كل اللى عايزه دلوقتى 55 جنيه عشان ارجع بلدنا"، تتلخص أحلام على محمود العامل بالشركة "العقارية المصرية" بمشروع توشكى، فى هذا المبلغ الضئيل، ليعود إلى بلده أسيوط التى تركها منذ 3 سنوات للعمل مع الشركة، بعدما تعثرت إدارة الشركة فى دفع المستحقات المالية للعمال منذ أغسطس الماضى، ودخل عمال الشركة بفرع توشكى فى عدة إضرابات عن العمل، آخرها منذ أيام قليلة، وهذه المرة يأتى إضراب العمال الذين يتجاوز عددهم 200 عامل احتجاجا على توقف الشركة عن صرف مستحقاتهم المالية وحوافزهم منذ 3 شهور، "نفاد نقودنا هو الذى دفعنا للإضراب هذه المرة"، يقول محمود، "فنحن لا نملك أى أموال الآن ولا حتى أجرة المواصلات للعودة إلى أسرنا".
العمال يتهمون مجلس إدارة الشركة بأن هناك "خطة لإظهار الشركة فى صورة المفلسة والمنهارة ماليا خلال الشهرين القادمين، عند مناقشة الميزانية الجديدة للعام المالى 2009- 2010، والذى سيشهد إخلاء طرف مجلس الإدارة ورئيسه"، وإظهار الشركة فى هذه الصورة وفقا لكلام العمال هدفه "التغطية على المخالفات المالية التى ارتكبها مجلس إدارة الشركة، وفشله فى إدارة الشركة حتى وصلت إلى هذه المرحلة"، لكن هذا الكلام ينفيه الوضع المتردى للشركة خلال السنوات الأخيرة.
ففى تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات عام 2007، حذر من الخسائر الضخمة التى تتعرض لها "العقارية المصرية" وباقى الشركات التابعة للقابضة للتجارة التى بلغت خسائرها 44.2 مليون دولار عام 2006/2007، رغم أن الحكومة ضخت فيها 200 مليون دولار لتسوية مديونياتها. وبغرض إنقاذ الشركة أصدر د.أحمد نظيف رئيس الوزراء قرارا بدمج الشركة القابضة للتجارة فى الشركة القومية للتشييد والتعمير فى فبراير 2008، وبالتالى انتقلت تبعية "العقارية" إليها، ولكن لم يمر سوى عام واحد حتى تدهورت حالة الشركة أكثر ووصلت لدرجة أنها لا تستطيع دفع المستحقات المالية للعاملين بها.
خسائر العقارية أصبحت كثيرة فخلال العام المالى 2006-2007 خسارة قدرها 33.720 مليون جنيه، وخلال التسعة أشهر الأولى من العام المالى 2007-2008 حققت صافى خسارة بلغ 20 مليون جنيه، وخلال الربع الأول لعام 2008- 2009 حققت الشركة خسائر تقدر بقيمة 9.9 مليون جنيه، وفى الفترة نفسها من العام الماضى بلغت خسائرها بـ 10.442 مليون جنيه، وخلال العام المالى 2007-2008، كان إجمالى الأعمال التى قامت بها الشركة بلغت 102 مليون جنيه، أنفقت الشركة لتنفيذها 101 مليون جنيه لتحصل الشركة مجمل ربح النشاط مليون جنيه فقط، بصافى ربح قدره 66.3 ألف جنيه. وهذه الأرقام كلها وفقا لتقارير مجلس إدارة الشركة الذى دافع عن هذه الخسارة، وأرجعها إلى "تأخر صرف مستحقات لدى جهات الإسناد، وارتفاع أسعار الخامات والمهمات وارتفاع الأجور والوقود".
الشركة "العقارية المصرية" من أعرق وأقدم شركات مصر فعمرها 113 عاما، وهى من أولى الشركات العقارية فى مصر، حيث تأسست بقرار من سلطان مصر عباس حلمى الأول عام 1896. ومرت الشركة بجميع التغييرات الاقتصادية التى شهدها الاقتصادى المصرى على مدار 100 عام.
وفى عام 1994 بدأ تنفيذ خطة الحكومة لخصخصة الشركة بتأسيس اتحاد العاملين المساهمين بالشركة لتصل حصة المال الخاص فيها إلى 95% من أسهم الشركة. وكان الغرض من هذا البيع تحويل الشركة من سلطة الحكومة لتخضع لأحكام قانون الشركات المساهمة بعد أن أصبحت حصة المال العام فى رأس مال الشركة أقل من 51%. الشركة كانت فى ازدهار حتى أوائل عام 2004 وذلك باعتراف الجهات العالمية التى منحتها شهادة الجودة الأيزو 9001/2000.
ولكن كيف انهارت شركة عملاقة مثلها إلى درجة عجزها عن دفع أجور عمالها؟
"الإدارة الفاشلة هى السبب وراء انهيارها" كما يرى عزب مصطفى عضو لجنة الإسكان بمجلس الشعب، الذى يتوقع أن يكون التخريب المتعمد فى هذه الشركة يهدف إلى بيعها "خربانة وخاسرة بسعر بخس"، ويبرر مصطفى اتهامه بالتخريب المتعمد بأن هذا يظهر بوضوح فى "تمسك الحكومة بقيادات الشركة التى أثبتت فشلها منذ توليها إداراتها ولم تسعى إلى تغييرهم أو محاسبتهم عما يحدث".
أما ما يتعلق بمشكلة العمال فيؤكد سيد طه رئيس النقابة العامة للبناء والأخشاب، أن اتحاد العمال والنقابة العامة للبناء لهما حضور قوى فى توشكى من خلال اللجان النقابية، بالإضافة إلى مندوبين أرسلهم الاتحاد إلى هناك لحل أى مشكلة يتعرض لها العامل، وقال إن الاتحاد خاطب إدارة الشركة لبحث حل أزمة العمال لكن الظروف المالية للشركة هى التى تأخر دفع مستحقاتهم.
لمعلوماتك..
◄ 46عدد الشركات التى تتبع الشركة القومية للتشييد والتعمير، تملك منها 21 وتساهم فى الـ 25 الأخرى.
