لعل من أهم أسباب الأزمة التى نشبت بين مصر والجزائر مؤخرا الإعلام الغير مسئول فى كلا البلدين حيث يتحمل جزء كبير من مسئولية ما حدث نظرا لافتقاده لأدنى قواعد المهنية والأخلاقية فى عملية تحريض الجماهير دون حساب التبعات ربما كان ذلك بأوامر رسمية عليا إلا أنه يبقى مسئولا ويتوجب علينا محاسبته.
أفهم أن وظيفة الإعلام تتلخص فى التوعية والتثقيف لا التحريض والتغييب فعندما تحدث أزمة وتتفاقم بهذا الشكل نتيجة الإعلام فلابد من وقفة ومحاسبة.
وقد طرح كثير من مثقفينا فكرة إلغاء الإعلام الرسمى أو الحكومى الذى يقوم بفرض الوصاية الفكرية ويعرض الرأى دون الرأى الآخر ويفرض علينا فكرا معينا ويقوم بدور غسيل للمخ المصرى المغيب تماما عن الأحداث وهى فكرة جيدة وتحتاج إلى نقاش إلا أنها غير قابلة للتطبيق فى مصر فى ظل عدم الديمقراطية وعدم الشفافية التى عودنا عليها النظام الحاكم وينتج عن هذه الفكرة عدة أسئلة هل للإعلام الرسمى من فائدة؟ وهل نلغى الإعلام الرسمى تماما أم يتم تحييده بحيث يعرض الرأى والرأى الآخر؟
أرى أنه من غير الممكن إلغاء الإعلام الرسمى الذى يعتمد عليه النظام الحاكم بشكل أساسى فى توجيه ما يريد أن يبثه من أفكار وفى تشكيل عقول الناس بالإضافة إلى أن هناك فائدة قد تجنى من الإعلام الرسمى وهى معرفة الموقف الرسمى للدولة والتوجه الحكومى إلا أن خطورة الإعلام الرسمى تكمن فى عدم الشفافية وعرض الرأى الأوحد.
أذكر فى مارس الماضى حلت ذكرى مرور ثلاثين عاما على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية كنت أتابع برنامجا حواريا على قناة الجزيرة بهذه المناسبة كان مستضيفا لمفكر سياسى ناصرى ضد معاهدة السلام وآخر من أقطاب النظام يؤيد ويدافع عن معاهدة السلام تم عرض رأى كل منهما بمنتهى الحيادية والتجرد وبات أمام المشاهد حرية الاختيار والاقتناع برأى أى منهما، وفى نفس اليوم شاهدت برنامجا آخر على التليفزيون المصرى يقدمه أحد أقطاب النظام مستضيفا لمفكر سياسى من جامعة القاهرة كلاهما مع معاهدة السلام، قلت لنفسى هذا هو الفارق ما بين الإعلام الحكومى-التليفزيون المصرى- وغير الحكومى فالإعلام الرسمى لا يقبل ولا يتحمل سوى الصوت الواحد صوته هو.
وأستدرك فأقول إن قناة الجزيرة- والتى يتم بثها من قطر- لم تسلم هى الأخرى من التحيز حيث تخلت عن شعار الرأى والرأى الآخر مثلما رأينا فى أزمة غزة العام الماضى هجوما مكثفا وموجها ضد مصر لتشويه سمعة مصر بالخارج وصاحب ذلك أيضا تركيز إعلامى من قناة الجزيرة على النقاط والبؤر السوداء فى مصر من فقر وفساد وخلافه.
وفى أزمة الجزائر الأخيرة ساءنى رد فعل قناة الجزيرة إذ لم تشر لا من قريب ولا من بعيد للاعتداءات التى تعرض لها المصريون على يد الجزائريين فى السودان والجزائر فى حين أنها أذاعت ما حدث من اعتداء على أتوبيس الفريق الجزائرى بالقاهرة وكانت قناة بى بى سى اللندنية أكثر مصداقية منها إذ عرضت الأحداث التى وقعت بمنتهى الحيادية والتجرد.
يأتى ذلك فى حلقة ضمن مسلسل قذر للإساءة لسمعة مصر بالخارج وشحن الرأى العام العربى ضدها بهدف تقليص دور مصر وانتزاع الزعامة منها فى المنطقة لصالح بلدة قطر وقد كرست قطر لهذا الغرض كامل إمكاناتها وطاقاتها الإعلامية الضخمة مما قلل بشكل كبير من مصداقية قناة الجزيرة لدى الرأى العام المصرى.
أضرب مثالا آخر أثناء أزمة غزة العام الماضى كانت جدتى تتابع الأزمة بشغف مثلها فى ذلك مثل ملايين العرب ومن سوء حظها لا تمتلك "قمر صناعى" وبالتالى حرمت من الفضائيات وليس أمامها سوى الإعلام الحكومى الذى يعرض بدوره الرأى الواحد وبطبيعة الحال تم غسيل مخ جدتى أذكر أنها كانت تدافع بشدة عن النظام الحاكم وتهاجم حماس والإخوة الأشقاء العرب الذين يزايدون على مصر بعنف وقسوة أخبرتها آنذاك أن للحقيقة أكثر من وجه وحاولت إقناعها بأنه قد تم غسيل مخها ولم ولن تقتنع.
حتى الديمقراطية الأمريكية ليست خالصة تماما الإعلام الأمريكى والدولة تتحكم بالكامل فى الصحف والإعلام وليس أدل على ذلك من الحملة التى شنها الرئيس السابق جورج بوش على العرب والمسلمين بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر وسخر من أجلها كافة وسائل الإعلام والشعب الأمريكى بدوره تأثر بما يسمع ويرى ويتبع سياسة القطيع وعندما جاء الرئيس أوباما إلى سدة الحكم ومد يده إلى العالم الإسلامى تغيرت بالتالى النغمة فى وسائل الإعلام الأمريكية تجاه العرب والمسلمين وبدأنا نسمع لأول مرة نقدا للسياسة الإسرائيلية والشعب الأمريكى بالتالى تأثر هو الآخر وبدأ يغير من نظرته للعرب والإسلام ولا أنكر وجود معارضة أمريكية تتمثل فى الجمهوريين واللوبى اليهودى إلا أنها لا تمنع ما ذكرته من سياسة عامة تنتهجها الولايات المتحدة_سياسة القطيع- وأخلص من هذا إلى أن الديمقراطية الأمريكية فيها نظر.
وفى النهاية أرى أن خير الأمور تحييد الإعلام الحكومى وإفساح مساحة أكبر من الديمقراطية والشفافية وأن يتم عرض الرأى والرأى الآخر لإثراء الحوار وحتى يتسنى للقارىء أو المشاهد الاطلاع على مختلف الآراء والتوجهات ويبقى فى يده حرية الاختيار والاقتناع.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة