الغابة

الخميس، 12 فبراير 2009 08:38 م
الغابة عبود الزمر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
1 كانت الغابة الكبيرة التى تقع على أطراف المدينة مليئة بالحيوانات والطيور والأشجار الوارفة وكان جدول الماء العذب وهو شريان الحياة فيها يشطرها إلى نصفين حيث تجتمع الحيوانات والطيور من كل نوع ليرشفوا منه كلما أحسوا بالعطش، وشريعة الغاب معروفة «البقاء فيها للأقوى» ولا وجود لمن سقطت أنيابه بل ولا مكان لذى المخلب الضعيف.

وفى يوم من ذات الأيام سرت دعوة فاضلة بين الحيوانات آكلة العشب تدعو إلى مقاومة تعديات الوحوش آكلة اللحم حيث كثرت هجمات السباع الضارية بلا مبرر لدرجة أنهم كانوا يقتلون الفريسة ولا يأكلون منها إلا القليل بل ويتركونها تفسد ويطلبون فريسة جديدة طازجة، ولقد لاقت هذه الدعوة رواجا كبيرا، وعقدت عدة اجتماعات بين الحيوانات آكلة العشب وحضرها العديد من الأيائل والغزلان والجاموس الوحشى والزراف وغيرها من الذين يمثلون جميع القطعان، واتفقوا على المقاومة وتداول وضع الخطط والترتيبات فجمعوا عناصر المراقبة من الطيور أمثال الهدهد والببغاء والحمام ومن الحيوانات الزراف لطول عنقه، وكلفوا عناصر للحماية تكون مع كل قطيع حين يرعى أو يشرب الماء مثل الفيل والخرتيت وذكور الأيائل ذات القرون المتينة والغزلان الفتية ذات القرون المدببة، وحذروا صغار الحيوانات من التحركات المنفردة حتى لا تكون فريسة سهلة للسباع، «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»، وتعاقدوا على ذلك وتبايعوا على مواصلة التحدى وتحمل التبعات وهكذا ينبغى أن يكون أصحاب المبادئ والدعوات.

2 وعلى الجانب الآخر شعرت الوحوش الضوارى بأن هناك ضررا بالغا يفوِّت عليهم الصيد، ويحرمهم من أكل اللحم، وكلما غامر سبع بالهجوم على قطيع أسرعت عناصر التحذير بالتبليغ فتفشل الغارة قبل وقوعها بل وقد يتعرض السبع إلى كمائن مفاجئة يشبع فيها نطحا يصيبه بجراح ربما أودت بحياته «متأثرا بجراحه» فقرروا عقد اجتماع عاجل يحضره كبير كل فصيل من الوحوش ليرتبوا أمورهم فى هذا الموقف العصيب.
الأسد: نحن نجتمع اليوم يا سادة لننظر فيما ألم بنا نحن أكلة اللحوم فلا يخفى على أحد منكم ما نلاقيه من صعوبات بعد تلك الدعوة التى أطلقتها فئة منحرفة، تمنعنا حقنا أن نأكل طعامنا الذى تعودنا عليه.
النمر: ليأذن لى فخامة الملك أن أنضم إلى موقفه الرافض لتلك الدعوة الفاسدة، التى حرمتنا حقنا وأطالب بموقف صارم تجاه هؤلاء، ولا أرى بأسا من شن حرب موسعة على قطيع من أكلة العشب ،فنقتل بعضهم ونأسر الباقين.
الثعلب: عفوا يا فخامة الملك لتدخلى فى حديث معالى الوزير، وتكلمى قبل دورى فى المحفل الكريم ولكن المصلحة العامة دفعتنى وشغفى على المستقبل شجعنى.
الأسد: تكلم أيها الثعلب.
الثعلب: لو أننا فعلنا ما قاله سيدى الوزير لهلكت القطعان فى وقت قصير، ولعاد ذلك علينا بالضرر الكبير.
الأسد: كيف؟ أفصح لنا عن مكنون كلامك!!
الثعلب: إذا ما هاجمنا قطيعا مجتمعين فسوف تقع فيهم مقتلة عظيمة أكثر من حاجاتنا لطعام يومنا وليلتنا وبالتالى سيفسد اللحم الباقى ولن نستفيد منه.
النمر: «مقاطعا» ولكننا سيكون لدينا أسرى يمكننا أن نأكل منهم كلما أردنا ذلك.
الثعلب: مهلا يا سيدى النمر، إن الأسير المحتجز من أكلة العشب لن يتناول طعامه بشكل طبيعى، لأنه يشعر بفقدان الحرية وكثير من الحيوانات يهلك جوعا وعطشا إذا فقد حريته بالرغم من وجود الطعام والشراب بين يديه.
«ابتسم الأسد وهو ينظر إلى الثعلب فى إعجاب وقال:
اقترب هنا إلى جوارى أيها الثعلب الداهية، فإن الأمر يحتاج إلى رأى ثاقب ومعالجة غير تقليدية.
وثب الثعلب وقد نثر شعر فروته فى سرور، بينما زمجر النمر زمجرة خفيفة، خرجت منه عن غير إرادته خوفا على اقتراحه ومكانته، ولكن صوت الذئب غطى على ذلك بعواء قصير طلب منه الكلمة ثم أردف قائلا:
«الأمر فعلا يحتاج إلى أساليب مبتكرة».
الأسد موجها حديثه إلى الذئب: وهل لديك شىء منها.
تلعثم الذئب فلم يكن قد أعد رأيا أو محَّص فكرة، فطن الأسد إلى السبب الحقيقى الذى دفع الذئب إلى التدخل، فبادر إلى معالجة الأمر مخاطبا: عفوا.. أكمل حديثك أولا أيها الثعلب فالكلمة لاتزال معك.
الثعلب: أطال الله عمر مولانا الملك، الذى أقصده أنه لابد من تفتيت هذا التكتل ،الذى اجتمعت حوله الحيوانات من أكلة العشب.
الأسد: زدنا بيانا.
الثعلب: لابد من مراودة ومساومة بعض المتحالفين معهم، وسوف يؤدى ذلك إلى إضعاف شوكتهم.
الأسد: مثل مَنْ؟!
الثعلب: الفيلة والخراتيت.
وهنا تدخل الغراب الذى يقف فى أعلى الشجرة قائلا:
الفيلة ليسوا كالخراتيت.
الأسد: وقد رفع صوته ورأسه فى اتجاه صوت المتحدث: ما الذى أدخلك فى الحديث وكيف تواجدت فى الاجتماع.
الغراب: أنا واحد منكم أتغذى على بقايا فرائسكم فالذى ينفعكم ينفعنى، وأنا لكم ناصح متابع.
الأسد: «بعد أن نظر فى عجالة إلى عينى النمر والذئب فرأى منهما رغبة فى تدخل الغراب للحد من نفوذ الثعلب».
لا بأس أيها الغراب، أوضح ماذا تعنى بهذا الفرق؟
الغراب: لاشك أن الفيلة والخراتيت من أقوى الداعمين للدعوة ولكن الفيلة أنفع والخراتيت قد تضر.
ثم أكمل كلامه وسط دهشة الجميع.
فالفيلة سليمة البصر فإذا ما نشبت معركة كان لهم قوة باطشة تعرف خصمها، ولكن الخراتيت لا تكاد ترى فتندفع إلى حيث مصدر الصوت فلربما قتلت أصدقاءها قبل عدوها، وهذا هو الفرق بين القوة المبصرة والقوة العمياء.
تحولت الوجوه فى لحظات إلى الغراب، فقد خطف الأضواء من الثعلب الذى بدأ يطوى ذيله الطويل، وهنا شعر الأسد أن الأمر يحتاج إلى حزم، حيث أدرك أن صفاء النفوس فى إدارة هذه الأزمة مطلوب، ولكن الحوار بات يسير فى عكس الاتجاه فبادر إلى إعلان قراره التالى:
«تشكل لجنة من النمر والذئب والثعلب والغراب لوضع خطة تفصيلية لاحتواء الفيلة وإخراجهم من دائرة الصراع» رفعت الجلسة.
انصرف الحضور.. واجتمعت اللجنة فى عرين النمر، واتفقوا على الطريقة التى سيدار بها الحوار مع الفيلة، وحدود المفاوضات معهم، وأن الغراب هو المفاوض الأول، والثعلب هو المفاوض الثانى، وتم عرض تلك الرؤية التفاوضية على الأسد فصدق عليها وأمر بالتنفيذ الفورى.

3 وقف الغراب على شجرة مجاورة لموقع كبير الفيلة، وهو يحمل فى فمه غصن زيتون دليلا على حسن النوايا ومساعى السلام ثم خفق بجناحيه فلما أحس به الفيل ألقى بغصن الزيتون بين يديه وأقبل عليه محييا، فرد الفيل التحية وسأله:
ما وراءك أيها الغراب:
الغراب: جئتك براحة البال، وهدوء الحال.
الفيل: الحمد لله أنا مستريح البال وهادئ الحال.
الغراب: أتأذن لى أولا أن أقترب منك أكثر.
الفيل: لا بأس اقترب.
الغراب: وثانيا: تسمح بحضور أحد أصدقائى وهو الثعلب جاء معى ناصحا شفوقا.
الفيل: بالرغم من أن الثعلب مشهور بمكره وخداعه إلا أننى لا أخشاه فليقف إلى جوارك.
وثبت الثعلب إلى جوار الغراب وهو يقول: خالص التحية لفخامة الفيل على حسن استقباله لنا.
الغراب: كيف تكون سعيدا بحياتك وأنت وزملاؤك من الفيلة تدخلون معارك مع الأسود والنمور والذئاب وكل يوم يسقط قتلى وجرحى منكم.
الفيل: إننى أقف داعما لقضية عادلة وأضحى من أجلها.
الثعلب: كيف تضحى وأنت غير مستفيد من وراء ذلك؟!
الفيل: بل يكفينى أن أكون صاحب مبدأ أدافع عنه.
الغراب: أرجو أن يفسح لى الفيل صدره لأقول له أن هذا الموقف خاطئ، فكيف تكون أمامك فرصة للعيش الهانئ بعيدا عن المخاطر وتختار الطريق الصعب الملىء بالأشواك.
أصغى الفيل إلى هذه الكلمات وقد تدلى خرطومه أمام ساقيه يتأرجح.
وفى تلك اللحظة وثب الثعلب خطوة إلى الأمام وأراد أن يطرق الحديد وهو ساخن، فقال: لقد جئناك بعرضٍ مغرٍ من الوحوش، مفاده أنك آمن وزملاءك الفيلة من أى هجمات، فتأكل وتشرب وتتحرك فى الغابة كيفما تشاء دون أن يتعرض لكم أحد.
أشاح الفيل بوجهه إلى الجهة الأخرى ثم قال: وما المقابل؟ فليس فى عالم السياسة عطاء بلا مقابل ولا تنازل بلا ثمن.
أجاب الغراب بسرعة: أن تنسحبوا من تحالفكم.
صمت الفيل برهة خشى فيها الثعلب أن تكون الإجابة على غير ما يريد، فبادر قائلا: لا تتسرع سيدى بقرارك فالأمر لا يخصك بمفردك بل معك من إخوانك الفيلة من لهم عليك حق التخفيف، فقلّب الأمر لثلاث ليال نتركك فيها وسنعود إليك لنرى رأيكم النهائى.
الفيل: اتفقنا..
انصرف الثعلب ومن خلفه طار الغراب عائدين من حيث أتيا.

4 فى عرين الأسد اجتمعت اللجنة المختصة بالتفاوض لتقويم الأداء الدبلوماسى، فقام الغراب بعرض ملخص لما تم إنجازه.
ولكن النمر وجَّه سؤالا إليهما حيث قال: لقد كان من المفترض أن رجوعكما بالرد الشافى، ولكنكما أجلتما الرد ثلاث ليال، فهل هناك ما استدعى تعديل التخطيط؟
هزَّ الذئب رأسه موافقا على السؤال.. بينما نظر الأسد باهتمام، قال الثعلب: يا سادة لقد فوجئنا بأن الفيل عقائدى الموقف ومقتنع جدا بما يقوم به فخشيت أن يرفض العرض فى لحظة اعتزاز وإباء فأفسحت المجال أمامه للتفكير.
الذئب «مقاطعا»: وهل تظن أن إمهاله بعض الوقت سيغير من موقفه العقائدى؟!
ابتسم الثعلب قائلا: إن أصحاب العقائد لا يلينون أبدا، إلا إذا كانت هناك متغيرات مؤثرة على موقفهم.
الأسد: أجب مباشرة على السؤال ولا تسهب.
الثعلب: إن مجرد مناقشة الأمر مع زملائه الفيلة سيظهر من بينهم من يقبل باقتراحنا، وكذلك فإن العديد من الأمهات ستشكل ضغطا عاطفيا لصالحنا حرصا على صغارها من القتل خلال هذه المعارك ،وأردف قائلا بعبارة استرضائية: وما فعلت ذلك عن أمرى ولكن بفضل توجيهاتكم وإقرار المفاوض الأول «الغراب» للتعديل الذى أضفته، فهز الغراب رأسه مؤيدا بينما سر الجميع بكفاءة الطاقم المفاوض وأعلن الأسد فى ختام الجلسة، الرضا عن المفاوضات والذهاب فى الموعد المحدد لتلقى الرد، على أن يعقد الاجتماع القادم فور عودة الطاقم المفاوض.

5 على ضوء القمر أقبلت الفيلة بناءً على أمر الاستدعاء الصادر إليهم، وتحلقوا فى حلقة كبيرة ولكن كبير الفيلة طلب أن تنتحى الأمهات جانباً ومعهن صغارهن على مقربة من الجلسة بحيث لايسمعن الحديث وبدأ كبير الفيلة فى عرض مضمون رسالة الوحوش إلى الفيلة، وما إن انتهى من حديثه حتى سمع همهمات فقال: لا داعى للحديث الجانبى فسنفسح المجال لجميع الآراء دون حرج فإن الرأى السديد لا يتم إلا بمشورة، تقدم فيل كبير أبيض اللون ذو أذن مشقوقة وقال فى ثقة:
إن هذا العرض هو فرصة لنا للخروج من ذلك المأزق، الذى يقع فيه القطيع نتيجة لقرار التحالف الذى قطعه رئيسنا تحت وطأة العواطف الجياشة فنحن معشر الفيلة لسنا للوحوش بطعام ،فهم لا يحبون طعم لحومنا لسمك جلودنا وكذلك لصعوبة افتراسنا، فمتى دخل سبع فى معركة معنا قلما أفلت من السحق تحت الأقدام، وكذلك فإننى استحثكم على الموافقة على هذا العرض، وتقديم الاعتذار لقطعان الماشية الأخرى، قال ذلك الفيل الأبيض ثم جثا على ركبتيه.
وهنا قال كبير الفيلة: هل هناك من رأى آخر؟
فتقدم فيل شاب رافعاً خرطومه وموجهاً التحية للجميع ثم بدأ يقول: الأمر يا سادة ليس كما ذكره أخى الأكبر «الفيل الأبيض»، لأن دخولنا فىالتحالف كان بسبب نصرة المظلومين من قطعان الماشية وكنا نعلم تماماً أن المسألة سيكون فيها تضحيات، ولكنها فى سبيل الحق والعدل بعد أن تفشى القتل فى أكلة العشب بلا مبرر، وبالتالى فلم يكن الأمر من باب العواطف أو الانفعال.
الفيل الأبيض مقاطعاً: اسمح لى يا كبير الفيلة أن أقدم لكم تقريراً عن حالة الوفيات التى حدثت نتيجة المعارك التى لا ناقة لنا فيها ولا جمل، لقد قتل يا سادة عشرة من الفيلة، أى ما يعادل أكثر من خمسة عشر بالمائة من إجمالى القطيع.
ثم اختتم حديثه بحركة مسرحية أشار فيها إلى صغار الفيلة وهو يقول: وما ذنب هؤلاء الضعفاء؟!
وهنا تقدم فيل ثالث ولكنه أكبر سناً من الفيلين اللذين تحدثا ثم قال: ليأذن لى سعادة الرئيس أن أعقب على ما سبق من حديث.
رئيس الفيلة: تفضل.
الفيل المسن: لا شك أننا حين دخلنا إلىالتحالف كان ذلك باختيارنا ولم نكن مكرهين على ذلك.
النقطة الثانية: أن الخروج من الأمر ليس كالدخول فيه.
الفيل الأبيض: (مقاطعاً): أفصح لنا عن مكنون النقطة الثانية؟
الفيل المسن: على رسلك يا أخى.. الذى أقصده هو أنه كان بوسعنا عدم التحالف من بداية الأمر ولكننا بعد أن تحالفنا وتعاقدنا وبدأت المعركة أصبح الخروج يمثل مشكلة كبرى لقطعان الماشية خاصة أنهم خططوا استراتيجيتهم على وجودنا معهم، ثم انـظروا يا حضرات الفيلة إلى التاريخ وليكن لكم فيه عبرة.. لقد تحالفت الدول العربية عام 1973 وشنت حرباً شاملة ضد إسرائيل المعتدية على الأرض الفلسطينية ونجحوا فى تحقيق بعض الانتصارات، ولكن الرئيس المصرى بادر منفرداً إلى عقد معاهدة سلام مع إسرائيل وأخرج نفسه من دائرة الصراع فأضعف النظام العربى كله وتسبب فى عزلة بلده، ولم تقم للعرب بعدها قائمة، وأصبح الرئيس المصرى خائناً فى نظر الدول العربية، أترضون ياسادة أن توصفوا بهذا المصطلح الذى يأباه كل شريف مهما كان الثمن وإذا كان أحدنا يشير إلى بعض الخسائر التى لحقتنا فإن الذى يدخل إلى الحلبة لا يسلم من اللكمات، ولو أقام كل صاحب حق وزناً للتضحيات ما نهض أحد يطالب بحق وما وقف مظلوم فى وجه ظالم.
وبعد حوار استمع فيه الجميع إلى الرؤى المتباينة، توصل الرئيس إلى قرار أعلنه فىحزم: إننا لا نقبل مساومة للخروج من التحالف إلا إذا كان هناك حل يرتضيه سائر قطعان الماشية من أكلة العشب، وسوف نعرض عليهم ما جرى ونرى رأيهم فى الأمر.
وهنا ظهرت علامات الاعتراض على الفيل الأبيض حيث انسحب من الجلسة متضايقاً لفوات هذه الفرصة التى كان يرى فيها حلاً لمشكلة إخوانه الفيلة.

6 فى عرين الأسد شوهد النمر والذئب يطلبان مقابلة ليلية عاجلة لأمر مهم لا يحتمل التأخير، خرج الأسد إليهما مندهشاً فموعد الاجتماع مازال أمامه يومان.
النمر: معذرة يا مولانا فلقد جاءتنا معلومات مهمة وموثوقة أردنا أن نضعها بين أيديكم.
الذئب: وهذه المعلومات قد وردت إلينا من أحد عناصر الاستطلاع الليلى «البومة» التى كلفها فخامة النمر لمراقبة اجتماع الفيلة.
الأسد: على بهذه المعلومات فوراً.
تقدمت البومة وقصت ما جرى بدقة على الأسد فأمر لتوه باستدعاء الثعلب والغراب للنظر فى الموقف الجديد.
وما هى إلا دقائق حتى جاء الغراب، وبعده الثعلب يلهث من شدة العدو وبدأوا فى التشاور بعد أن أحاطوهما علماً بما أتت به البومة من معلومات.
الأسد: أشكركم على مجهودكم جميعاً كفريق متعاون من أجل مصالحنا العليا وهذا يدل على مدى صدقكم وقناعتكم بسياساتنا وتوجيهاتنا العامة.
فليبدأ النمر بالحديث مع شكرى الخاص له ليقظته ومتابعته لتطورات الأحداث أولاً بأول.
النمر: أرى يا مولانا أن نسارع إلى التفاهم مع الخراتيت لإضعاف شوكتهم وأن نستغل الخلاف بين الفيلة ونزيد من توسيع دائرته.
الذئب: وأنا مع هذا الرأى يا مولاى ولكن أرجو أن تسمحوا لى أن أصطحب معى عدداً مناسباً من الذئاب الأشداء لقتل الفيل الأبيض.
الأسد: وما الذى يحملنا على قتل الفيل الأبيض وهو أحد الموافقين على عرضنا.
الذئب: لقد قتل هذا الفيل منذ سنوات عدداً من أبنائى تحت أقدامه وقفزت على ظهره وكاد أن يمسكنى بخرطومه ولكنى أفلت منه وشققت له أذنه.
الأسد: لقد قدمت بذلك عنصر الانتقام الشخصى وشفاء الصدر على المصلحة العامة التى قد تقتضى المحافظة على هذا الفيل وتقوية دعوته.
الذئب: عفوا يا مولاى فأنا أقصد بأن تسمحوا لى بذلك بعد الاستفادة الكاملة منه.
الأسد: حسناً افعل ما تشاء به بعد انتهائنا من هذه الأزمة.
الغراب: اسمح لى يا مولاى أن أعقب على ما قيل بشىء من الصراحة فلا زلت عند مقولتى بترك الخراتيت وعدم العمل على تحييدهم لأن ضررهم أكثر من نفعهم، وانظروا إلى العبرة فيما مضى من تجارب فالرئيس العراقى أشبه ما يكون بذلك فبدلاً من أن يوجه ضربته إلى دولة إسرائيل التى هى العدو الأول للعرب، هاجم دولة الكويت وتسبب فى مشكلة كبرى لا تخفى نتائجها، اليوم على أحد، ثم إننى أكتفى بهذا القدر وأفسح المجال أمام صديقى الثعلب ليدلى بدلوه فيما بقى من نقاط.
الأسد: شكراً لك أيها الغراب والحديث متروك للثعلب فليتفضل.
الثعلب: إننى أرى أن نجرى اتصالاً بالفيل الأبيض ونعطيه الأمان هو ومن دخل الاتفاق معه من الفيلة وبذلك تنكسر شوكة الفيلة وربما وقع نزاع شرس يصرفهم عنا.
الأسد: شكراً لك وهل هناك تعليق لأحد منكم.
الغراب: خطرت لى فكرة الآن وهى من الأمور المهمة فى الحروب ألا وهى الشائعات.
الأسد: ماذا تعنى أوضح؟
الغراب: لابد من أن تسرى شائعات متعددة فى الغابة حول لقاءات سرية تمت بيننا وبين بعض رؤساء القطعان.
وهنا تدخل الذئب متسائلاً: وما الفائدة المرجوة من وراء هذه الشائعات؟
الغراب: ستحدث بلبلة فى أوساط القطعان وستضرب بذرة الشك جذورها بين المتحالفين وهذا هو بداية الخلاف ثم فشل التحالف كنتيجة مترتبة على التنازع.
الأسد: هذا هو الرأى وقرارى النهائى كالآتى:
أولاً: إطلاق الشائعات على النحو الذى قاله الغراب.
ثانياًً: تقوية نفوذ الفيل الأبيض وإعطاؤه الأمان مع صلاحيات ضم ما يشاء إلى الاتفاق.
ثالثاً: بدء تحقيق اتصال مباشر مع باقى القطعان والتوصل معهم إلى حلول مرضية لنا تحت ضغط احتمالات انهيار التحالف.
رابعاً: تستمر اللجنة المكلفة بإدارة الموقف فى المتابعة والعمل ليل نهار تحقيقاً للمصلحة العامة وتنفيذاً للقرارات الصادرة فى هذا الاجتماع.
وقال الأسد بصوت جهورى: رفعت الجلسة.
فانصرف الحاضرون وهم سعداء بما توصلوا إليه من إنجازات جيدة على طريق تحقيق الأهداف.

7 عند جدول الماء كان يجتمع قطعان الماشية من شتى الفصائل بينما بدا فى الأفق وفد الفيلة مكوناً من ثلاثة أفيال يتقدمهم الفيل الشاب الذى اختاره رئيس الفيلة ليكون متحدثاً رسمياً لما وجد فيه من صفات تتماشى مع طبيعة الغرض، وكذلك كنوع من تدريب الأجيال على التكليفات الصغيرة قبل تحمل المهام الكبرى، وبعد أن سلم الوفد على الحضور طلب أن يلتقى رؤساء القطعان لأمر مهم يتعلق بالعلاقة بينهما.
وصل عدد من رؤساء القطعان فى وقت قصير بينما تخلف البعض عن الحضور وتم عقد الجلسة حيث بدأ الفيل الشاب يطرح عليهم ما قاله وفد الوحوش لهم وهنا قاطعه رئيس الجاموس قائلاً:
إذن ما بلغنا عنكم كان صحيحاً.
الفيل الشاب «مندهشا»: وما الذى بلغكم عنا؟
رئيس الجاموس: بلغنا أنكم اتفقتم على الانسحاب من التحالف فى مقابل أمان كامل لكم وتتركونا وحدنا فى هذه المحنة.
الفيل الشاب «منزعجاً»: من الذى أبلغكم بهذه المعلومات المغلوطة.
رئيس الجاموس: هذا الكلام يتردد فى الغابة منذ ليلة أمس.
رئيس الغزلان: وهو السبب أن هناك عدداً من رؤساء القطعان لم يحضر الاجتماع حزناً على موقفكم.
الفيل الشاب: كيف تستمعون لهذه الإشاعات المغرضة دون أن تتثبتوا أو تتأكدوا من صحة الخبر.
رئيس الأيائل: وهذا هو الذى جعلنا نحضر لنسمع منكم الحقيقة.
الفيل الشاب: إننى شرحت لكم ماطلبه أكلة اللحم ولكنكم لم تمهلونى حتى أشرح لكم الرد الذى أعددناه لهم وجئنا إليكم نعرض عليكم الأمر وننظر ماذا ترون ولن نفعل شيئاً إلا بموافقتكم أنتم.
رئيس الغزلان: أحسنتم أيها الفيلة الكرام فأنتم أصحاب طباع حميدة تحفظون العهود والمواثيق وتقدرون معنى التزام الكلمة وتكرهون الظلم والعدوان.
قطع كلام رئيس الغزلان صوت خفقان شديد لأجنحة طائر يحط على الشجرة التى يلتف حولها الحضور.
نظر الجميع إلى أعلى فإذا بالهدهد يسلم عليهم ويقول: اسمحوا لى يا سادة أن أقطع حديثكم لأمر مهم وجدت أن من واجبى أن أحيطكم علماً به فأنا منكم ومقتنع بدعوتكم ولكنى سمعت ليلة أمس بمحض الصدفة ما جرى فى اجتماع الوحوش وأنهم يكيدون بكم كيداً فأطلقوا شائعة من خلال أطراف وسيطة تنقل إليكم أنباء تضرب قلوب بعضكم ببعض فانتبهوا يا إخوانى إلى تلك المكائد التى تهدف إلى تفتيت تحالفكم.
اندهش الجميع لتلك المعلومات وبادروا إلى الترحيب بالهدهد كصديق وفى أمين ودعوه إلى حضور الاجتماع والإدلاء برأيه ومشورته، وأحاطوه علماً بالأمر ولكن الهدهد قال:
أرجو أن تقبلوا اعتذارى فورائى من المهام الكثير، فسوف أذهب إلى الخراتيت وأنبههم إلى ما جرى وكذلك الفيل الأبيض الذى يريدون التآمر عليه ولا تنسوا أن ترسلوا إلى رؤساء القطعان الذين لم يحضروا وتوضحوا لهم الأمر سريعاً قبل أن تفتك بهم هواجس الشائعات فمثل هذه الأمور لا يصح التأخير فى معالجتها.
لأن المحافظة على سلامة الصدور تضمن قوة التحالف وتقطع الطريق على محاولات الفت فى العضد التى يسعى إليها الوحوش لتحقيق مآربهم.
أُعْجِب الجميع بشهامة الهدهد ومستوى فهمه وسعة أفقه وطلبوا منه أن يعود إليهم فور إنجازه لمهامه لأنهم بحاجة لتواجده إلى جوارهم.
استكمل الحضور حديثهم، بينما أوفد كبير الأيائل من يبلغ المتغيبين عن الحضور «برسالة عاجلة» ثم استأذن الفيل فى الانصراف هو ورفاقه وترك لهم التفكير فيما يرونه مناسباً لهم وأنهم ماضون فى دعمهم لا ينزعون يداً من اتفاق سبق إبرامه.

8 «حلق الهدهد فوق مقر زعيم الفيلة ثم ضرب بجناحيه وهبط فوق غصن قريب منه، وبعد أن سلم عليه وأطلعه على خلاصة ما تم فى عرين الأسد وكذلك على أحوال الاجتماع الذى حضره وفد الفيلة استأذن فى الانصراف لإخطار الفيل الأبيض بالنوايا المبيتة ضده، فاستوقفه زعيم الفيلة قائلاً:
شكراً لك أيها الهدهد على ما تقوم به من مساعى خير وجميلك عندنا محفوظ، ولكننى أرجو منك ألاّ تبلغ الفيل الأبيض بما يحاك ضده
ودعنى أتدبر الأمر.
الهدهد: لا شكر على واجب فأنا منكم ولكن أخشى أن تتأخر فى إخطار الفيل الأبيض فيقع المحظور الذى لا يمكن تداركه.
زعيم الفيلة: لا تخش شيئاً فإننى أود أن أعطى درساً عملياً تربوياً للقطيع كله.
الهدهد: أخشى ألا يفطن الفيل الأبيض إلى خطورة الموقف.. وتحدث الفتنة بينك وبينه فتجتمع الأنصار من حوله ويستفحل الأمر على الحل.
الفيل: إننا لن نصل إلى هذا!
وقطع حديث الفيل صوت الهدهد يرتفع إلى أعلى فى وثبة عاجلة، وهو يقول: لقد شاهدت الغراب اللعين يهبط جهة الشرق عند موضع الفيل الأبيض ويبدو أن الحديث أخذنا فلن نستطيع أن نحذره.
الفيل: لا تقلق على الفيل الأبيض فهو أخى ومن أبناء جيلى وهو عاطفى بعض الشىء ولكنه لا يمكن أن يخون القطيع أو يأخذ موقفاً هدَّاماً وهكذا عهدناه ولكن أود أن أعلم أبنائى وأحفادى الفيلة كيف أن الفيل الأبيض بالرغم من اختلافه لم يقبل المساومة ولو أننا حذرناه قبلها فإن الفيلة لن تدرك هذا المعنى بل سنقول إن الفيل الأبيض لما علم بأنه مقتول عند الانتهاء من استخدامه بادر إلى العودة للقطيع ليحموه من هجمات الذئاب أما عند عدم تحذيره فإن الدرس سيكون واضحاً جلياً.
الهدهد: يبدو أن زعيم الفيلة يتمتع بخبرات واسعة ومهما كان الأمر فلقد سبق السيف العزل ووصل الغراب وبدأت المساومة فأرجو من سعادتك أن تسمح لى بالانصراف كى أعود إلى سائر القطعان حيث إننى على وعد معهم بالعودة إليهم بعد انتهاء المهمة.. قال ذلك الهدهد وهو يحلق فى الهواء فى طريق عودته إلى حيث الاجتماع الذى دعا إليه بينما بدأ كبير الفيلة فى التحرك صوب الشرق ليرى نتيجة ما يحدث هنالك.
وبعد مسيرة عدة دقائق وصل إلى حيث موقع الفيل الأبيض فشاهده وهو يحطم بخرطومه عدداً من أطواق الخوص.
بينما رأى الغراب ينعق فى فزع وهو يحلِّق فى اتجاه الغرب، اقترب زعيم الفيلة من الفيل الأبيض وسلم عليه وسأله: ما الذى أغضبك إلى هذا الحد يا أخى؟!.
الفيل الأبيض: رسول من الوحوش جاءنى يريد أن يشق صفنا ويستقطبون ومن وافقنى من الفيلة إلى إبرام عقد أمان منفرد معهم يتم فيه إعطاء الداخلية فيه حق الحركة الآمنة فى الغابة دون أن يتعرض لنا أحد.
زعيم الفيلة: وما هذا الذى تحطمه بخرطومك وتسحقه تحت أقدامك.
الفيل الأبيض: إنها أطواق عشرة أرسلوها إلىّ كى نضعها على أعناقنا فتعرفها الوحوش إننا الداخلون فى الأمان فلا يتعرضون لنا فلما قدمها إلىّ أثناء حديثه غضبت واعتبرتها علامة خزى وعار لا يصح أن تبقى أمامى لحظة واحدة.
زعيم الفيلة: أحسنت صنيعاً يا أخى العزيز فهكذا ظنى بك دائماً مهما كان الخلاف فى وجهات النظر.
الفيل الأبيض: ولكن الذى أتعجب له كيف عرفوا أننى أختلف معك فى الرأى حتى يفعلوا كل هذه المناورة التى اتضحت فيها النوايا الخبيثة.
زعيم الفيلة: وما خفى كان أعظم.
الفيل الأبيض: ماذا تقصد يا أخى.
زعيم الفيلة: سأقص لك ما خفى عليك وما جاءنى من معلومات خطيرة بشأنك ونحن فى طريق عودتنا.
وبدأ زعيم الفيلة يحكى له تفاصيل ما جرى وسط دهشة الفيل الأبيض وعندما وصلا سويا إلى حيث يسكن القطيع أعطى زعيم الفيلة إشارة الاجتماع العاجل لكل الفيلة كى يشرح لهم الدرس التربوى الذى أراد أن يوصله إليهم وهو أن اختلاف الرؤى ووجهات النظر ليس مسوغاً للتحالف مع الأعداء ضد الإخوان أو التحول إلى معول هدم يشق الصف ويهدم القضايا التى تعاقدوا عليها مع سائر القطعان، ولم يفت زعيم الفيلة أن يجهز فى ذهنه كلمة شكر وتقدير للفيل الأبيض على تصرفه الرائع الذى ظهر به فى هذا الموقف وتقديمه للمصلحة العليا على حظوظ النفس وحب الانتصار للرأى.

9 وصل الهدهد فى اللحظة التى تم فيها اكتمال حضور رؤساء كل الفصائل فسلّم عليهم وهبط إلى جذع شجرة صغيرة على مقربة من الحضور وبدأ الحديث كبير الأيائل، حيث شرح الموضوع برمته ملخصاً كى يستوعب الجميع ما مضى من وقائع.
ثم قال: إننا يا سادة فى موقف محرج، فلقد تحالفنا مع الفيلة والخراتيت كقوة معاونة لنا فى مجتمعنا وفى الوقت نفسه لا نقدم لهم أى مقابل بالرغم من أنهم يتحملون عبئاً كبيراً فى المعارك والذى أخشاه أن تطول فترة الصراع كما هو متوقع فيزداد احتمال استجابة الفيلة والخراتيت للضغوط الداخلية ويطلبون الخروج من التحالف على استحياء فلن نجد أمامنا إلا الموافقة مع شكره على ما قدموه لنا.
رئيس الجاموس الوحشى: ماذا تعنى من كل هذه المقدمة؟
رئيس الحمر الوحشية: يقصد أن نقدم لهم بعض الهدايا القيمة فى مقابل ما يقدمونه لنا من خدمات.
رئيس الغزلان: لا يا حضرات إن ما يقدمه لنا الفيلة والخراتيت لا يقدر بثمن لأنها تضحية بالأرواح فى سبيل المبادئ وبالتالى أرجو إفساح المجال أمام رئيس الأيائل لتكملة وجهة نظره.
رئيس الأيائل: شكراً لكم.. والذى أقصده هو إنه يلزمنا عرض فكرة تفاوضية نصل بها مع الوحوش إلى حلول وسط ننهى بها حالة الصراع ونستفيد من قوة التحالف قبل أن ينهار رغماً عنا جميعاً فنصبح لقمة سائغة فى فم أكلة اللحم.
رئيس الغزلان: أحسنت رأياً يا أخى ولكن تبقى مشكلة الحل الوسط الذى سنعرضه ويمكن أن تقبله الوحوش.
رئيس الأيائل: هذا هو الذى يجب أن نفكر فيه لأن فرصة التفاوض الآن سانحة تحت ضغوط قوة التحالف من جهة وعجز الوحوش عن حسم الصراع من جهة أخرى، وبالتالى فإننا وصلنا إلى النقطة المؤثرة التى يقبل فيها الوحوش إمكانية الحلول الوسط.
الهدهد: اسمحوا لى يا سادة أن أثنى على هذا الرأى فإن الوحوش لن يهدأ لها بال حتى تهدم هذا التحالف خاصة أنه بمضى الوقت وزيادة الخسائر فى الفيلة والخراتيت سيشعران أنهما قد تورطا فى معركة لا تخصهما كما ذكر أخى رئيس الأيائل، وبالتالى لابد أن تتفقوا على سقف تفاوضى له حد أقصى من التنازلات لا يُسمح بتجاوزه.
رئيس الزراف: لا شك أن الوحوش تحب اللحم ولا يمكن أن نطالبها بالاكتفاء بالعشب لأن من ذاق طعم اللحم زهد فى العشب وبالتالى فإنه من الممكن أن ندفع إليهم بحالات الوفاة التى تحدث عندنا ويأكلون منها وهى فى مجموعها ستكون مناسبة.
رئيس الحمر الوحشية: وإذا لم يرضوا بذلك يمكننا أن ندفع إليهم بالحالات المرضية المستعصية وإذا لم يوافقوا يمكننا أن نسلمهم كبار السن العاجزين عن الحركة.
رئيس الجاموس: وأنا أدعم هذا الرأى لأنه واقعى وسيؤدى إلى حمايتنا من الهجمات المتكررة إذا ما وافقوا عليه.
رئيس الأيائل: أسجل اعتراضى يا حضرات على مسألة تسليم المرضى والعجزة من كبار السن لأنه ليس من المروءة أن نتعامل بهذه الطريقة مع من أصابه مرض بل واجبنا هو حمايته وعلاجه حتى يشفى، وكذلك فإنه لا يليق بنا أن نسلم جيل الآباء إلى الوحوش ليأكلوهم وهم قد سهروا على راحتنا وتربيتنا فنحن إن فعلنا ذلك هدمنا القيم داخل مجتمعاتنا ثم قال: «وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان» أما الموتى فإننى أوافق وأنا كاره لأنه لا غنى للوحوش عن أكل اللحم.
رئيس الغزلان: وأنا أنضم إلى هذا الرأى.
رئيس الزراف: وأنا كذلك.
وتتابعت باقى القطعان تؤيد الرأى الأخير باعتباره سقفاً معقولاً يمكن أن يشكل حلاً للصراع لو وافقت عليه الوحوش، وهنا بدأ التفكير فى المفاوض الذى يصلح للمهمة فوجودوا أن الهدهد هو الأنسب لها لما فيه من صفقات المفاوض والمحاور الذكى، وقرروا أن يصحبه فى الوفد الببغاء لأنه يحفظ الكلام جيداً كشاهد معه على الحوار ويمكنه النقل بدقة عند عودتهم من جولة المفاوضات.

10 ذهب الوفد المفاوض ثم عاد سريعاً ليعلن عن فشل جولة التفاوض مع الوحوش حيث أصرت الوحوش على عدم قبول جثث الموتى لكون كثير من أكلة اللحم لا تأكل الجيفة بل تحب اللحم الطازج وطالبوا بأن يتم تسليم حيوان من كل صنف يومياً ليحصلوا على الأمان كاملا وإلا فسيستمر الصراع على أَشُدّه، وأكدت الوحوش على أحقيتهم فى افتراس ما يشاءون من قطعان الماشية باعتبارهم سادة الغابة وأصحاب الكلمة العليا فيها وسيزيدون من هجماتهم الجماعية على القطعان من كل صنف مهما كانت الخسائر.
تناقش رؤساء القطعان فى هذه الردود الجافية وأجمعوا على أنه لابد من مواصلة دعوتهم الفاضلة، والصبر على الأذى الذى يلاقونه وأنهم لو سلموا كل يوم هذا الكم الهائل من رؤوس الماشية لفنيت القطعان بعد شهور قليلة، وبالتالى فإن المدافعة هى السبيل الوحيد أمامهم للبقاء حيت يجعل الله لهم فرجاً عاجلاً.
ولم تمر عدة أيام حتى شاهدوا طائراً يهبط إليهم وهو يصيح بشرى لكم يا أكلة العشب، فنظروا فوجدوه طائر أبى قردان فقال العديد من الطيور والحيوانات فى صوت واحد: ماذا وراءك يا داعى الخير؟!
فقال: لقد سمعت فى المدينة المجاورة لكم أنه تم إنشاء حديقة كبيرة للحيوانات ويحتاجون إلى عدد كبير من أنواع الحيوانات المفترسة، وسيخرج غداً إن شاء الله صيادون متخصصون ويركبون عربات مصفحة شاهدتها بنفسى ومعهم أسلحة تطلق إبرة مخدرة حيث يتم تخدير الحيوان المطلوب ثم ينقل إلى الحديقة، ولا تخافوا أنتم على أنفسكم واسعدوا بحياتكم آمنين مطمئنين فصاحت الحيوانات فرحة بهذا الخبر السار الذى جاء تتويجاً لصبر طويل ومعاناة مريرة فتنفسوا الصعداء وتبادلوا التهانى، فى الوقت الذى شوهد فيه قطعان من الوحوش تفر إلى سفوح الجبال المجاورة بعد أن سمعت بالخبر وتستعد لملاقاة مصيرها فى الغد بل وتمنى الكثير منهم أن يختفى وراء فروة حيوان مناسب لجسمه من أكلة العشب.
ولكنها النهاية الطبيعية لكل معتدٍ متجاوز.

لمعلوماتك...
أشهر سجين سياسى فى مصر
عبود الزمر أشهر سجين سياسى فى مصر، والذى رشح نفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية، ويحتل مكانة خاصة بين الأصوليين حول العالم، فقد انتهت عقوبته فى قضية اغتيال الرئيس المصرى الراحل أنور السادات، وبدلاً من الإفراج عنه بعد انتهاء عقوبته، قررت وزارة الداخلية المصرية استمرار حبسه، وكان عبود قد حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 20 عاما فى قضية اغتيال السادات، و15 عاماً أخرى فى قضية تنظيم الجهاد. وطبقا للقانون، فإن العقوبة الأكبر تجب العقوبة الأصغر. ويذكر أن عبود الزمر الضابط الذى نصبه االلأصوليون «أميراً للجهاد» كان ترتيبه الحادى عشر فى لائحة المتهمين باغتيال السادات، التى ضمت 24 متهماً، وجاء ترتيبه بعد الشيخ عمر عبدالرحمن مباشرة، الذى كان المتهم العاشر فى نفس القضية. وجاء ترتيبه أيضاً بعد عمر عبدالرحمن الزعيم الروحى للجماعة الاسلامية فى قضية تنظيم الجهاد الكبرى، رقم 162 لسنة 1982، والتى ضمت 343 متهماً من بينهم41 حدثاً، لكنه شغل فى هذه القضية موقع «المتهم الثانى»، بعد أن انفرد الشيخ عمر عبدالرحمن بصدارة لائحة الاتهام.
عبود الزمر قام برفع عدد من الدعاوى القضائية للإفراج عنه إلا أن وزارة الداخلية استشكلت فى جميع الأحكام الصادرة لصالحه وصالح ابن عمه الدكتور طارق الزمر، وأصرت على استمرار حبسه.
28 عاما وعبود مازال داخل السجن رغم تأكيده انتهاء مدة سجنه
40 عاما هى المدة التى حكم عليه بها فى قضيتين عام 1981حسب ما تؤكده وزاره الداخلية.
1997 العام الذى أطلق فيه عبود مبادرة وقف العنف ومنذ هذا العام، كادت عمليات العنف تختفى تماما.
عبود الزمر يهاجم الرئيس السادات ويصفه بالخائن ويسخر من مغامرات صدام حسين لاحتلال الكويت





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة