فاطمة حنفى

الهوية فى محيط هادر بالعولمة

الأحد، 06 ديسمبر 2009 07:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعرف علماء اللغة مصطلح الهوية على أنه ما يكون به الشىء نفسه (هو هو) أى الشخص بشكله بلغته بكل مقوماته الشكلية والجوهرية [الجسدية، اللغوية، الدينية، المجتمعية].

هوية كل أمة هى مقومات حياتها وتطورها وجذورها التى تنبثق منها كل الزروع، وتنمو فيها كل الأشجار وتحصد منها كل الثمار لتنبت من جديد ومن بذورها تعيد دورة النمو والتطور لكل الأجيال.

لا توجد أمة بدون هوية، لا يوجد شعب بدون هوية، لا يوجد مجتمع أو أى مجموعات أو كيانات بدون هوية، مثلا الأمة العربية والشعب العربى المتعدد والمجتمعات العربية الكثيرة بأعراقها الممتدة والمجموعات العربية بطوائفها الدينية المختلفة والكيانات العربية السياسية والفكرية والاقتصادية المتفرعة من الشكل الأساسى من تكوين الأمة، وبدون الدخول فى أمور فلسفية معقدة، وفى بساطة تامة نستطيع أن نفهم ما يعنيه مصطلح الهوية، والأهم والأجدر ما يمثله هذا المعنى لكل كائن بشرى،كل أمة لها مجموعة من الخصائص والمميزات الاجتماعية والسياسية والنفسية والمعيشية، نفهم من كل ذلك أن الهوية والشخصية متلازمتان، ولا يستطيع أحد التعامل مع شخص ما بدون هوية، فإذا جاءك شخص من هوية بعينها ولم تلمح هويته يعنى هذا بكل تأكيد أنك ألبسته هوية أخرى ونقول التبس لأنها لم تتشكل بشكل طبيعى.

فمن العوامل المهمة التى تضيع الهوية هى النشأة على تشكيلات أخرى أو التشدق بسلوكيات وعادات وتقاليد بيئات ومجتمعات أخرى قناعة منه أنها الأحسن، ومهما يبذل الفرد من جهود حثيثة فى إخفاء هويته الأصلية والتظاهر بالهوية المكتسبة ويصيبه النجاح فى ذلك التلبيس مرات ولكنه يفشل المرات والمرات، فلا يستطيع الفرد منا فى لحظات التصالح مع نفسه والانكشاف الداخلى أن يخدع نفسه، وأن يطالعها بغير الحقيقة، فكيف ندعم الجهود لترسيخ الهوية عند النشء الجديد، وخصوصاً لمن ينشئون فى بيئات ومجتمعات بخواص ليست هى خواص مجتمعاتهم الأصلية.

اللغة ثم اللغة ثم اللغة، بنظرة سريعة للأجيال الجديدة وكيفية بوصلة هويتها، فلن نجد غير اللغة هى الناحية التى يتجه إليها المؤشر بلا منازع، فهل هناك شىء يفعله المربون أقوى من اللغة والتعليم باللغة وتجريح ثقافة ذاك المجتمع أو تلك الثقافة إلا من خلال اللغة من مفردات وتشكيلات اصطلاحية تنطق وبكل المترادفات السلوكية التى تجعلك تفهم مثلا أن:
" الرجل المتحضر هو ما تعبر عنه تلك الصورة وذاك المصطلح، وأن الأسرة الجيدة هى التى تفعل كذا وكذا، وأن الطفل الجيد هو ما يرتدى هذا الملبس وأن الطفلة السعيدة والراقية هى ما تحتفل بعيد ميلادها هكذا وهكذا.
من خلال التعليم ومن خلال المؤسسات التعليمية التى لاتهدف للربح والتى يعبر عن وزارتها بوزارة التربية والتعليم، يجدر بنا أن نتأمل كثيراً هذا الدور العملاق للتربية وترسيخ قيم المجتمع وثقافته وتشكيل كل مقومات الشخصية والخطوط العريضة التى تستطيع كل أسرة أن تتحرك تحت لوائها بمقومات تكوينها العقائدى والمادى والعلمى الخاص، لأنه وبكل وضوح لا يعنى تشكيل المؤسسات التعليمية لمقومات الشخصية وبنسبة تتعدى السبعين بالمائة أنه لا يمكن للمرء الإفلات بثقافته الخاصة جداًفى تربية أبنائه بدليل أن أبناء المدرسة الواحدة فى بلد ما ومجتمع ما يكبر كل من أبناءه بعقيدة وأفكار وسلوك ومظهر ومفردات لغة واهتمامات عائلته الخاصة.
الهوية ليست مقومات وعوامل مؤثرة داخلية ثابتة بل تتغير وتتحرك مع العوامل والمؤثرات الخارجية، ولذا يجب الأخذ فى الاعتبار التأثير الشديد للقوى الناعمة السياسية والثقافية والاقتصادية فى تعاطيها مع هويتنا كتأثير القوى السينمائية الهوليودية، وما تبثه من أفكار ومثل وقدوة كما ذكرنا فى مقال سابق.
إنه موضوع عالمى وهو واحد من أهم التحديات الأساسية فى إدارة الدولة متعددة الثقافات. كيف تنموالهوية الخاصة لكل أمة وفى ذات الوقت تحافظ على الاندماج الكامل فى العالم الكبير المحيط سواء داخل الدولة الواحدة أو فى العالم الكبير الكونى الواحد، وكيف تصوغ شعورا بالهوية الأصلية، والتى تستوعب كل التنويعات المتفرعة المحيطة بها.

التركيز بالدرجة الأولى على الهوية القومية وتجسيد كل العادات والتقاليد الجيدة منها بالطبع من خلال أعمال جماعية تذكر الفرد دائما أبدا أنه من تلك الجماعة بكل طقوسها وشعائرها، والتى يتحكم فى درجة الالتزام بها، العقيدة أولا ثم كل الأيدلوجيات من قيم وأخلاق وعادات وتقاليد بمعنى أن هوية الأمم هى نتاج حراك وتفاعل لقيم ثابتة ومكونات محيطة متغيرة.

تحديد الهوية من خلال النماذج الجيدة التى يخلدها المجتمع فى ذاكرته التاريخية من القدوة للشخوص والبطولات والنماذج المجسدة لمجموعة من السلوكيات المرتبطة بمجتمعاتنا وأخلاقنا وعاداتنا.
فلابد للذاكرة العامة للأمة من إنعاش لكل نماذجها العطاءة، والتى انطلقت من المقومات الثابتة للهوية والمكونات المتغيرة والتى تتناسب مع كل متغيرات العصر وعولمته حتى لا تكون هوية المجتمعات جامدة ومتخشبة ولاتناسب حركة المجتمعات فيهجرها أفرادها وبلا أسف عليها.
إن الدين يلعب الدور الأقوى بلا منازع فى ازدهار هوية المرء منا ويأخذه إلى عالم رحب من السعة العددية والنوعية التى تضفى على النفس الانتماء لكل الكون والإنسانية حتى لا يقع فى صراعات الهوية الروحية.

فالعقيدة واللغة ومنظومة القيم المجتمعية "العرف" إضافة للملامح الشكلية لكل مجتمع هى العوامل المؤثرة بإمتياز لتشكيل الهويات.
"الانتماءات المتعددة ،التنازع بين الهويات " هذا هو الهاجس الذى يؤرق مضاجع العالم أجمع فى عصر العولمة والكونية وإحياء هوية وضياع هويات.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة