ذات صباح نهضت على وقع خبر غريب عجيب، خبر يفيد بأن صديقة لى ستزف إلى رجل لا أعرفه ولا تعرفه، خبر قلب مزاجى رأسا على عقب، خطر ببالى كلام كثير، ولكننى آثرت الصمت، قلت لنفسى ما الذى حصل؟ هل هناك شيء لا أعرفه؟ أى قرار متسرع هذا؟
فكرت قليلا وكثيرا، ولكننى لم أعلق بكلمة واحدة، فى خبايا نفسى كان الكثير من الاعتراضات والتساؤلات والانتفاضات على ما فعلت وتفعل بنفسها, إلى أين تسير تلك المجنونة, هل تريد الانتقام من نفسها؟ هل تسعى للانتقام من آخر لا أعرفه؟
أعرفها بكل ما فيها, طريقة تفكيرها, مشاعرها, أحلامها الطفولية البريئة وغير البريئة, نجاحاتها, إخفاقاتها, كتب تحب اقتناءها, خطوط على روايات رسمتها, كلمات فى الفرح تتلفظها, وأخرى فى الحزن تكاد تخنقها, ملابسها, ألوانها المفضلة, حقيبة يدها التى تخبئ بها قصاصات ورقية من جريدة قديمة, أخبار, أشعار, تعليقات, حتى الأبراج. أعرف أنها تحب رائحة الأرض بعد المطر, تهطل الأمطار غزيرة ذات صباح فتخرج لتتمشى ساعتها, تأخذ حماما باردا, تعلق بالقول أنه حمام بلا تعب وبلا ثمن.
أعرف أنها تحب غروب الشمس, تجلس ساعة الغروب على شرفة منزلها المقابلة لجبل تختبئ الشمس خلفه عند الغروب, تبقى هناك حتى تبزغ فى صباح يوم جديد من مكان آخر جديد, اللون الأحمر المتدخل مع الأخضر يستهويها, يجعلها تفكر كثيرا فى تمازج الألون الذى يشكل لونا تفرضه الطبيعة علينا.
موسيقاها المفضلة كموسيقاى, بحيرة البجع لتشايكوفسكى, تستمع لها كل صباح ومساء, تقول لنجلس ولنرى البجعات يتمايلن فى البحيرة المفترضة, أقول ليس لدينا لا نهر ولا بحر ولا حتى بحيرة, تقول: أغمضى عينيك, أفعل دوما ما تقوله لى, تخيلى أننا على شاطىء بحيرة جميلة, مياهها زرقاء, رائحتها تشبه رائحة المحيط المهجور, إلا من أنفاس قطعت لرجال مروا من هنا, على الشاطئ نخلة باسقة, تحت النخلة كرسى من خشب, أجلس أنا على يمينه وأنت على يساره, تتشابك أيدينا, تأتى فى هذه الساعة (ساعة الغروب طبعا) أول بجعة من البعيد لتحط فى منتصف البحيرة, تتمايل وتتمايل وكأنها ترقص الباليه على سطح الماء, ترى نفسها, تبتهج, تهز رأسها وذيلها وكأنها تحاول أن تصلح تسريحة شعرها.
تركت يدها يدى وعدنا الى أرض الواقع, الخبر ما زال يطن فى أذنى, نهضت من فراشى, غسلت وجهى بالماء البارد, تعوذت من الشيطان, دعوت الله أن يكون كل ما يحصل لى ولها مجرد كابوس ينتهى قريبا, حملت هاتفى النقال, وجدت رقم هاتفها, ترددت فى الاتصال, ماذا سأقول وأى سؤال سأطرح؟ هل ستزفين إلى من لا أعرف ولا تعرفين؟ هل هذا سؤال منطقى؟
اسماء صبّاح تكتب من رام الله
صديقتى ورجل لا تعرفه
الخميس، 12 فبراير 2009 01:01 م