بعد أن انتهت موجة الاحتفالات العربية بموقف رئيس الوزراء التركى رجب طيب أرودغان، من شيمون بيريز فى منتدى دافوس، بانسحابه من الجلسة التى كانت تجمعهما للمناظرة حول مجزرة غزة، تبدو هناك ضرورة للتفكير فى هذا الموقف بقليل من الهدوء، حتى يتسنى لنا الوقوف على حقيقته، وكيف تم تسويقه سياسياً وشعبياً وعربياً.
فى البداية.. يجب أن أؤكد على تقديرى لهذا الموقف التركى فى منتدى دافوس، فهو موقف يعبر عن شخص يحترم بلاده، ولا يقبل أن "تهان" من أى شخص حتى لو كان رئيس إسرائيل ذاته، وهى الدولة الحليفة الرئيسية لإسطنبول فى المنطقة.
وبعيداً عن التهليل أو التجريح لهذا الرجل، اسمحوا لى أن أبعث له برسالة، تحمل مجموعة من الأسئلة، التى لم تطرح عليه من قبل:
لماذا لم تتخذ قرارا بتجميد اتفاقية التعاون العسكرى بين إسرائيل وتركيا منذ عام 1996؟ وهى الاتفاقية التى وافقت عليها تركيا خلال حكم المهندس نجم الدين أربكان رئيس الوزراء التركى الأسبق، وأحد مؤسسى تيار الإسلام السياسى فى تركيا.. وأقول هنا تجميد وليس إلغاء، حتى لا تتوتر العلاقات بينكم وبين إسرائيل إلى حد التصعيد الدبلوماسى، وذلك كخطوة تعبر عن صحة موقفك تجاه ما حدث فى غزة.
فهذه الاتفاقية تضمن لإسرائيل توفير مجال جوى واسع يساعدها على تدريب طياريها لتنفيذ عملياتهم القتالية، مثل التى حدثت فى غزة.
لماذا لم تتخذ قراراً بوقف صفقات الأسلحة بين إسطنبول وتل أبيب، وخاصة تلك المرتبطة بطائرات التجسس من طراز "هيرون" بدون طيار، بالرغم من عدم مطابقتها للمواصفات؟ حيث كشفت صحيفة "ينى شفق" التركية 1 فبراير 2009، عن وجود عيوب خطيرة فى هذه الطائرات، وبالرغم من ذلك تمسكت تركيا تنفيذ الصفقة.
ألا تعتبر تجميد هذه الصفقة، بعيداً عن عدم مطابقتها للمواصفات، عقابا تركيا لإسرائيل على مجازرها فى غزة، وأنت من تدعى أنك حفيد العثمانيين الذين رفضوا بيع القدس إلى اليهود؟
لماذا لم تتخذ قراراً بتجميد المناورات العسكرية مع إسرائيل؟
وللعلم أن هناك مناورة عسكرية إسرائيلية تركية مشتركة تحت مسمى "نسر الأناضول" مقرر لها فى يونيو المقبل.
هل كان انسحابك من منتدى دافوس احتجاجاً على المجزرة الإسرائيلية فى غزة، أم بسبب صوت بيريز العالى فى حديثه معك؟.
وهنا أذكر سيادتكم بتصريح عقب هذه الواقعة المؤرخ فى الجمعة 30 يناير 2009، والذى قلت فيه "لن أسمح لأحد بإهانة تركيا.. إن هذه مسألة تخص الجميع.. معارضة وحكومة ومؤسسات مختلفة فى البلاد"، وصرحت أيضاً فى مؤتمر صحفى عقب انسحابك من المؤتمر "أنا لست زعيم عشيرة.. أنا رئيس وزراء تركيا.. وقمت بما كان يجب أن أقوم به".
سيادة رئيس الوزراء التركى.. لا ألومك على موقفك ولا أعلم نواياك التى لا يعلمها غير الله، ولكن أطرح عليك هذه الأسئلة من خلال تصريحاتك ووقائع قائمة.. وليس عيباً أن تستغل موقف كهذا لتحقيق مصالح بلادك، فأنت زعيم حزب العدالة والتنمية التركى ذات المرجعية الإسلامية، والذى يلتزم بالمبادئ العلمانية التركية، فموقفك جاء قبيل الانتخابات المحلية هناك، ومن حقك أن تزيد شعبية حزبك..
السيد أردوغان .. إن الاتجاه للشرق يمكن أن يدعم موقفك فى الغرب، تجاه الاتحاد الأوروبى، من خلال الضغط تارة، والتواجد كوسيط نزيه للسلام بين تل أبيب ودمشق..
سيادة رئيس الحكومة التركية.. لا ألومك لأن هناك دولاً تدعى أنها راعية لمسألة تحرير القدس، تستفيد من معاناة شعب فلسطين، وللأسف تتاجر فى الدم الفلسطينى..
أتركك مع هذه الأسئلة.. وانتقل إلى ملف آخر..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة