كشف الخبير الصومالى عابى فارح وكيل نقابة الصحفيين الصوماليين والمحلل السياسى بالإذاعة الصومالية سابقا، عن تطورات جديدة فى أزمة القرصنة فى البحر الأحمر وخليج عدن، مؤكدا أن الأهالى يقومون بطرد القراصنة من المناطق التى يحتلونها على الأرض، فى الوقت الذى تسعى فيه الحكومة الصومالية الجديدة برئاسة شيخ شريف، لتشكيل جيش جديد وموحد للبلاد، وحث الدول الكبرى على مساعدة الصومال على اجتياز أزماته، مشيرا إلى الدور الكبير الذى تلعبه مصر فى سبيل استقرار الصومال.
لماذا لم يتحقق الاستقرار المنشود فى الصومال بعد انتخاب رئيس جديد من المعارضة؟
لا شك أن انتخاب الشيخ شريف شيخ أحمد رئيسا للبلاد من قبل البرلمان الصومالى الموحد بأغلبية ساحقة, جاء تعبيرا عن إرادة الشعب، باعتباره أنسب من يمكن أن يتولى زمام مقاليد الأمور فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ الصومال الذى تتقاذفه الأزمات والفتن والتحديات الخطيرة. إلى جانب الحنكة السياسية التى اكتسبها من خلال رئاسته اتحاد المحاكم الإسلامية الذى نجح فى اجتثاث جذور زعماء الحرب والميليشيات الإجرامية.
ومن خلال تجربته فى إدارة البلاد لفترة قصيرة عمرها 6 أشهر لكنها مميزة فى تاريخ الصومال المتأزم لكونها فترة استقرار وطمأنينة وعدل. فإلى جانب كل هذا يتمتع شيخ شريف بمواصفات القائد الناجح الحكيم البارع فى جمع الناس من حوله بخطابه الهادىء العقلانى الذى يشع نور وحكمة الوسطية، وإلى جانب كل ذلك يتوفر للرئيس الجديد للصومال أيضا عوامل أساسية لإنجاح حكومته،ويأتى فى مقدمة هذه العوامل القوة العسكرية التى من المفترض فيها أن تكون عامل ضبط للأمن والأمان, واستعادة الاستقرار والقانون، فقد أعلنت قوات المحاكم الإسلامية التى تعد بلا منازع، التفافها حول الشيخ شريف، وجاء ذلك على لسان قائدها رئيس العمليات الميدانية فى الداخل الشيخ عبد القادر على عمر ومعاونيه. كما استطاع شيخ شريف اختراق تنظيم شباب المجاهدين الذى يعد من أقوى قوى معارضة على الأرض.
تتحدث التقارير عن اجتماع فى القصر الرئاسى بالعاصمة مقديشو بين الشيخ شريف وبين بعض معاونى الشيخ مختار روبو أبو منصور الناطق الرسمى باسم هذا التنظيم، والذى يعد أيضا المشرف على محافظتى (باى وباكول ). فى الجنوب الغربى من البلاد, والتين كان الشباب قد استولوا عليهما الشهر الماضى، كما تتحدث هذه الأنباء شبه المؤكدة، أن الشيخ شريف قد تمكن من خلال زيارته الخاطفة الأخيرة إلى مقديشو خلال الأسبوع الجارى، عناصر أخرى من هذا التنظيم ومن جماعات إسلامية معارضة.
أود أن أشير فى هذا المقام إلى أنه لا اعتداد بما تناقلته الأنباء عن تنصل الشيخ روبو من حصول اتصال مع رئيس الدولة، ذلك أن الرجل مدرج على قائمة الإرهاب الأمريكية، وأنه يتوجس خيفة من أن يظهر فى العلن إلا بعد أن يسقط اسمه من تلك القائمة. وتفيد أنباء وصلت إلينا قبل طبع هذا الحديث، أن فخامة الشيخ شريف شيخ أحمد الرئيس الصومالى قد بعث برسائل إلى الإدارة الأمريكية والجامعة العربية وجهات معنية أخرى، طالبا فيها شطب أسماء الشيخ مختار روبو والشيخ حسن طاهر عويس والشيخ حسن تركى من قائمة الإرهاب الأمريكية، ولا شك أن ذلك براعة من الرئيس الصومالى الشاب لضم رفاق له سابقين للعمل معا من أجل إنقاذ الصومال وإعادة بنائه.
لكن هذا الكلام يتناقض مع إطلاق الرصاص على القصر الرئاسى بمجرد وصول شيخ شريف إليه؟
ثمة مؤشر قوى من تسجيل شيخ شريف بداية صحيحة على طريقة التعامل مع التحديات الأمنية فى العاصمة مقديشو، وتتمثل هذه المؤشرات فى كيفية تعامله مع الهجوم الصاروخى الذى استهدف القصر الرئاسى بعد وصوله إليه بفترة وجيزة الأسبوع الماضى، حيث أمر قواته وقوات الاتحاد الأفريقى التى تقوم بحراسة القصر والمؤسسات الحكومية هناك بعدم الرد على مصدر النيران, على النحو الذى كان يحدث فى الماضى قبل توليه الرئاسة. وبدلا من ذلك عمد إلى عقد لقاء مكثف ضم الفاعلين على الساحة من المعتدلين والعقلاء, لتحديد الرد الذى يمكن أن يتخذ إزاء تلك الفئة الضالة، بحيث تكون المسئولية جميعا، على أنه تكون النصيحة هى الفاتحة، ولا شك أن هذه الاستراتيجية قد آتت ثمارها، حيث لم يجرؤ أحد من
عناصر الفئة الضالة على إطلاق رصاصة واحدة أخرى.
ناهيك عن قذائف صاروخية، أو مدافع باتجاه قصر الرئاسة, ومن خلال هذه التطورات الإيجابية على الساحة وسط تأييد شعبى عارم فى مختلف مناطق البلاد، بما فى ذلك منطقة "بونت لاند" التى ينتمى إليها الرئيس المستقيل عبد الله يوسف، تبشر بتدشين مرحلة جديدة للصومال تجعله يخطو أولى خطواته الموفقة على الطريق الصحيح تجاه إنهاء معاناة شعب ظل مكتويا بنيران الفتنة والحرب الأهلية.
ومن الإيجابيات المتوفرة للقيادة الجديدة، الدعم والاعتراف العربى والإقليمى والدولى، ويحضرنى فى هذا المقام الإشادة بموقف مصر الشقيقة التى كانت قد بادرت بالاعتراف بالقيادة الجديدة مع تعهدها بإعادة إعمار الصومال المدمر واليمن والجامعة العربية والجماهيرية الليبية والمملكة العربية السعودية، ومنظمة المؤتمر الإسلامى والاتحاد الأفريقى، والولايات المتحدة كانت أيضا من السابقين بالاعتراف بالشيخ شريف أحمد رئيسا للصومال.
لماذا لم تنجح الجهود الدولية فى مكافحة القرصنة؟
هذا السؤال محير للعقل والمنطق، فرغم التواجد الدولى الكثيف فى البحر الأحمر وخليج عدن وشعاره مكافحة القرصنة ومع ذلك فالقراصنة يمشطون ويقتنصون السفن.
هل معنى ذلك أن القراصنة يتفوقون عسكريا على المدمرات والبارجات البحرية الدولية؟
طبعا لا، ومن خلال هذه الحيرة تدور بخاطرى عدة تساؤلات لن تخرج كلها عن وجود مخطط خفى يقف وراء نشاط القراصنة فى ظل هذه الأجواء التى يفترض فيها أن ينتقى حادث اختطاف سفينة واحدة ناهيك عن سفن. وباتفاق كل المحللين والمتابعين للموضوع عن كثب. فان الأمر لا يخرج عن كونه إرادة قوى عظمى تبحث عن أعذار ومبررات للبقاء فى المياه الدولية والإقليمية الحيوية، بقصد اتخاذها قواعد عسكرية عائمة، مستعيضة عن قواعد أرضية تكلفها الأجر والمال الكثير، ويعنى ذلك بعبارة أخرى تدويل البحر الأحمر الذى يعد بحرا عربيا خالصا تقريبا، وهذا التدويل هو مطلب صهيونى فى المقام الأول يحظى بتأييد أمريكى.
من أين يأتون بهذه الخبرات الفنية؟
ينبغى الإشارة إلى أن القرصنة بدأت كعمل وطنى إن صح التعبير، بمعنى أملته الغيرة على الوطن وسيادته وثرواته إزاء ماتقوم به الأساطيل البحرية الأجنبية من نهب الثروات البحرية للصومال فى وضح النهار بدون رادع، وفى صمت دولى لا يحرك ساكنا. ولذلك حظيت البدايات الأولى لهذا النشاط الذى بدأ كرد فعل إزاء تلك الممارسات السطووية المشار إليها آنفا بتأييد الأهالى، لكنها انتقلت تدريجيا إلى ما يمكن أن نسميه الآن قرصنة، عندما انضم إليها كل من هب ودب، ولا شك أن من بين القراصنة ضباطا سابقين فى البحرية الصومالية، أو من اكتسبوا هذه الخبرة خلال سنوات الأزمة، كما أنه ليس بالمستبعد أن يكون ثمة من أغرتهم الأموال الطائلة التى أفرزتها القرصنة من أجانب وعملاء للقوى العظمى التى تتلاقى مصالحها مع استمرار هذا النشاط الإجرامى.
كم عدد القراصنة حتى الآن؟
أما بالنسبة لسؤالك عن عدد عناصر القراصنة، فلا أحد يستطيع أن يجزم بذلك، ومع ذلك فثمة تقديرات بأن عددهم لا يزيد عن 150 عنصرا هم الذين يتولون عمليات خطف السفن وتتبعها، كما أن هناك على البر عددا يقدر بـ 300 قرصان، ويعتبرون سندا وظهرا لزملائهم فى البحر، والذين ينفذون مهامهم على متن القوارب السريعة المجهزة، بالأسلحة الرشاشة ومعدات ورادارات حديثة، ومن المسلم به أن هناك مصادر معلومات للقراصنة فى بعض دول المنطقة.
أين تنفق الأموال التى يجنيها القراصنة؟
إن تلك الأموال تنفق على السلاح وزوارق سريعة ومعدات وشراء الكحوليات والمخدرات، فالقراصنة كلهم يتعاطونها، ولا شك أن بعضا منها يذهب لشراء تأييد بعض العناصر الفاعلة فى المناطق التى يتخذ منها القراصنة نقطة لانطلاقهم.
و ما هى الحلول التى يجب اتخاذها لمواجهة ظاهرة القرصنة؟
الجو مهيأ لاحتواء القرصنة، فالأهالى أصبحوا يرفضون القراصنة، فمدينة آيل بمنطقة "بونت لاند" التى تحظى بحكم ذاتى فى المحافظات الشرقية من الصومال كانت نقطة انطلاق القراصنة فى المرحلة الراهنة بعد فترة المحاكم الإسلامية، السكان هناك ثاروا عليهم بسبب سلوكياتهم المنحرفة، وإفسادهم فى الأخلاق فى تلك المدينة النائية المطلة على البحر، ولذلك فإن القراصنة غادروها إلى منطقة ساحلية أخرى هى (حرى طيرى) بمحافظة "مودوك" بالمنطقة الوسطى، وذلك بعد أن طردوا من مدينة (هوبية) من نفس المحافظة، وحتى فى (حرى طيرى) القراصنة يواجهون رفضا جماهيريا، وذلك يشكل ضغطا كبيرا على القراصنة، مما يجعلهم فى موقف صعب لن تكون بعده عملية القرصنة مطلقة اليدين، ومن هنا فإن الأمر لن يتطلب سوى توجيه ضربة قاضية إليهم. وهذا بدوره سيشجع الأساطيل الأجنبية القوية الموجودة هناك أن تتحرك وتتصرف تجاه القرصنة التى تغض الطرف عنها، حيث لن يكون لديها خيار آخر، وقد لمسنا بداية عمل من هذا القبيل، وأود أن انتهز هذه الفرصة- ونحن بصدد الحديث عن القرصنة- للاعتذار إلى مصر عن قول بذئ جاء على لسان مجرم يقود العصابة التى تختطف السفن وتحتجز سفينة مصرية، فقد تطاول على موقف الحكومة المصرية مهددا بنسف السفينة وكأنى أراه مترنحا تحت تأثير المخدرات والكحوليات يهذى لسانه بفحش القول.
لمعلوماتك..
◄ 1960 انتخب آدم عبد الله عثمان كأول رئيس للصومال بعد الاستقلال، تلاه فى الرئاسة عبد الرشيد على شرماركى الذى عين الشيخ شريف الشيخ أحمد الرئيس الحالى نجله عمر رئيسا للوزراء.
الخبير الصومالى عابى فارح فى حوار لليوم السابع..
اتهامات بوقوف دول كبرى وراء ظاهرة القرصنة
الثلاثاء، 17 فبراير 2009 06:13 م
فارح خلال حواره لليوم السابع ـ تصوير : سامى وهيب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة