هل يكره العرب مصر ؟، طرحت السؤال في الأيام الماضية ، لم يكن السؤال مطروحا حتي المرحلة التالية لحرب أكتوبر العظيمة عام 1973 ، والتي شهدت أعظم صور التضامن العربي ، وكان استخدام سلاح وقف تصدير البترول العربي الي الدول الغربية التي تساند إسرائيل هو التعبير الأبرز عن هذا التضامن ، وتم إدارة هذا الموقف في مشهد لا يتحمل غير معني وحيد وهو " حب العرب لمصر "، وبعيدا عما يردده اعلامنا عن التضحيات التي قدمتها مصر، فانه إذا كنا نتحدث بوصف مصر الدولة الكبري في المنطقة ، فمن الطبيعي القول ان الدولة الكبري في أي إقليم لابد ان تتحمل مسؤليتها ، أما إذا ارتضت هذه الدولة ان تكون مثل الآخرين ، وتتنازل عن كونها دولة كبري في إقليمها ، فعليها ان ترضي أن يتعامل معها الآخرون وفقا لقاعدة أنها دولة عادية .
لم تكن مصر حتي حرب أكتوبر دولة عادية ، ولم يعرف المصريون وقتها ثقافة الهجرة للعمل في الخارج ، لأسباب متنوعة من بينها أن حضارة مصر التي قامت علي النيل عرفت الاستقرار أكثر من الهجرة والشتات ، أضف الي ذلك ، انه لم تكن هناك بطالة ، ولم يكن هناك حلم الثراء السريع الذي طارد الجميع فيما بعد .
بعد حرب أكتوبر حدثت أكبر عملية سفر لمصريين الي الدول العربية الغنية ، وهي الدول الخليجية والعراق وليبيا ، بالاضافة الي الأردن التي تعد بكل المقاييس الأفقر بين هؤلاء ، ورغم ذلك كانت سوقا حيوية للعمالة المصرية منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي .
في مشاوير سفر المصريين وعودتهم ، منذ منتصف السبعينات والتي تخللها توقيع الرئيس السادات لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل ، بدأنا نسمع ولأول مرة تعبيرات من نوع "العرب مبيحبوش مصر "، واختلفت حدة التعبير طبقا لطبيعة الدولة التي تذهب اليها العمالة المصرية .
فالعمالة العائدة من الأردن عاد بعضها وفي اعتقادهم ان الفلسطينيين يكرهون مصر ، واستحضر من ردد هذا الاعتقاد قصصا من هنا وهناك عما فعله فلسطينيون معه أثناء العمل في الأردن ، للتدليل علي أنهم بالفعل لا يحبون مصر، ومع الأخذ في الاعتبار أن هذه مشاعر إنسانية تظل ملك صاحبها وربما يكون فيها مبالغات ،إلا أنه لا يمكن تجاهلها خاصة ان البعض كان يزيد عليها حكايات مغلوطة عن ان الفلسطينيين باعوا أرضهم لإسرائيل ، وأذكر أنني كنت في قريتي أدخل في مناقشات واسعة مع ممن يرددون ذلك ، لكني كنت ألحظ ان هناك عامل نفسي عند هؤلاء لا يرغبون في الزحزحة عنه .
أما في منطقة الخليج ، فهي استقبلت العمالة المصرية طبقا لقوانينها الخاصة باتباع نظام الكفيل ، ومن دولة خليجية الي أخري كانت تتبدل المشاعر ، فالمسافر الي الامارات والبحرين وعمان والكويت يعود برأي أن هؤلاء يحبون مصر ، أما المسافر الي السعودية فيضع علي أجندته أملا كبيرا يسعي الي تحقيقه وهو قضاء فريضة الحج ، وعودته لا يشملها غالبا التفكير فيما إذا كان السعوديون يحبون أو يكرهون مصر، فالمهم عند ه هو حج بيت الله با لاضافة الي حصيلة المال التي عاد بها .
يتبقي في هذا الرصد العراق وليبيا ، فالعراق منذ السبعينات وحتي عام 1990 كانت هي الوعاء الأكبر الذي تعيش فيه العمالة المصرية ، وفي كل قرية مصرية عشرات البيوت التي تم تشييدها بأموال عراقية ، وفي الاجمال لم تعود هذه العمالة الي مصر ، وفي حلوقها مرارة نحو العراق ، بل الكل كان يذكر ان التعامل معه في العراق كان يتم بوصفه مواطنا عراقيا شأنه شأن المواطن العراقي الحقيقي ، أما في ليبيا فا لأمر لم يختلف كثيرا فالعمالة العائدة لا تتحدث عما إذا كان الليبيون يحبون مصر أو يكرهونها لسبب بسيط ، وهو ان الليبيين يحبون بالفعل مصر لأسباب الجوار والمصاهرة وغيرها .
الخلفية السابقة تقودنا إلي أن العمالة المصرية التي بدأت في السفر الي الدول العربية منذ منتصف السبعينات ، وتتواصل حتي الآن تعود بمشاعر ليست واحدة ، ولأن هذه العمالة غير منظمة في هذه الدول بمعني أنه لا توجد لها روابط وتجمعات حمائية ، فإن كل فرد يعود بخبرته الخاصة ، فمن تعذب في عمله سيعود لاعنا البلد التي كان فيها ، ومعتبرا أنها أم الكارهين لمصر ، ومن وجد أن الأمور تسير بسهولة ويسر فسيري انها بلده الثاني.
وفي الحالتين تبقي التقلبات السياسية بين النظم الحاكمة هي الإطار العام الذي يدور فيه كل ذلك ، ولأن دولنا العربية بما فيها مصر لا تعرف الممارسة الديمقراطية السليمة ولا تعرف تداول السلطة ، فإن هذه النظم تتعامل علي أن الخلاف فيما بينها هو خلاف بين الشعوب أيضا ، والاتفاق فيما بينها يعني اتفاق بين الشعوب ، وتلك النظرة المتخلفة هي التي تصنع الكثير من المآسي ، التي تكبر في ظل عدم وجود مشروع قومي عربي يتم الالتفاف حوله ، هذا الغياب الذي يتمدد ، فلا يقف عند سؤال :"هل يكره العرب مصر" ؟ ، وإنما :" هل يحب العرب بعضهم البعض ؟"
أخبار متعلقة..
هل يكره العرب مصر ؟
هل نحن قادرون على خسارة العرب؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة