تصريحات وزير خارجية روسيا سيرجى لافروف، الذى لم يعرف عنه أى شطحات، بأن "من الواجب أن تبدأ إسرائيل وإيران بتطبيع العلاقات، وليس فى هذا أى شىء مستحيل" لم تحظ بأى تعليق من القوميين وقطاع من الإسلاميين المصريين الكتلة الرئيسية المتعاطفة مع إيران، لم يطرح أحد منهم تساؤلا مشروعا....هل نحن أمام فكرة مطروحة للنقاش، أم أننا أمام رؤية روسية الهدف منها التسوية بين إيران وإسرائيل؟
تاريخيا إيران وإسرائيل تتنافسان على العالم العربى وهذا التنافس طبيعى داخل دائرة نفوذهما وليس وليد الثورة الإسلامية فى إيران، بل كان موجودا حتى أثناء حكم الشاه "حليف إسرائيل"، السبب أن إيران تخشى أن يؤدى أى سلام بين إسرائيل والعرب إلى تهميشها إقليميا بحيث تصبح معزولة، وفى المقابل فإنّ إسرائيل تخشى من الورقة "الإسلامية" التى تلعب بها إيران على الساحة العربية ضد إسرائيل، المشكلة أن العلاقات بين الدولتين حتى بعد الثورة الخمينية لا تعكسها الشعارات والخطابات الإعلامية الموجّهة.
الدليل ما قاله أبو الحسن بنى الصدر- أول رئيس لإيران بعد الثورة الخمينية مباشرة فى برنامج "زيارة خاصة " بقناة الجزيرة الفضائية فى الأول من ديسمبر عام 2000: (بأن الإمام الخمينى هو من سمح بالذهاب إلى إسرائيل وشراء سلاح منها لمحاربة العرب، وفى بداية الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988) اشترت ايران من إسرائيل إطارات لطائرات F5 ، F4.
وفى قضية الكونترا الشهيرة اشتروا منهم أسلحة عن طريق أوليفور نورث وبوين ديكس، وكذلك تم شراء صواريخ "تاو" و"هوك" من إسرائيل عام 1986.
ومعروف أن أحمدى نجاد تلميذ الخمينى- النجيب- والذى يصنف على أنه من أشد المتحمسين لمبادئ الثورة الإيرانية– يسير فى هذا الاتجاة، الدليل ماذكره الكاتب تريتا بارسى فى كتابه
Treacherous Alliance: The Secret Dealings of Israel, Iran, and the United States by
بالاختلاف بين الخطاب الاستهلاكى العام (أى ما يسمى الأيديولوجيا)، وبين المحادثات والاتفاقات السريّة التى تجريها إيران وأمريكا وإسرائيل مع بعضهم البعض (أى ما يمكن تسميته الجيو-استراتيجيا).
وإذا ما تجاوزنا القشور السطحية التى تظهر من خلال المهاترات والتراشقات الإعلامية والدعائية بين إيران وإسرائيل، فإننا سنرى تشابها مثيرا بين الدولتين فى العديد من المحاور فما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما.
الدليل أن كلتا الدولتين تميلان إلى تقديم أنفسهما على أنّهما متفوقتان على جيرانهما العرب (superior). إذ ينظر العديد من الإيرانيين إلى أنّ جيرانهم العرب فى الغرب والجنوب أقل منهم شأنا من الناحية الثقافية والتاريخية وفى مستوى دونى، ويعتبرون أن الوجود الفارسى على تخومهم ساعد فى تحضّرهم وتمدّنهم ولولاه لما كان لهم شأن يذكر.
فى المقابل، يرى الإسرائيليون أنّهم متفوقون على العرب بدليل أنّهم انتصروا عليهم فى حروب كثيرة، ويقول أحد المسئولين الإسرائيليين فى هذا المجال لبارسى "إننا نعرف ما باستطاعة العرب فعله، وهو ليس بالشىء الكبير" فى إشارة إلى استهزائه بقدرتهم على فعل شىء حيال الأمور.
المشكلة أن إيران وإسرائيل يلتقيان حاليا فى نظرية "لا حرب، لا سلام". الإسرائيليون لا يستطيعون إجبار أنفسهم على عقد سلام دائم مع من يظنون أنهم اقل منهم شأنا ولا يريدون أيضا خوض حروب طالما أنّ الوضع لصالحهم، فى المقابل، توصّل الإيرانيون إلى نفس النظرية.
الأهم من هذا كلّه، أنّ الطرفين يعتقدان أنّهما منفصلان عن المنطقة ثقافيا وسياسيا، اثنيا الإسرائيليون محاطون ببحر من العرب من المسلمين السنة. أما بالنسبة لإيران، فالأمر مشابه نسبيا، عرقيا هم محاطون بمجموعة من الأعراق غالبها عربى خاصة إلى الجنوب والغرب وحتى ضمن الدائرة الإسلامية، فإن إيران اختارت أن تميّز نفسها عن محيطها عبر اتّباع التشيّع بدلا من المذهب السنى السائد والغالب.
المريب أن إيران تحاول الحصول على موطئ قدم فى الساحة الفلسطينية تحت شعار نصرة فلسطين، ولكن لم تعط دليلاً واحداً يفسر سبب التعاون الإيرانى مع إسرائيل خلال العقود الثلاثة الماضية، كما لم تفسر سبب عدم حصول ولو اشتباك (إسرائيلى - إيرانى) واحد طوال فى حين تعاونت علانية مع الغرب ضد حكومة طالبان (الإسلامية) ولكنها لم تشتبك ولو لمرة واحدة مع إسرائيل، حتى فى أحلك الظروف التى مر بها الشعب الفلسطينى فى السنوات الأخيرة لم نشاهد على أرض الواقع أى تَدَخُّل إيرانى حقيقى لمناصرة هذا الشعب؛ فأثناء تَعرُّض قطاع غزة للعدوان الإسرائيلى الذى دام قريباً من شهر سمع العالم كيف أن مرشد الثورة الإيرانية آية الله «على خامنئى» أصدر فتوىً بمنع تَوجُّه أى إيرانى للمشاركة فى الدفاع عن أهالى غزة، ووصف خامنئى الدعم الإيرانى للفلسطينيين بالدعم المعنوى.
المشكلة أن التمدد الإيرانى لم يتوقف فى العراق والبحرين واليمن ولبنان ولكن توسع شمالاً فى الجمهوريات الإسلامية ودول القوقاز، وإن تَدَخُّلها فى شئون أفغانستان وباكستان... وغيرها واضح، وأغلب هذا التدخل يتم بزعم الدفاع عن مظلومية الشيعة! ولكن الأسئلة التى نريد من إخواننا المتأيرينين هى: لماذا تمكنت إيران من القيام بهذا التمدد بينما عجزت دول عربية وإسلامية كبرى عن ذلك؟ فهل الأدوات السياسية التى تمتلكها إيران تختلف عن تلك التى يمتلكها غيرها؟ وكيف استطاعت إيران أن تُحْرِز هذا التمدد والنفوذ وهى محاصرة من قِبَل القوى العظمى، كما تزعم، أم أن القوى العظمى هى من سمحت لإيران بالتمدد فيما منعت ذلك عن غيرها من الدول العربية والإسلامية؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة