رغم انزعاج جميع المصريين لما حدث فى مباراة مصر والجزائر الأخيرة من تجاوزات فى حق الجماهير المصرية والإهانات التى تعرضوا لها من قبل المشجعين الجزائريين إلا أننى لم أتعجب ولو للحظة واحدة رغم كل ما حدث، حيث إننى وجدت أن الأمر فى غاية المنطقية، فهل هذا الأمر جديد علينا فلطالما ما أهين المصريون فى بلادهم قبل أن يهانوا فى بلدٍ آخر ابتداءً من عدم الحق فى اختيار حكامنا وتعذيب المواطنين فى السجون من قبل رجال الشرطة الذين هم من المفروض أن يسهروا لحمايتنا، وكذلك عدم القدرة على التعبير عن آرائنا وأفكارنا واتجاهاتنا بحرية انتهاءً بدفع الرشاوى لأقل موظفى الدولة شئناً لقضاء مصالحنا ونيل حقوقنا وتجرع الإهانات حتى من سائقى الميكروباصات والتكاتك والمواصلات العامة ومن أدنى فئات المجتمع مكانةً وقيمة حتى أننا صرنا "ملطشة للجميع" وكأن أكبر ذنوبنا أننا خلقنا مصريين فمنذ القدم ونحن مستعبدون من فرعون واحد والغريبة أننا نفخر.
بأننا فراعنة فمن هذا المغفل الذى أخبرنا بأننا فراعنة لقد كان هناك فرعون واحد دائماً، وفى مقابل ذلك كان هناك آلاف وآلاف من المستعبدين فكيف نطلق على أنفسنا لقب فراعنة لوجود فرعون واحد ونتجاهل الآلاف من أجدادنا الذين عانوا من نير الاستعباد لقرون مديدة لم تنقض بعد، ويبدو أنها لن تنقضى أبداً، وذلك لأن دماء الاستعباد صارت تسرى فى عروقنا بدلاً من دماء الكرامة والحرية حتى صرنا نعشق الاستعباد ونستلذ به بل ونقدسه فى أحيان كثيرة بل وصل الحال إلى تأليه الحكام مع اختلاف مفهومه بين الماضى والحاضر وتقديم القرابين لهم لنيل رضاهم حتى صار هذا الاستعباد ليس من حكامنا فحسب بل حتى من أقل فئات المجتمع حينما تتاح لها الفرصة لامتهان كرامة الآخرين.
وأظن هذه الكيمياء التى قد أصبحت متبادلة بين الحكام المتجبرين والمواطنين الخانعين تحتاج إلى عقود من الإصلاح لفك طلاسمها والتخلص من لعنتها التى قد أحدقت حلقاتها على جموع لشعب بمختلف طبقاته وبصور متباينة إلا من رحم ربى ويظل الأمل معقودا على هذه القلة لهدم تلك الأوثان والصروح التى قد شيدت عبر قرون مديدة على أنقاض شعب جريح.
... أذكر أننى منذ عدة أيام كنت مستقلاً إحدى المواصلات العامة ولست فى حاجة أن أشرح لكم سلوك سائقى الميكروباصات والذين قد صاروا فراعنة على ممالكهم الصغيرة وقد صاروا ينهرون هذا الشعب المستهان ولا أقول المسكين ... المهم أن هذا السائق قد قاد بنا بسرعة جنونية عرضت حياتنا كلنا للخطر وكثيراً ما يحدث هذا وكل مصرى يعلم ذلك جيداً فهذا الأمر ليس بغريب ولكن العجيب فى الأمر أننى وجدت الركاب فى حالة هستيرية من الضحك الممزوج بالبله وروح الاستعباد التى صارت جزءا من حياة المصرى والتى توارثها عبر القرون وأخذوا فى مداعبة السائق وإطلاق النكات وأنا أنظر إليهم حيناً بعين الاستعجاب وحيناً أخرى بعين الازدراء ألهذا الحد سكن الذل فى قلوبهم!!!!؟؟؟
الشىء الملفت للنظر أننى أجد كثيرا من الكتاب يسمى ذلك بخفة الظل والتكيف مع الواقع والتعايش معه لأبعد حد وهذا تفسير ساذج وغير مقنع بشتى الطرق، وذلك لأن سياسة الرضا والتسليم بالأمر الواقع ما كانت أبدا سلوك أى شعب حر يبحث عن حياة كريمة وإنما هى سياسة العبيد الذين لا حول لهم ولا قوة لذا فهم يجدون فى هذه السياسة إرضاءً لأنفسهم الذليلة ومبرراً لسكوتهم عما يلقون من مهانة.
... المهم أننى طوال الطريق كنت أشتعل غيظا من جموع الركاب ومن هذا الفرعون الأحمق ولم يكن بوسعى أن أنهره عما يفعل، فقد كنت فى آخر الميكروباص ولم أستطع أن أتحدث معه وما أن وصلت إلى محطتى التى أريد أن أنزل بها حتى توجهت إلى مقعد السائق فى مقدمة الميكروباص لأصب عليه جم غضبى وقد فوجئت أنه فتى صغير لا يتحاوز عمره الـ22 عاماً، وقد وجد من هؤلاء الدمى متعة له أثناء قيادته لهذا الميكروباص الحقير انطلقت صارخاً فيه بأعلى صوتى "أيه اللى أنت بتنيله ده أحنا حيوانات معاك أرواحنا ملهاش قيمة عندك.........."
وسلسلة من الصرخات التى لم أعرف كيف أنطق بها وكأننى أرى صورة مصغرة للحاكم المستبد تتجسد أمامى فى هذا السائق الأحمق وبالطبع لم يستمر صمته طويلا حاول أن يهدأنى فلم يستطع إلى أن نفذ صبره ولم أسلم بالطبع من لسانه المهم أن الأمر الذى أثار جنونى وجعلنى "أبصم بالعشرة" أنه مفيش فايدة فى هذا الشعب أن أحداً من الركاب لم ينطق ببنت شفة وكأننى كنت وحيدا فى هذا الميكروباص وكأننى أنا الوحيد الذى تعرضت حياته للخطر وقد أخذ الركاب ينظرون إلى باستعجاب على إثارة المشاكل معه وعلى أطراف ألسنتهم كلمات ما استطاعت أن تخرج ربما منعها فضل من حياء لوجودى ولكن عيونهم كانت تنطق بها مثل "أنت هتعملى روحك زعيم أو مفيناش دماغ للزيطة دى أو عايزين نشوف مصالحنا مش
فاضيين..............."
انطلقت إلى منزلى أسب وألعن هذا السائق الحقير وهذا الشعب المستكين وهذا الوطن المخادع وانطلق هو معربداً فى مملكته الصغيرة مستلذا ومستمتعا بصمت عبيده واستسلامهم لجبروته وكأن هذا الميكروباص هو مصر تانية وعلى لسانى تتردد قصيدة أحمد فؤاد نجم عشان أنت مصرى
عشان أنت مصرى لازم تعانى
وتفقد كرامتك بكل المعانى
وتحرق فى دمك سنين مش ثوانى
وأوعى تصدق كلام الأغانى
بتاع الحضارة وكانى ومانى
ده كله هجايص مايدخل ودانى
عشان أنت مصرى وده للأسف
فلازم تآسى تعيش تتقرف
وكل الأساسى فى حياتك ترف
فتنسى الكرامة وتنسى الشرف
وتسرق وتنصب أو تنحرف
ودمعك بيجرى وجرحك نزف
مش أنت اللى مصرى؟؟؟
حازم محمد خالد يكتب.. عشان أنت مصرى أتحمل بقى
الأربعاء، 09 ديسمبر 2009 02:18 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة