محمد الدسوقى رشدى

متى يتخلى المصريون عن الرئيس مبارك؟

الأحد، 06 ديسمبر 2009 12:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أستمتع أبدا بالمشاركة فى تلك الحدوتة العبثية الخاصة بالبحث عن أسماء ترشح نفسها لإنتخابات رئاسة الجمهورية، لأن الجواب بيبان من عنوانه كما علمونا وإحنا صغيرين، وكل الجوابات المطروحة بخلاف أنها وصلت متأخرة مازالت سطورها غامضة وغير واضحة، لذلك أستمتع كثيرا بإقناع نفسى بالمنطق وطبقا للوقائع إن أوان رحيل هذا النظام لم يحن بعد، وأن المواطن المصرى مضطر لأن يستكمل رحلته وعلاقته بهذا النظام لفترة لا يعلم مداها إلا الله، والعقول المصرية إذا فكرت وخططت بجد وليس على سبيل التهريج.

هذه العلاقة المجبرون نحن على استكمالها لفترة رئاسية قادمة، هى علاقة تطورت بتطور الزمن الذى طال كثيرا منذ أصبح النائب محمد حسنى مبارك رئيسا لجمهورية مصر العربية وحتى الآن، وتنوعت لتمر بثلاث مراحل كل مرحلة فيهم تأثرت بشكل كبير بالتركيبة النفسية والتاريخية للشعب المصرى الذى صنفه أطباء علم النفس والاجتماع كواحد من أهم المجتمعات الأبوية التى تبحث دائما عن كبير يقودها حتى ولو بالضرب،كما تأثرت أيضا بمدى تدخل الرئيس ونخبته فى مجريات الأمور داخل مصر.

وتأثرت أكثر وأكثر بالنغمة التى يحترف الإعلام الحكومى العزف عليها بكلمات من نوعية أن الرئيس هو مصر ومصر هى الرئيس فإن رحل الرئيس ترحل معه مصر وتعم الفوضى ويأتى المجهول وهى نغمة ترسخ ببراعة لحكم الفرد لأنها تعطى الحاكم كل حقوق ومميزات الأب فى حين تضع الشعب كله فى موضع الأبناء القصّر الذين يحتاجون لرعايته ووصايته وتوجيهه ، وسيبدو لك تأثير تلك النغمة واضحا ونحن نراجع مع بعض فى السطور القادمة شكل المراحلة الثلاث ..

1- ما بين الشعب المصرى ورئيسه حسنى مبارك علاقة بدأت بمرحلة أولى من الامل والطموح ترسخها الطبيعة الإنسانية للمصريين التى غالبا ما تتفاءل الخير فى كل ما هو جديد، فماذا يفعل الشعب المصرى مع رئيس جديد نزلت كلماته الأولى وتصريحاته البكرية على قلوبهم بردا وسلاما واطمئنانا، سوى أن يزرعوا فى قلوبهم بعضا من الأمل وفى عقولهم مزيدا من الطموح بسبب مشاريع وخطط الرئيس الجديدة؟!

لا شئ سوى الأمل يمكن أن نصف به علاقة المصريين برئيسهم مبارك فى فترة الثمانينيات، فالرجل لم يترك فرصه إلا وتحدث للناس الذى عن مستقبل إشراقه أفضل من شروق الشمس وهى فى أحسن حالاتها الصحية، وأفرج عن صفوة مصر التى اعتقلها السادات فى سبتمبر، وقال إنه سيحارب الفساد والانحراف ولن يقبل بالواسطة والمحسوبية.

بزمتك لو سمعت كل هذا الكلام من رئيس يقف أمامك مبتسما ويخبرك أنه جاء ليصلح لا ليفسد كيف سيكون شعورك؟ بالطبع أنت وقتها لم تكن تعرف أن حسنى مبارك وكلامه هذا سيصل بنا إلى ما نحن عليه الآن لذلك إن كنت صدقته فاطمئن أنت لست أهبل أما إذا كنت مستمر فى تصديقه فاعذرنى أنت فى حاجة إلى زيارة طبيب نفسى بسرعة.
المهم انتهت المرحلة الأولى.. وكانت نتيجتها أن الرئيس خرج منها بدفعة نحو الفرعنة والبقاء والشعب خرج منها مخدرا بأحلام المستقبل الوردى .

2- الكلام بدون فعل، والوعود بدون أشياء ملموسة تتحدث عنها تخلق حالة من الكفر بصاحب الكلام والوعود، والكفر يولد اليأس فى النفوس، واليأس كان شعار المرحلة الثانية من علاقة الشعب المصرى برئيسه مبارك الذى دخل فترة رئاسته الثانية والثالثة دون أن يتذكر أى كلمة من كلامه عن الحرية والانتخابات والديمقراطية وعدم رغبته فى المسؤلية الثقيلة التى وضعها الشعب على عاتقه، وفى سنوات التسعينيات الأولى بدأت عقول الناس تفهم بعد أن بدأت فى المقارنة بين تصريحات الرئيس مبارك الذى بدأ بها حكمه وتتحدث عن الرخاء والتنمية والأمان، بما يحدث فى الواقع من قمع وفقر وهجمات إرهابية تثير الفوضى.
لا شئ مما وعد به رئيس الثمانينات يحدث فى التسعينيات حتى لهجة التصريحات والوعود تغيرت وأصبح كلام الرئيس كله شكوى من الشعب غير الناضج ومن الشعب الذى يزيد أعداد سكانه ولا يريد أن يتحمل المسؤلية، الرئيس الذى وعد بمحاسبة المقصرين وتعهد بالقضاء على المخطئين فى حق الوطن فى أول خطاب رسمى له بعد تنصيبه فى 1981، تراجعت تصريحاته الوردية فى خطابه بمناسبة عيد العمال فى سنة 1992 حينما قال:( اذا كان كله ملائكة محدش بيغلط محدش يلخبط كلها مثاليات. بنتكلم عن الفساد فى صحافتنا وكأن لا شىء فى البلد إلا لما هو فاسد، أنا عايز أقول هى الدولة قادرة تعمل توازن للأسعار والأجور ومعملتش).

هل رأيت فى الكلمات السابقة لهجة اخرى لرئيس التسعينيات تختلف تماما عن تلك التى كان يتحث بها نفس الرئيس ولكن فى الثمانينيات .

المهم .. فى المرحلة الثانية تجلت العلاقة التاريخية بين الشعب المصرى وحاكمه وتسببت فى تدعيم حكم الرئيس الذى وعد فأخلف فأصاب الناس بالإحباط والخرس السياسى.

3- يسقط يسقط حسنى مبارك، ظهر الهتاف فى مظاهرات وسط البلد ليعلن بداية المرحلة الثالثة فى علاقة المصريين بالرئيس مبارك تحت شعار الانتقام، ولا تتعجل الفزع أو الفرح ولا تتخيل أن ذلك الغضب قد يعنى ثورة قادمة تطيح بالنظام الحاكم عن عرشه، لأن الانتقام هنا ليس مشروطا أن يكون من الرئيس مبارك، فالمصرى الذى ينسحق للحاكم ويخضع له تماما تأتى عليه لحظة يفيض فيها ما بداخله من غضب وقد يخرج من تلك اللحظة بقرار انفعالى وينفس عن غضبه ممارسا عنفا غير مباشرا تجاه أصدقائه أو أهله أو نفسه تعبيرا عن سخطه على النظام الذى يقهره، ولعل ذلك واضحا فى انتشار حالات القتل والاغتصاب وزنى المحارم والثأر والفتنة.

عموما لا أعرف إن كانت أى مدة رئاسية قادمة قد تؤدى إلى ميلاد مرحلة جديدة من العلاقة بين الشعب المصرى والرئيس مبارك، ولا أملك أى تصورات عن الكيفية التى ستكون عليها تلك العلاقة فى ظل حالة الهدوء الشعبى تجاه النظام الأن، ولكن كل ثقة أنها ستكون أغرب وأعجب من المراحل الثلاث السابقة .. استعدوا لها جيدا !









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة