انتخابات أخرى ساخنة تلك التى جرت فى نقابة الصحفيين أمس. تضاف إلى جولات جرت خلال ست سنوات. بعضها أسفرت عن اختيار مجلس ونقيب للصحفيين. وبعضها لاختيار نقيب فقط. خلال ثلاث دورات على الأقل، كانت التدخلات الرسمية والحزبية والأمنية أقل كثيرا من السابق، وهى سمة فى انتخابات النقابات الأخيرة والمحامين والصحفيين، لكن التدخلات الرسمية والحزبية كانت موجودة، مثل الماضى القريب، عندما كانت الرشاوى الانتخابية على أشدها، وتصل إلى حد دفع أموال، وتقديم مكاسب وأوراق للمرشح الرسمى.
ظلت المناصب طوال فترة محجوزة لمرشح الحكومة، بانتخابات شكلا، وشراء فى الموضوع، لكن الأحوال تغيرت ولم تعد الإغراءات والمكاسب بيد المرشح ضخمة، وفى حالة الصحفيين انخفضت قيمة الأموال التى تضاف إلى بدل التدريب أو غيرها.كما أن الإغراءات فى الإسكان تقلصت، وحتى مشروع الإسكان المطروح من الأستاذ مكرم محمد أحمد هو مشروع تعاونى، وليس شققا تقدم على سبيل الهبة، أو بأسعار منخفضة، ولهذا ثار الجدل حول المشروع وما يزال.
الانتخابات التى جرت أمس على منصب النقيب بين المرشح المخضرم الأستاذ مكرم محمد أحمد ومرشح تيار الشباب والتغيير ضياء رشوان، جرت ساخنة كسابقاتها. وأكدت انتهاء عصر فوز مرشح بالتزكية، أو بفوارق ضخمة. وهو أمر يشعر كل صحفى أن صوته له قيمة، وأن صوتا واحد يمكن أن تكون له قدرة على التغيير.
الانتخابات كشفت أيضا أن الجمعية العمومية اتسعت وتنوعت، ولم تعد أوراق الحسم فى الصحف القومية فقط، بل إن هذه الصحف الحكومية لم يعد صحفيوها يدلون بأصواتهم حشودا، لم تعد التعليمات تجدى، وانتهى التأثير الكاسح لرؤساء المؤسسات والتحرير. وانتهى عهد التعليمات المعلبة التى كانت تنقل نتائج الانتخابات فى نقابة الصحفيين وتجعلها مضمونة لمرشح بعينه، ينجح حتى ولو كانت رغبة الأغلبية عكس ذلك.
النتائج التى أسفرت عنها انتخابات أمس وتعادل فيها تقريبا المرشحان مكرم محمد أحمد وضياء رشون، تكشف عن ارتفاع درجات الوعى لدى الجمعية العمومية، وكلا الفريقين ـ الذين صوتوا لمكرم محمد أحمد أو لضياء ـ لديه الوعى بطريقة تختلف عن الآخر، لكن التصويت بالرغم من الحشد والتاثير يشير إلى تحول فى درجة الوعى العام بنقابة الصحفيين، وهو وعى أسفر عن نتائج تكشف صعوبة فوز أحد المرشحين بالضربة القاضية، ومن أول مرحلة مثلما كان يجرى حتى وقت قريب.
صحيح أن مكرم محمد أحمد ترشح دون أن تكون وراءه مؤسسة، لكنه يستند إلى بعض سلطته السابقة كرئيس مؤسسة حكومية، بالإضافة لمهنيته التى تكسبه احتراما وسط المهنيين، كما أنه حظى بدعم علنى لأغلب رؤساء تحرير الصحف والمجلات القومية الذين دعموه علنا، لكن أى منهم لم يستطع أن يجبر صحفيى مطبوعته على تبنى وجهة نظره. وهو أمر يختلف عن السابق. ويكشف عن أن التحولات المهنية فى الوسط الصحفى انعكست فى قوة سلطات رؤساء التحرير.
فى المقابل فإن ضياء رشون بالرغم من أنه ينتمى المؤسسة حكومية فإنه غير محسوب على المرشحين الرسميين، ويصنف أحيانا كصاحب رأى يخالف الاتجاهات الرسمية، ثم إنه لم يرشح نفسه على برنامج خدمى يقدم فيه وعودا مالية أو دعما من الحكومة، وإنما طرح برنامجا مهنيا ونقابيا، حرص فيه على استبعاد التحزب، مثلما جرى مع شخصيات مثل جلال عارف فى الصحفيين أو سامح عاشور فى فترتى انتخابه الأوليين بنقابة المحامين، لأن وعى المعارضة والرفض للمرشح الرسمى داخل النقابات المهنية يرفض التحزب الذى يهدد النقابات بالتفكك والحراسة حتى عندما أراد خصوم سامح عاشور أن يتهموه، فقد أعلنوا أنه مرشح مدعوم من الحزب الوطنى، وهو اتهام أضره انتخابيا.
من أبرز مؤشرات انتخابات الصحفيين أن مرشحا للمرة الأولى على منصب النقيب، نافس منافسا مخضرما ذا خبرات انتخابية ومهنية كبيرة، بالرغم من قصر مدة الدعاية الانتخابية، وعناصر كثيرة تبقت من الماصى.
ويكشف ارتفاع نسبة المشاركة فى انتخابات نقابة الصحفيين، وفى انتخابات نقابات مثل المحامين، عن مفارقة ربما تشخص أسباب انصراف الجمهور عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية وغيرها. وهو موضوع آخر ، لكن لاشك أن الانتخابات فى نقابة الصحفيين كشفت عن تغيير فى شكل ووعى الجمعية العمومية، ربما كان مفيدا ومؤثرا فى شكل المستقبل، كما يكشف عن نقاط إيجابية، تصب فى نصف الكوب الفارغ.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة