نعى الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما، رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى فى الذكرى الرابعة لاغتياله قائلاً، فيما نشاطر الشعب اللبنانى حزنه على فقدان رئيس الوزراء الحريرى، فإننا كذلك نشاطره الاعتقاد بأن تضحيته لن تذهب سدى، وتعهد أوباما بدعم إجراءات الأمم المتحدة لمحاكمة المتهمين بقتل رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى. وأضاف فى بيان قبيل الذكرى الرابعة لاغتيال الحريرى اليوم، السبت، أن الولايات المتحدة تدعم تماماً المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتى ستبدأ أعمالها فى مارس، لمحاكمة المسئولين عن هذه الجريمة الفظيعة والجرائم التى تلتها.
تم اغتيال الحريرى بتفجير عربة مصفحة فى 14 فبراير 2005 فى يوم تاريخى أصبح عيداً وطنياً يضاهى فى أهميته انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبنانى، ومهما اختلفت الآراء والأفكار المسبقة برجل مثل الحريرى، سيظل علامة فارقة فى تاريخ لبنان، ونقطة فاصلة فى خريطته السياسية ليبقى لرحيله أثراً ربما ستمضى سنوات كثيرة قبل الإجابة عليها بدقة، نظراًَ للموقع والحجم والدور الذى لعبه فى الحياة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية، لدرجة أن رحيله سيعيد خلط أوراق كثيرة ومتنوعة تعيد تركيب الجغرافيا السياسية للمنطقة.
18 عملية إرهابية فى شهرين
تسبب الاغتيال فى حالة من الانفلات الأمنى والسياسى، فقد وقع بعد تلك الحادثة حوالى 18 عملية إرهابية فى أقل من شهرين، كما أن العديد من التطورات تغيرت فى أوضاع وأحوال القوى السياسية اللبنانية وتبدلت المواقف من أجل مكاسب العملية الانتخابية. إلا أن الأهم من كل ذلك معرفة هوية المخطط والمنفذ والمستفيد من اغتياله، بل وإلى أين وصلت التحقيقات الدولية فى تلك القضية؟ فالجريمة لا تبدو مجرد عملية تفجير عادية، بل خُطط لها بعناية فائقة توقيتا وتنفيذاً.
اليوم 14 فبراير 2009 يكون قد مضى أربعة أعوام على اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريرى والنائب باسل فليحان ورفاقهما دون أن نصل إلى نتيجة واضحة ومحددة فى ملف سير التحقيق الدولى فى هذه الجريمة، ونظراً للملاحظات العديدة التى كانت توجه للقضاء اللبنانى والسلطة اللبنانية التى كانت على علاقة وثيقة بالنظام السورى (المتهم الأساسى بارتكاب الجريمة)، فإن مجلس الأمن قرر إرسال لجنة مراقبة دولية برئاسة بيتر فيتز جيرالد لوضع تقرير مفصل حول الجريمة وكيفية العمل لمتابعة التحقيق فيها. وبعد ثلاثة أشهر من العمل المتواصل توصل فيتز جيرالد إلى ضرورة تشكيل لجنة دولية للتحقيق فى الجريمة، نظراً للشكوك الكثيرة التى تحيط بعمل الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية.
تقرير ميليس
وبناء على التقرير عقد مجلس الأمن اجتماعاً خاصاً واتخذ بعده القرار رقم 1595، الذى ينص على تشكيل لجنة دولية للتحقيق فى هذه الجريمة، وتم تكليف القاضى الألمانى ديتليف ميليس برئاستها. وضمت اللجنة نحو 80 عضواً واستعانت بخبراء من العديد من دول العالم وفى يونيو 2005، بدأ ميليس عمله المكثف وأجرى لقاءات مع مئات الشهود والشخصيات السياسية، بالإضافة إلى الكشف المتكرر لمسرح الجريمة وجميع الأدلة، حيث أصدر يوم 11 أكتوبر 2005 تقريره الأول الذى تضمن اتهامات واضحة للمسئولين السوريين بالوقوف وراء الجريمة بالتعاون مع مسئولى الأجهزة الأمنية اللبنانية.
وعلى أثر ذلك طلب توقيف أربعة من مسئولى هذه الأجهزة، وهم المدير العام السابق للأمن العام اللبنانى اللواء جميل السيد والمدير السابق لمخابرات الجيش اللبنانى ريمون عازار والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلى اللواء على الحاج وقائد الحرس الجمهورى التابع لرئاسة الجمهورية العميد مصطفى حمدان.
وأكد ميليس فى تقريره، أن اغتيال الحريرى تم بقرار سورى لبنانى نظراً للدور السياسى الذى كان يقوم به ضد مصالح سوريا فى لبنان. لكن التقرير رغم تضمنه الكثير من الأدلة المهمة، أكد على ضرورة استمرار التحقيق للتوصل إلى الأدلة الكاملة وكشف بعض التفاصيل الأخرى، وخصوصاً فيما يتعلق بالدور السورى. وبناء على هذا التقرير تم إصدار قرار فى مجلس الأمن باستمرار التحقيق إلى حين صدور التقرير النهائى الذى صدر يوم 12 ديسمبر 2005 وسبقه اغتيال النائب الصحفى جبران توينى.
وأكد التقرير النهائى على المعطيات نفسها، لكنه أشار إلى عدم تجاوب سوريا مع التحقيق، ما دفع مجلس الأمن إلى إصدار قرار حازم وصارم رقمه 1636 يدعو سوريا للتعاون مع التحقيق، وإلا سيتم فرض عقوبات عليها بناء على الفصل السابع، وقد أدى صدور القرار 1636 إلى ضغوط قوية على سوريا للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية، فى الوقت الذى كان فيه القاضى ميليس قد طلب أن يتم التحقيق مع عدد من المسئولين السوريين فى مقر اللجنة بفندق مونتيفردى فى لبنان، لكن المسئولين السوريين عارضوا ذلك بشدة خوفاً من حصول ردود فعل سلبية فى لبنان، ونظراً لحساسية هذا الأمر، مما أدى إلى تدخل دولى وعربى قاد إلى اتفاق جديد يتم من خلاله إجراء التحقيق مع المسئولين الأمنيين السوريين فى فيينا، وقد تم التحقيق فعلاً وتوجه خمسة مسئولين أمنيين سوريين إلى فيينا بينهم المسئول السابق لأمن القوات السورية فى لبنان العميد رستم غزالة ومساعده جامع جامع.
شكوك حول التحقيق الدولى
واصطدم التحقيق الدولى بمشكلة كبيرة بعدما تم كشف وجود شهود تحوم حولهم الشبهات زودوا التحقيق بمعلومات خاطئة. ومن هؤلاء محمد زهير الصديق، الذى أوقف فى فرنسا بتهمة المشاركة فى الجريمة بعدما كان شاهداً أساسياً استعانت به اللجنة، وهسام هسام، الذى فر من لبنان إلى سوريا وأعلن أنه قام بتزويد اللجنة بمعلومات غير صحيحة بعدما تعرض لضغوط أمنية وإغراءات مالية.
وأدى ذلك إلى بروز ومجرياته واضطر القاضى ميليس لعقد لقاء صحفى خاص مع عدد من الصحفيين اللبنانيين للرد على تصريحات هسام. لكن مفاجأتين هامتين برزتا قبل نهاية العام وكان لهما الأثر الكبير على مجريات التحقيق، الأولى جاءت فى إعلان ميليس رغبته فى عدم الاستمرار فى ترأس لجنة التحقيق لأسباب خاصة وبعد انتهاء المدة التى التزم بالعمل خلالها، مما أثار الكثير من الإشكالات حول مدى القدرة على استمرار التحقيق بتلك التطورات.
وجاءت الخطوة الثانية فى اتجاه معاكس وذلك من خلال التصريحات التى أطلقها نائب الرئيس السورى السابق عبد الحليم خدام، والتى وجه فيها اتهامات واضحة للنظام السورى بالوقوف وراء اغتيال الحريرى وتوجيه التهديدات له بسبب دوره السياسى فى لبنان، وقد أعطت هذه التصريحات زخماً كبيراً للتحقيق وعمدت اللجنة إلى طلب اللقاء مع الرئيس السورى بشار الأسد للاستماع إلى ما لديه من معطيات، لكن الأسد رفض ذلك وإن كان بعض المسئولين السوريين لمحوا إلى احتمال استقباله أعضاء اللجنة كزوار.
استقالة ميليس
وأدت استقالة القاضى ديتليف ميليس من رئاسة لجنة التحقيق إلى قيام الأمين العام للأمم المتحدة كوفى أنان بإجراء سلسلة مشاورات مكثفة لتعيين مسئول جديد للجنة، حيث تم التوصل إلى تكليف القاضى البلجيكى سيرج براميرتس برئاستها، وتعهد ميليس بالاستمرار فى متابعة العمل إلى حين استلام براميرتس مهامه. وقد وصل الأخير إلى لبنان فى 23 يناير 2006، وبدأ العمل فى دراسة الملفات واللقاء مع المسئولين اللبنانيين المعنيين بالتحقيق وأشارت معلومات صحفية فى بيروت إلى أن براميرتس قرر إعادة النظر فى فريق العمل المختص بالتحقيق والاستعانة بخبراء جدد ودراسة كافة التفاصيل المتعلقة بالتحقيق.
وبينما سربت بعض المصادر أن التحقيق الدولى توصل إلى نتائج حاسمة بشأن الجريمة ومرتكبيها، أكدت مصادر أخرى عدم حصول ذلك، وخصوصاً فيما يتعلق بالدور السورى فيها وكيفية الربط بين المسئولين السوريين والمسئولين اللبنانيين. وقد برز عنصر جديد فى التحقيق تمثل فى القبض على مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة تضم لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وأردنياً وسعودياً، قيل إن أحد أعضائها يدعى خالد طه، هرب قبل إلقاء القبض عليه، هو الذى كان على صلة بأحمد أبو عدس الذى أعلن عبر شريط مصور مسئوليته عن جريمة الاغتيال. لكن المصادر القضائية اللبنانية لم تؤكد هذه المعلومات فى حين أن مصادر سياسية أخرى اعتبرت أن الربط بين المجموعة المنتمية للقاعدة وبين جريمة الاغتيال يهدف إلى إبعاد التهمة عن سوريا والأجهزة الأمنية اللبنانية وأن هذه المعلومات لا صحة لها.
وفى 9 فبراير الحالى غادر القاضى براميرتس لبنان إلى نيويورك لإجراء مشاورات مع كوفى أنان وأعضاء مجلس الأمن، وعقد اجتماعاً مع المندوب الأمريكى لدى الأمم المتحدة جون بولتون الذى شدد "على ضرورة تعاون مختلف الأطراف المعنية مع لجنة التحقيق الدولية، وعلى استعداد مجلس الأمن لاتخاذ الخطوات المناسبة لدى إبلاغه بأية عرقلة لعمل التحقيق". وفسرت هذه التصريحات بأنها موجهة للمسئولين السوريين، وبالأخص الرئيس بشار الأسد لحضه على التعاون مع اللجنة، خصوصاً أن القسم الأهم فى التحقيق يتعلق بالدور السورى، وكشفت مصادر صحفية فى بيروت، أن طاقماً لحماية الشهود قد وصل إلى بيروت قبل مدة، وهو يضم خمسة أشخاص من جنسيات مختلفة، وعلى رأسهم موظف دولى خبير فى قضايا المحاكم الدولية المختلطة وتقرر أن يتولى الطاقم متابعة كل من أعطى معلومات إلى لجنة التحقيق تمهيداً لضمهم إلى برنامج حماية الشهود، حيث تم تخصيص موازنة ضخمة لعمل الفريق.
أدلة جديدة
وقالت لجنة التحقيق الدولية فى قضية الاغتيال فى نهاية ديسمبر 2008، إن أدلة جديدة قد تساعد فى تحديد أشخاص آخرين يشتبه بضلوعهم فى القضية، وأضافت اللجنة إنها حصلت على معلومات جديدة قد تربط بين أشخاص إضافيين والشبكة التى نفذت عملية الاغتيال وقالت اللجنة أيضاً إنها كشفت دليلاً عن الصلة بين اغتيال الحريرى وعمليات العنف السياسى الأخرى فى لبنان.
ولفت د.حسن أبو طالب مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إلى التقرير الأخير للجنة التى تعرفت على معلومات جديدة ربما تسمح لها بربط أفراد آخرين بهذه الشبكة وعززت معلومات أخرى وجهة النظر القائلة، بأن أعضاء بالشبكة على صلة أيضا بهجمات سياسية أخرى فى لبنان.
وأشار أبو طالب إلى التقرير، الذى كتبه الكندى دانييل بيليمير رئيس فريق المحققين، والتى اكتشف خلالها معلومات جديدة بشأن المكان الذى جاء منه المهاجم الانتحارى المسئول عن مقتل الحريرى. وأن الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون قد أعلن أنه سيتم إنشاء محكمة خاصة لنظر القضية فى لاهاى فى الأول من مارس المقبل، وأضاف أن الاستعدادات للمحكمة جارية بالفعل بما فيها تعيين وتدريب موظفيها وتجهيز منشآتها وتدبير أموال كافية لتغطية الميزانية، وأنه اختار قضاة دوليين ولبنانيين لنظر القضية، لكنه لن يعلن أسماءهم قبل اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة.
وينتهى التفويض الحالى للجنة التحقيق فى 31 ديسمبر، إلا أن بيليمير طلب من مجلس الأمن تمديده إلى 28 فبراير لضمان انتقال سلس إلى المحكمة، ويقول محققون، إن أحد الدوافع المحتملة للاغتيال، هو دور الحريرى، الذى أصبح فى ذلك الحين منتقداً بارزاً لدمشق لدى دعمه قرار للأمم المتحدة فى 2004 يطالب بانسحاب القوات السورية وغيرها من القوات الأجنبية من لبنان.
أوباما يتعهد بدعم إجراءات الأمم المتحدة لمحاكمة المتهمين بقتل الحريرى
خبراء: محاكمة قتلة الحريرى ستغير خريطة المنطقة وتعجل باتفاقية سلام سورية إسرائيلية
ذكرى الحريرى.. أدلة جديدة ودعم أوباما لمحاكمة المتهمين
السبت، 14 فبراير 2009 09:32 م
الأمم المتحدة تعين طاقماً لحماية الشهود فى قضية الاغتيال
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة