أنت أمام مشكلة بلا صاحب، الكل يتبرأ منها أمام الشاشة، ويساهم فى إشعال نارها من خلف الكاميرات، المشكلة هنا دينية اجتماعية تاريخية تلوى السياسة عنقها كلما أرادت أن تستخدمها فى لعبة ما، تبدأ تحت عنوان حوار الأديان والثقافات ذلك المسمى الوردى الذى سرعان ما يجف ويترك فى الساحة المزيد من الأشواك، على شكل ردود متعاقبة بين ممثل كل ديانة كما فعل الدكتور زغلول النجار مع الأنبا بيشوى.. وتنتهى بفتنة من النوع اليقظ دائما. بدأها زغلول النجار فى إطار بحث علمى نشره فى الصحف والكتب شكك من خلاله فى الإنجيل وقدسيته، وسرعان ما انطلق طوفان الردود الغاضبة من الجانب المسيحى، ليتحول الأمر إلى معركة يشكك فيها كل طرف فى نية الآخر، وفى إطار ذلك اختفت فكرة حوار الأديان ومائدة الوحدة الوطنية لتحل محلها دعوة لعقد مناظرة علنية بين الأنبا بيشوى والدكتور زغلول النجار. تلاشت فكرة حوار الأديان أمام وهج المناظرة الدينية، ومن بعد الحديث عن حوار حقيقى يبحث عن صيغة توافق وتآخ، أصبح الحديث يدور الآن عن معركة لابد أن تنتهى بفائز وخاسر، معركة تتكشف فيها حقيقة المشاركين حينما تنخلع عنهم ملابسهم الكنسية وعمامتهم لتظهر ملابس الحرب وتشتعل الشرارة الأولى لفتنة لا تنام أبدا.
لا أعرف ماحجم الاستفادة التى ستعود على الدكتور زغلول أو الأنبا بيشوى من تلك المعركة؟ ولا أعرف سر هذا الحنين الشعبى الذى جسدته رسائل القراء والمتابعين لحالة الجذب والشد بين الأنبا والدكتور إلى زمن المناظرات العلنية التى يتفنن كل طرف فيها فى إهانة الدين الآخر دون أن يضع فى حساباته حجم الكراهية والغضب الذى يخلقه التعصب فى صدور البسطاء، إذا كنا نطلب حوارا بين شيوخ الإسلام وقساوسة المسيحية فنحن نطلبه، لوأد الفتنة والبحث عن نقاط الاتفاق لا الاختلاف، إن كنا نريد حوارا، فنحن نريده حوارا واضحا بلا لبس أو غموض، لا يقف فيه كل صاحب دين ليطلب من الآخر الذى جاء للحوار معه أن يعترف به وينضم تحت لوائه، نبحث عن متحاورين يضعون التعصب على جنب أو يحفرون له قبرا ويردمون عليه إن شاءوا مصلحة الوطن، ويشطبون من جدول أعمالهم فكرة أن تكون مع أو ضد، حتى لا نفاجأجميعا بأننا نقف أمام حائط سد ونضطر للجوء إلى تلك الصورة التى تجمع البابا وشيخ الأزهر كدليل وحيد على براءتنا من دم الفتنة رغم أننا نعلم جيدا أنها صورة مصطنعة!