هل قررت الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين التغيير فعلا.. عندما ستجرى انتخابات الإعادة الأحد القادم على منصب النقيب بين الأستاذين مكرم محمد أحمد وضياء رشوان.. ماجرى فى انتخابات الأحد لم يكن تعبيرا عن رغبة الصحفيين فى انتخاب مرشح المعارضة على حساب مرشح الحكومة.. فمكرم (مع حفظ الألقاب) ليس مرشح الحكومة كما أن ضياء (مع حفظ الألقاب) ليس أيضا مرشح المعارضة.. فى تقديرى أن نتائج الأحد الماضى كانت كاشفة عن تغيير- أظنه كبيرا- قد جرى فى تركيبة الجمعية العمومية خلال السنوات الماضية.. تغيير كان له تأثيره فى النتيجة على النحو الذى انتهت إليه من تقليص فوز مكرم وزيادة فرص ضياء..
هذا التغيير وملاحظات حول ما جرى يمكن إيجازه فيما يلى:
1- نسبة كبيرة من أعضاء الجمعية العمومية الآن من الشباب ودون الخامسة والثلاثين.. وبالتالى كانوا أكثر ميلا بتركيبتهم العمرية- إضافة إلى عناصر أخرى مرجحة- إلى المرشح الأقرب عمريا لهم وهو ضياء رشوان مقارنة بمكرم الذى تجاوز السبعين.
2- غالبية أعضاء النقابة خلال الأعوام الأخيرة من الصحف المستقلة والمعارضة.. وهؤلاء بتركيبتهم المزاجية والمهنية يميلون إلى منح أصواتهم للمرشح الذى يصف نفسه بالمستقل أو المعارض.. ويزداد تأثير أصوات هؤلاء مع تراجع كتلة التصويت التقليدية عن الحضور يوم الانتخابات..لأن أغلبية تصويت الكتلة الأخيرة تذهب إلى المرشح المدعوم من الصحف القومية.. وفى انتخابات الأحد الماضى اكتمل النصاب القانونى قبل انتهاء موعد التصويت بنصف ساعة.. بسبب غياب صحفيى المؤسسات القومية..وأعتقد أن مكرم سيراعى حشد الفئة الأخيرة فى انتخابات الإعادة.
3- لم يعط مكرم أهمية كبرى لحجم المتغيرات الحاصلة فى الساحة الصحفية من ظهور الصحف الإليكترونية والمواقع الصحفية والمدونات التى يحررها صحفيون.. والتى كانت داعمة لضياء.. رغم زيارة مكرم لبعض منها.. ويكفى للدلالة هنا على تأثيرها ما نشروه إلكترونيا صبيحة الانتخابات عن قيام مكرم باستدعاء أمن الدولة للنقابة لطرد صحفيى جريدة الشعب المعتصمين.. ولم يكن الخبر صحيحا لكنه نجح فى خصم أصوات كانت ستذهب لمكرم الذى سارع إلى نفى الخبر وتوضيحه على موقع اليوم السابع.
4-الإعادة هى تعادل بطعم الفوز بالنسبة لضياء رشوان ولجبهته التى لم تتوقع تلك النتيجة.. رغم التخطيط الجيد لحملة ضياء الانتخابية وزيارته أماكن مؤثرة لكنها مهملة.. مع دعم تيارات ناصرية ودينية وقومية ومستقلة.
5- من الأخطاء التى وقع فيها ضياء وجعلته يخسر عددا من الأصوات كان بإمكانها حسم المعركة لصالحه..هو انتقاداته وتشكيكه لمشروع مدينة الصحفيين بأكتوبر والذى أعلن عنه مكرم قبيل الانتخابات.. حيث ذهبت أصوات الحاجزين فى المشروع لمن رأوا فى نجاحه ضمانة لتنفيذ المشروع أى إلى مكرم.
6- يتمتع مكرم بقوة الشخصية داخل مجلس النقابة كما أنه مارس العمل النقابى أكثر من دورة.. بينما منافسه لم يختبر بعد.. لذا يخشى البعض أن تغلب على ضياء طبيعته كباحث فيسعى إلى تسييس مواقفه النقابية.. والخوف من تحويل منصب النقيب إلى عضو مجلس بحكم التركيبات الحاكمة داخل المجلس.
7- على الجانب الآخر فإن عددا كبيرا من أعضاء النقابة والمنتمين إلى جيل الوسط يشعرون بالحاجة إلى التغيير.. وإلى دفع أحدهم إلى كرسى النقيب وهذا ما جرى فعلا بعد حصار منصب النقيب خلال السنوات العشرين الماضية بين الأستاذين إبراهيم نافع ومكرم محمد أحمد (باستثناء دورتى الأستاذ جلال عارف).. مما خلف شعورا متناميا بين غالبية أعضاء الجمعية العمومية بالملل والرغبة فى التغيير.. مما يجعلنا نظن معه أن ليس كل الأصوات التى ذهبت إلى ضياء كانت لشخصه بل تعبيرا عن رغبة فى التغيير.
8- أخطأ مكرم فى برنامجه الانتخابى وفى جولاته داخل المؤسسات الصحفية عندما قال غير مرة إن مستقبله وراءه وتاريخه خلفه.. وإذا كان ذلك كذلك فما الإغراء فى تلك الكلمات لناخبين فى عمر أولاده.. أمامهم فرصة اختيار مرشح آخر يرون أن مستقبله وتاريخه أمامه ولديه الرغبة فى إنجاز الكثير لاسمه مقارنة بمكرم.
9- برنامج كلا المرشحين لم يتطرق إلى آليات تنفيذ حقيقية وواقعية.. فما أحلى الكلام.. لم نر جديدا مبتكرا فى البرامج.. بل تشعر أنه كلام مكرر ومعاد سمعته طوال السنوات العشرين الماضية.. لاابتكار فى الأفكار أو الصياغة.. كأن جميع المرشحين على منصب النقيب قد نقلوا برامجهم من معين واحد أو كتاب واحد.. لذا غاب البرنامج المتكامل بآليات وتوقيتات محددة للتنفيذ.
بقيت ملحوظة أخيرة هنا تتعلق بالأستاذ مكرم.. فعندما نتحدث عن ترشيحه لمقعد النقيب فإننا نفصل تماما بين مكانته الكبيرة والبارزة كقامة صحفية شامخة وأستاذ لأجيال متعددة من الصحفيين.. وبين مكرم المرشح لمنصب النقيب والذى يحق لأعضاء الجمعية العمومية تناول خطواته وأدائه وبرنامجه بالنقد والتحليل.
ويكفى مكرم هنا أنه أحد رؤساء تحرير الصحف القومية القلائل الذين لم يفسدوا ولم يتربحوا من مناصبهم..فى وقت كان الفساد الصحفى فيه قد وصل الرقاب وكان غير الفاسد هو النغمة النشاز.. فإذا كان من تحية للأستاذ الكبير هنا على تاريخه المهنى (وليس النقابى) فهذا حقه.. لكن كنا نرجو منه الاحتكام إلى صوت العقل وعدم الاستجابة لمن دفعوه إلى خوض الانتخابات الحالية.. التى جرى فى جمعيتها العمومية الكثير الذى لم يكن مدركا له.. لكن قد يكون الآوان قد فات عن التراجع.
ظنى أن الجمعية العمومية قد افتقدت فى تلك الانتخابات إلى البديل الذى يعرف كثيرا عن الجمعية العمومية وحاجتها الحقيقية ويعيد للمنصب هيبته.. وإلى أن تجد الجمعية العمومية ضالتها عليها الاختيار بين مرشح يرى تاريخه ومستقبله وراءه وآخر يرى أن بداية خدمة الصحفيين من منصب النقيب وليس من العضوية.. لكن الأهم أن نعرف أن تلك الانتخابات ليست بين مرشح حكومى وآخر مستقل فهذا هو الوهم بعينه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة