرب والأجانب فى الأمسيات الشعرية التى ستعقد فى القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية، وفى الندوات النقدية التى ستدور حول الوضع الراهن للشعر وما يطرحه من أسئلة وقضايا.

وفى هذا العام تحتفل تونس ويحتفل معها الشعراء وقراء الشعر العرب بالذكرى المئوية الأولى لميلاد أبى القاسم الشابى، وفى إطار هذه الاحتفالات تقام يوم الثلاثاء المقبل أمسية يشارك فيها عدد من الشعراء العرب المعروفين، وذلك فى مدينة توزر فى جنوب تونس حيث ولد الشاعر العبقرى الذى أضاء الدنيا ورحل فجأة وهو فى السادسة والعشرين من عمره! ويبدأ شهر مارس فيبدأ معه ربيع الشعراء.

وكانت فرنسا قد بدأت الاحتفال بربيع الشعراء وچاك لانج وزير للثقافة، وما لبثت منظمة اليونسكو حتى تبنت هذا الربيع وجعلته عيداً للشعر فى كل اللغات يحتفل به العالم كله، كما كان اليونانيون القدماء يحتفلون به فى هذا الشهر الذى ينتهى فيه فصل الشتاء، ويبدأ الربيع فتستعيد الأرض حياتها، وينهض ديونيزوس آله الكرمة والنشوة والحب من رقاده، وينهض معه اليونانيون يشربون ويقصفون وينفخون فى المزمار ويغنون ويرقصون فى عيد ديونيزوس الذى سموه الديونيزيا الكبرى، ألا تشمون فى كلام ابن الرومى عن الأرض التى تبرجت بعد حياء وخفر، تبرج الأنثى تصدت للذكر - ألا تشمون فى هذا الكلام الذى قاله شاعر من أكبر الشعراء العرب قبل ألف ومائة عام نسمة من نسمات الديونيزيا؟ وها هى نسمات الديونيزيا تهب علينا من جديد فى ربيع الشعراء الذى أصبح فيه ربيع اليونانيين ربيعاً للبشر أجمعين، نحتفل به فى أثينا كما نحتفل به فى باريس، والقاهرة، وتونس، والرياض، ودبى. فى الثالث من مارس يبدأ مهرجان الشعر الدولى الذى تقيمه إمارة دبى فى خمس دورات سنوية، ويشارك فيه ألف شاعر ينتمون لكل بلاد العالم، ويتوزعون على الدورات الخمس التى تقام أولاها هذا العام، ومن هنا شعار المهرجان الحاذق المعبر «ألف شاعر ولغة واحدة»، أى ألف لسان يجمع بينها فن واحد، فالشاعر هو الشعر يقرأه الصينى مترجما من العربية فيدرك أنه شعر، ويقرأه العربى مترجماً من الإنجليزية أو اليابانية أو السواحلية فيدرك أنه شعر. ومن المقرر أن تختتم الدورة الأولى من مهرجان دبى فى العاشر من مارس، قبل أيام من افتتاح ملتقى القاهرة.

والذى تشهده العواصم العربية تشهده عواصم الدنيا كلها، لقد أتيح لى أكثر من مرة أن أشارك الشعراء الفرنسيين احتفالهم بربيع الشعراء فرأيت عيداً حقيقياً ينخرط فيه الجميع، الشعراء، والكتاب، والمطربون والموسيقيون، والممثلون، والصحفيون، والمدرسون. طبعات جديدة شعبية من أعمال الشعراء القدماء والمعاصرين، ترجمات من الشعر الأجنبى، أعداد خاصة من المجلات الأدبية، برامج فى محطات الراديو والتليفزيون، حفلات غنائية، قراءات شعرية يقدمها نجوم المسرح، طوابع بريد، علب كبريت عليها صور كبار الشعراء، عيد حقيقى ينزل فيه الشعر إلى الشارع ويصعد الشارع إلى الشعر، ديونيزيا عصرية يستعيد فيها البشر علاقتهم الحميمة باللغة، وقدرتهم على الحب، وحاجتهم للفرح.

ولقد رأى الذين قرأوا مقالتى المنشورة فى هذه الصحيفة يوم الثلاثاء الماضى أن الشعر عاد مرة أخرى ليحتل مكاناً متقدماً فى قوائم دور النشر المصرية والعربية التى شاركت أخيراً فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، مما اعتبره بعض المعلقين دليلاً على عودة زمن الشعر، فهل تكون هذه الاحتفالات التى تحدثت عنها فيما سبق دليلاً آخر؟.

وأنا لست معنياً بجمع الأدلة على عودة زمن الشعر، لسبب بسيط، هو أنى لم أحمل أبداً ما قيل عن موت الشعر وذهاب عصره على محمل الجد، مع اعترافى بأن المناخ الذى يحيط بنا فى هذه الأيام مناخ فاسد لا يستطيع الشعر فيه أن يجد نفسه أو يجد جمهوره أو يؤدى رسالته.

تراجع الشعر فى هذا العصر أو فى أى عصر آخر ليس دليلاً ضد الشعر أو ضد العصر، وإنما هو دليل على جريمة ترتكب فى حق الشعر وحق العصر، ميكروب يقتل المواهب، ويعطل الحواس فلا سمع، ولا رؤية، ولا شوق، ولا حلم، ولا خيال.

وهل يكون الفقر وتزايد عدد الفقراء دليلاً على عدم الحاجة للغنى؟ هل يكون الجوع دليلاً على أن عصر الخبز انتهى؟ والخوف قد يذهب بالناس إلى السكوت على الظلم، وقد يدفعهم اليأس إلى المخاطرة بكل شىء والارتماء فى أحضان الطاغية الذى يحسبونه منقذا كما حدث حتى فى بعض البلاد المتقدمة، فهل يكون هذا دليلاً على موت الديموقراطية وانتفاء الحاجة إليها وذهاب عصرها؟.

ولقد يرى البعض أنى أبالغ إذ أضع مع الخبز والحرية فى مستوى واحد من الأهمية وأجعل الحاجة إليه كالحاجة إليهما، فلنؤجل الحديث عن مدى حاجتنا للشعر، ولنتفق اليوم فقط على أن غيابه أو انحساره ليس بالضرورة دليلاً على موته أو عدم الحاجة إليه، ويبقى بعد ذلك أن نتبين مدى حاجتنا للشعر، ونعرف الأسباب التى تحول بيننا وبينه فى هذه الأيام.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة