حين يعثر الآباء والأمهات على ذكريات أبنائهم، هنا كراسة كانوا يكتبون فيها دروسهم، وهنا كتاب كانت الأم تلاحقهم على مذاكرته، وهنا شخبطة بأقلام الرصاص، وأخرى بال "فولومستر" الملون، هنا حكايات أمنا الغولة التى تخطف الأشقياء، هنا فى الركن كان يجلس طفلاً يتناول طعامه وتدلله أمه حتى لا يترك منه شيئاً، هنا فى الركن كان الابن يذاكر دروسه، وتغريه أمه بكوب شاى وسندوتش من صنعها، هنا.. وهنا الدكتور محمد عبد الحليم واحد ممن تطاردهم هذه الذكريات لكنه عثر على ما هو أشد إيلاماً، عثر على مذكرات كتبتها ابنته الكبرى آلاء الطالبة بالصف الأول الثانوى، وقصائد شعر لها، فى المذكرات تتحدث آلاء بأسلوب راق عن حياتها، وأمها وأبيها، لكن الملفت هو حديثها عن الموت خاصة فى آخر ما كتبته قبل كارثة العبارة، الدكتور محمد عبد الحليم الذى اختص اليوم السابع بنشر هذه المذكرات يحكى قصة عثوره على ما كتبته ابنته قائلاً: "بعد أكثر من عام على حادث العبارة تجرأت وفتحت درج مكتب حبيبتى آلاء يرحمها الله، فوجدت ما أذهلنى، ولم استطع النوم ليلتها، وجدتها رحمة الله عليها تكتب الشعر بالعربية والإنجليزية وهى عمرها 13 عاماً، وجدت مذكرة صغيرة مقفولة بقفل صغير، ولما كسرته وقرأت المذكرة ذهلت، كتبت مذكراتها قبل الحادث ببضعة شهور، وتدور كلها حول فكرة الموت، ما كتبته آلاء خير شاهد عليها.
دكتور محمد يضيف: هى ليست مذكرات بل هى مشاعر وخواطر كتبتها فى لحظة صدق مع النفس، كنت لا أريد نشرها، ولكن بعد تفكير ونصيحة من أصدقاء وجدت أن نشرها سيحقق بعض ما كانت تحلم به آلاء، آلاء كانت تحلم بالحق والحرية والسلام وعالم أفضل، وهى القيم التى ربيت أبنائى عليها يرحمهم الله، وذلك واضح من محاولاتها الشعرية ولم يكن عمرها تجاوز الثالثة عشرة من عمرها، آلاء تريد القول فى مذكراتها إذا أحببتم أحداً فعبروا عن مشاعركم ولا تكتموها.
آلاء محمد عبد الحليم تنبأت بموتها قبل سفرها من السعودية، وقبل ركوبها العبارة كتبت فى مذكراتها: "إن قرأتم هذه المذكرات بعد موتى سأكون فى حاجة إلى دعائكم، واليوم السابع ينفرد بنشر مذكرات آلاء، إلى التفاصيل..
سأكتب عن أحاسيسى ومشاعرى
لا أدرى لماذا قررت أن أقوم بتدوين مذكرات لى فى تلك المرحلة من حياتى، ولكنه لم يكن قراراً مفاجئاً ولم يأت إلا بعد تفكير فقط فى كل مرة أقرر أن أقوم بتدوينها ثم أعدل عن قرارى بدون سبب، وكنت كثيراً ما أقوم بكتابة بعض الأشياء فى أوراق منفردة وبعدها بفترة قد أتخلص منها أو أحتفظ بها. المهم أننى الآن قد قررت وبدأت فى التنفيذ لأنى أشعر أن تدوينها هام فى هذه المرحلة ولأننى سأكون سعيدة بها بعد فترة طويلة من الزمن لأننى أشعر بالسعادة عند قراءة الأوراق القديمة. لذلك فإن قيمة ما أكتبه لن أشعر به إلا بعد سنوات وقد يكون فيه ما يحزننى أو ما يفرحنى وربما ما يضحكنى ومن الممكن أن يتعلم الإنسان من أوراق الماضى.
ولكننى قررت ألا أكتب أحداث حياتى وما يحدث فيها مع الناس، بل سأكتب فيها أحاسيسى ومشاعرى وأترجم أفكارى على الورق لذلك فكتاباتى لها لن تكون بصفة منتظمة. فقط سأكتب حينما أشعر أنى أريد أن أكتب ولن تكون باللغة العربية لأننى أحياناً أشعر أنى لا أستطيع التعبير بالعربية وأحياناً أشعر أننى لا أستطيع التعبير بالإنجليزية.
وتلك الأحاسيس والمشاعر والأفكار التى سوف أقوم بتدوينها ستكون هى أصدق رؤية لى عن أيام حياتى بعد ذلك. وستكون الدليل الوحيد لى الذى سوف يذكرنى ويأخذنى فى رحلة معه إلى الماضى بعد سنوات طالبت أو قصرت وربما قام بقراءة تلك المذكرات أحد قبل أو بعد موتى، وعندها ربما يتضح للناس أشياء كثيرة لم يكونوا يعرفوها عنى، أشياء لم أستطع التعبير عنها بالكلام أو من خلال معاملتى مع الناس من حولى ويعرفون بعض الأفكار التى تراودنى وأحيانا لا أستطيع البوح بها.
الآن الساعة هى الثالثة والنصف بعد منتصف الليل من يوم 2/7/2005، حيث أكتب أول صفحات لى فى السعودية فى ثانى ليلة بعد عام طويل قضيناه فى مصر، كنت فيه فى الصف الثانى الثانوى.
أكتب تلك الصفحات لأننى أشعر بالكثير من الأحاسيس والمشاعر التى تنتابنى والتى قد تضيع وربما لن أتذكرها. لذا قررت كتابتها لأنها الطريقة الوحيدة التى سوف تذكرنى بها.
أكتب تلك المذكرات وأنا أعرف أننى سوف أتأثر بما فيها فيما بعد، على الرغم من أن ما فيها من أحاسيس لن يكون إلا تعبيراً عن لحظة غضب أو فرح أو حب.
لذلك لن يكون مقياساً وسأضع فى اعتبارى دائماً عند قراءتها أنها مبالغ فيها، ومن يدرى فمن الممكن فى لحظة فرح وسرور وبهجة وحب للحياة أن أقطع كل ما كتبته فى لحظة غضب.
والآن سأكتبها ولن أفكر فى أى نتائج لها بعد ذلك لأن ذلك من شأنه أن يجعلنى أعدل عن كتابتها مرة أخرى وهذا ما لا أريده بشدة، لأننى أرى أن الوقت ربما يكون قد تأخر كثيراً فى كتابتها، وأتمنى من الله أن يوفقنى وأن لا تسبب تلك المذكرات أى مشاكل لأى شخص وأتمنى إذا قام أحد بقراءتها ووجد أى شئ عن نفسه أو أننى قد أسأت له أن يضع فى اعتباره أنهار بما تكون قد كتبت كما قلت فى لحظة غضب، وأن لا يتضايق منى لأنه من يدرى قد يقرأها بعد موتى عندما أكون فى أمس الحاجة إلى دعاء كل الناس بالرحمة والمغفرة لى، وأود أن أشير إلى بعض الأشياء الأساسية وهى مدى حبى الكبير لعائلتى كلها ماما وبابا ونورهان وعبد الرحمن وفاطمة.
وإننى بكل صدق وإخلاص لا أتمنى لهم إلا كل الخير والسعادة حتى وأن ظهر غير ذلك منى، وإننى لا أستطيع الحياة لحظة واحدة بعدهم، وأقسم بالله أن حياتهم وسعادتهم عندى أغلى من كل شىء ولا تقدر بثمن. وإن كنت أعجز عن إظهار ذلك لهم، وإننى أخاف عليهم كثيراً وأقلق عليهم أشد القلق ولكن للأسف لا أستطيع التعبير لهم عما بداخلى.
أكتب وتلك المشاعر نحوهم فى لحظة اتزان نفسى تام. لذلك فهى الحقيقة المجردة لمشاعرى نحوهم. فأنا أعلم أنى قد أسيئ لهم ولو قليل عند كتابة تلك المذكرات فى حالة إذا كنت متضايقة قليلاً أو فى لحظة غضب، لذلك وددت الإشارة لذلك فى البداية حتى لا يظن أحد غير ذلك أثناء القراءة. فأنا على يقين تام بأنه ربما يأتى يوم ويطلع أحد عليها وإذا لم أكن موجودة فلن يكون هناك من يفسر الحقيقة أو يوضحها.
السعودية سرقت منى حاجات كثيرة
ياه فات أربع شهور منذ آخر مرة كتبت فيها. رجعنا من السعودية بقالنا كتير أكثر من شهر. الفترة اللى كانت فى السعودية مكنتش حاسة بأى حاجة كانت خالية من المشاعر من أى مشاعر سواء حب أو كراهية أو انفصال أو غيره أو أى أحساس عشان كده معرفتش أكتب فيها حاجة لأنى قررت أن أكتب مشاعرى من مواقفى.
يمكن كنت ساعات بضايق من ماما أو بابا فى السعودية يعنى مش للدرجة اللى تخلينى أكتب أو الدرجة اللى تحسسنى بكره أو حب شديد أو رغبة فى الكتابة.
المهم أحنا دلوقتى فى مصر بقالنا أكثر من شهر ورغم أنى كنت حاسة وأنا فى السعودية وأن لما هارجع مصر حياتى هتبقى مختلفة أو فيها نوع من الإثارة بدل الملل اللى كنت عايشة فيه فى السعودية. بابا تقريباً أنهى عقده فى السعودية، أحنا مش راجعين تانى. مش عارفة أفرح ولا أزعل. أأيده ولا أعارضة مع أن كل الناس فاكرة أنى كنت هكون أول المؤيدين لبابا فى قرار زى كده لأنى علطول كنت بحس أن السعودية سرقت منى حاجات كثير جداً مش هقدر أعوضها بعد ما كبرت ولكن لا أنكر أنها أعطتنا حاجات كثيرة أيضاً من ساعة ما جيت مصر وأن أيضاً حاسة أنى مازلت خالية من الأحاسيس.
الإحساس ده غريب وقاس ومؤلم يحسسك أنك ميت. إحساس أنك مش حاسس بحاجة. بقالى فترة كبيرة جداً مفيش حاجة بتفرحنى أوى أو تزعلنى جداً أو حتى تخلينى أبقى هموت من الضحك أو أكره حد جداً واتخنق منه لدرجة أنى حاسة إنى مش قادرة أكتب دلوقتى لأنى مش حاسة بحاجة أقدر أترجمها على الورق.
حتى أصحابى إسراء بالذات كنت أنا وهى السنة اللى فاتت لما نبقى مع بعض ممكن ننسى الدنيا ونقعد نتكلم خمس ست سبع ساعات. أنا أصل إسراء دى بحبها جداً هى وآيات وشيماء. الثلاثة دول هم أعز أعز أصدقائى مجرد وجودهم بيسعدنى.
دلوقتى مش عارفة أحياناً بحس إننا مش عارفين نتفاعل مع بعضنا زى الأول فيه حاجة بيعملوها بتضايقنى جداً إن هما بدأوا يبقى مش فارق معاهم مشاعر وأحاسيس أى أحد ودى حاجة طول عمرها مهمة جداً عندى. أنا مقدرش أغش حد لكنهم حسوا إن إحنا خلاص مش محتاجين لأحد من بره وأى حد مش من أصحابنا يتريقوا عليه ومش عاجبهم حد. مع أنهم أنفسهم فيهم عيوب كثيرة جداً وفيه ناس كتيرة بدأت تتضايق منهم. لكن الحمد لله أنا مش كده خالص.
أنا مش كده خالص. أنا الحمد لله كل الناس تقريباً بيحبونى لأنى أحترم كل الناس وبعرف أتعامل معاهم أزاى وأتمنى من الله أنهم ما يجرفونيش معاهم فى الموضوع ده وأحافظ على حب الناس لى وحبى لهم ومخليش حد يتضايق منى، أما أنا بقى فأنا حاسة إن أنا بأتغير جداً فى الشخصية. طبعاً حاسة أن شخصيتى بتتطور وكل أصحابى لاحظوا أن أنا إتغيرت، وثقتى بنفسى زادت جداً (هى أصلاً زايدة) لدرجة أن نورهان فاكرة الثقة دى غرور. لكن أنا شايفة أنها ثقة زيادة شوية يعنى فى محلها لأن مش عيب لما حد يكون زكى مثلاُ يقول على نفسه زكى. حاجة تانية بقيت بعبر عن نفسى أحسن من الأول بكثير وبعرف أقول اللى جوايا من غير ما أزعل حد لأن قبل كده كنت أحياناً مبعبرش كويس علشان ما حدش يزعل منى لكن دلوقتى إتغيرت.
أيضاً طريقة معاملتى مع الناس اللى أكبر منى إتغيرت جداً وأصبحت أحلى وأجمل وأكثر اجتماعية. وأتمنى أن أستمر فى التطور ده لغاية ما أوصل للمثالية (من وجهة نظرى) فى كل شىء بإذن الله.
اليوم السابع ينشر مذكرات آلاء محمد عبد الحليم إحدى ضحايا العبارة "السلام98"
الثلاثاء، 10 فبراير 2009 11:32 ص
آلاء تنبأت بموتها قبل سفرها من السعودية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة