يسرى فودة

ماما.. أوباما.. والذين يتفاءلون

الخميس، 12 فبراير 2009 11:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قامت مديرة المركز الدولى للصحفيين بزيارة عمل إلى القاهرة مؤخراً كانت لها من وجهة نظرها ميزة إضافية: الهروب من جحيم واشنطن أثناء حفل تنصيب الرئيس الأمريكى الجديد، باراك أوباما. لكنها من لحظة إلى أخرى لم تكن تكف عن الشوق إلى طفلتها التى بلغت الآن من العمر تلك المرحلة التى يشتعل فيها خيال الأطفال.

سألتْها قبل سفرها عن الكون وعن الخالق وعما وراء السموات، ولما لم تجد لدى أمها جواباً شافياً قالت لها: «اطمئنى يا ماما؛ أنا لا أستطيع أن أرى الله لكننى أستطيع أن أرى أوباما».

بينما كنت أنقب عن بعض المعلومات على الإنترنت وجدت اسمى فجأة فى الجريدة الإليكترونية للأمم المتحدة UN DISPATCH ضمن مجموعة من الإعلاميين والباحثين و«الخبراء» الذين وُجهت إليهم الدعوة فى العام الماضى لهدف محدد: إسداء النصيحة للرئيس الأمريكى الجديد (الذى لم يكن أحد يعرفه بعد) من خلال مناقشة عدد من القضايا الحيوية ضمن صالون مغلق على الإنترنت. شكلت عصارة هذا الصالون، بالتعاون مع أحد مراكز البحث المهنية المعتدلة فى واشنطن، أساساً جيداً كان يؤمل فى حينها أن يساعد الرئيس الجديد على تحديد أولوياته عندما يتسلم الحكم.

تراوح النقاش من العراق إلى أفغانستان إلى إيران إلى مشكلة الشرق الأوسط إلى ما يوصف بالحرب على الإرهاب (لم تكن الأزمة المالية العالمية قد غرزت أنيابها بعد). مخاطراً بأن يظننى البعض نرجسياً، اسمحوا لى بأن أقدم فيما يلى ترجمة حرفية لجانب من إحدى مداخلاتى فى هذا الصالون حول التوجهات العسكرية المستقبلية للجيش الأمريكى، التى يمكن الرجوع إلى أصلها باللغة الإنجليزية من خلال هذا الرابط:
www.thewashingtonnote.com/archives/2008/07/terrorism_salon_20/
«أريد أن ألتقط الخيط من تلك الحقيقة التى تخدعنا بساطتها والتى لا تلقى ما تستحق من التقدير، وهى أن أمريكا لا تستطيع أن تكون فى كل مكان طول الوقت مهما رصدت من ميزانيات عسكرية ضخمة. ومن ثم فإن إحدى أولويات الرئيس الأمريكى الجديد، من منظورى على الجانب الآخر، ينبغى أن تتمثل فى الاعتراف بالفشل الذريع لإدارة بوش فى مدخلها نحو ما يوصف بالحرب على الإرهاب، بدءاً بهذا المسمى الخاطئ نفسه. وبناء على هذا؛ فإن ثمة أمرين ينبغى التعامل معهما فوراً دون تأخير. أولاً: كيف يمكن استعادة ناصية الأخلاق التى خسرتها أمريكا بصورة بائسة وهى التى لم تكن مضطرة إلى خسارتها أصلاً. وثانياً: كيف يمكن تصميم استراتيجية ذكية تساهم فى عزل الإرهابيين عن بقية الناس فى مجتمع بعينه وتعمل على احتواء المحبَطين الذين يقفون فى منتصف الطريق. وسيكون تحقيق هذا من الصعوبة بمكان إذا لم يبدأ الرئيس الجديد حياته الرئاسية بالاعتذار للشعب الأمريكى وللعالم كله عن كل تلك القذارة التى أتتنا من أبو غريب وجوانتانامو وبرنامج الترحيل غير العادى.

ولن يكون سهلاً تحقيق هذا قبل أن يعبر الرئيس الجديد عن تعاطفه مع الشعب الفلسطينى ورفضه للإهانة التى يتعرض لها كل يوم أمام الحواجز ونقاط التفتيش دون مبرر على الإطلاق. لن يكون سهلاً تحقيق هذا قبل أن يبدأ الرئيس الجديد فى توجيه انتقادات جادة يعنيها إلى أنظمة عربية فاسدة. لن يكون سهلاً تحقيق هذا قبل أن يرتفع حاجبا الرئيس الجديد ويفغر فاه أمام حقيقة أن أسرة مصرية مكونة من خمسة أفراد تعيش اليوم على ما يعادل خمسين دولاراً أمريكياً فى الشهر، لا لأن الفقر عار، ولا لأنهم كسالى أو عاجزون عن العمل، بل لأنهم لم يحصلوا على فرصة عادلة فى نظام اقتصادى عالمى تسيطر عليه أمريكا إلى حد بعيد. ولن يكون سهلاً تحقيق هذا قبل أن يبرهن الرئيس الجديد عملياً وبصورة قاطعة أن الغرب ليس بصدد حرب على الإسلام، بل بصدد مواجهة مع بعض من تصادف أنهم مسلمون، وأنه لن يحكم على نواياهم بل على أفعالهم».

وكنا قد دعونا الرئيس المنتخب فى مقالنا بهذه الجريدة يوم 30 ديسمبر تحت عنوان «الكبار فقط يعتذرون»www.youm7.com/News .asp?NewsID=60054 إلى أن يتقدم فى خطاب التنصيب بسبعة اعتذارات للشعب الأمريكى مرة ونيابةً عن الشعب الأمريكى مرةً أخرى إذا أراد حقاً أن يفتح صفحة جديدة من الشفافية وحسن النية. الآن، وقد مر نحو ثلاثة أسابيع على خطابه الذى حدد فيه رؤيته لهذه اللحظة الزمنية الفارقة نجد أنفسنا أمام مجموعة من الملاحظات.

فأولاً: جاءت أقوى إشاراته إلى فساد نخاع إدارة بوش عندما قال «إننا نرفض الطرح الخاطئ بأننا مضطرون إلى المفاضلة بين أمننا وقيمنا»، وهو ما يذكرنا بما قاله قبله بعقود طويلة الرئيس الأمريكى الأسبق، بنجامين فرانكلين: «هؤلاء الذين يختارون الأمن على حساب الحرية لا يستحقون أياً منهما». انتقل أوباما سريعاً من القول إلى الفعل فأصدر مرسوماً بإغلاق معتقل جوانتانامو فى غضون عام. ورغم أن الإنصاف يقتضى أن نعتبر هذا «اعتذاراً» عملياً فإنه يبقى منقوصاً إذا لم يتضمن تعويض الأبرياء ومن لم تثبت إدانتهم عما اقتُرف بحقهم من تعذيب وظلم (وقذارة فى بعض الحالات) ومحاسبة المسئولين عن ذلك وعن أبوغريب وعما يسمى برنامج الترحيل غير العادى، وعلى رأسهم دونالد رامسفيلد.

وثانياً: رغم أنه وجّه حديثه مباشرة إلى العالم المسلم بعبارة إيجابية فضفاضة حين قال: «نحن نسعى إلى طريق إلى الأمام مبنى على المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل«، فإن ما يثير القلق أنك لا تزال تشتم رائحة أسلوب بوش فيما يتعلق بهذه النقطة حين قال: «إن أمتنا فى حرب ضد شبكة مترامية الأطراف قوامها العنف والكراهية». سيكون على أوباما أن يشرح لنا سريعاً ماذا يعنى تماماً بهذه المصطلحات التى يمكن أن يترجمها البعض بسهولة إلى «حرب على الإسلام»، خاصةً أنه ختم الفقرة نفسها بقوله: «إن كل يوم يقدم لنا دليلاً جديداً على أن الطريقة التى نستهلك بها الطاقة تزيد من قوة أعدائنا».

وثالثاً: فى إشارة واضحة إلى 11 سبتمبر وتوابعه، قال أوباما: «إننا لا نقدم اعتذاراً لأحد عن أسلوب حياتنا، ولن نتوانى عن الدفاع عنه؛ فإلى هؤلاء الذين يسعون إلى تحقيق أهدافهم عن طريق بث الإرهاب وذبح المدنيين نقول لكم الآن إن روحنا أقوى ولن تنكسر. لن تعيشوا أطول منا ولسوف نهزمكم». ورغم أن أحداً لا يمكن أن يدافع عن «الإرهاب وذبح المدنيين« فإن المنطق العام الذى نستشفه أن هذا المدخل لا يختلف كثيراً عن مدخل بوش، وهو المدخل الذى يرفض تماماً أن يواجه مجموعة من الأسئلة الصعبة، من بينها: «ما الذى يمكن أن يدفع شاباً فى زهرة العمر، من أسرة كريمة، ميسور الحال، متفوق، ذكى، أمامه مستقبل ناصع، مثالى فى علمه وفى أدبه بشهادة أساتذته وأصدقائه من كل الأجناس إلى أن يصل به الأمر إلى ما وصل به؟» الإجابة على هذا السؤال يعرفها صُنّاع السياسة وصُنّاع القرار فى أمريكا وفى إسرائيل، وهم ببساطة لا يفضلون التعامل معها لأن لها علاقة مباشرة بالسياسة الخارجية.

باعترافه، أمام باراك أوباما طريق طويل؛ وباعتراف الواقع، ليس أمامه كثير من الوقت. لقد وجد نفسه فجأةً فى أتون الشرق الأوسط ولم تكن لأى قضية أخرى أن تقدم لنا محكاً أصدق للحكم على الرجل.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة