لقد أصبح الإعلام القوة الكبرى فى العالم، وكل شىء يخطب وده من سياسة واقتصاد، بل وحتى رجال الدين أصبح الإعلام جسراً لهم للناس كافة. ويمكن القول أن تأثير و نفوذ الإعلام أمر واقع مقرون بوجوده، ولا نغالى إذا قلنا أنه قد يستحيل للمرء أن يهرب من نفوذه.
ويمكن للإعلام أن يحول المستمع أو المشاهد إلى أداة فاعلة عن طريق التحريض لأمر ما أو إعطاء تصور مسبق عن حدث ما. بل ويستطيع الإعلام من خلال الضغط السياسى تغيير الأنظمة وإبدالها بأنظمة أخرى، ولنا فى نجاح التغييرات التى جرت فى المعسكر الاشتراكى، فى القرن الماضى، خير شاهد ودليل، إذ لم يكن من الممكن تحقيق ذلك بدون الإعلام.
وعندما يصبح الإعلام موجها فإنه يصبح جهاز حرب، خاصة عندما يعمل فى دولة غير دستورية ضد دولة أخرى. ومن هذا المنطلق يمكننا القول إن قناة الجزيرة هى جهاز حرب وليست وسيلة إعلام حرة كما يحاول البعض تسميتها، لأن وسيلة الإعلام الحرة بالمفهوم المهنى لا يمكن أن تعمل فى دولة غير دستورية.
لقد ابتلينا فى عالمنا العربى بالعديد من الظواهر الإعلامية بل الدعائية التى استخدمت التضليل فى أحيان كثيرة فى تعاملها معنا كقراء ومشاهدين، ولدرجة تدفعنا للوثوق بها حتى اللحظة الأخيرة، أقصد لحظة الانهيار الشامل التى تتكشف معها الهوة العميقة بين الأقوال والأفعال وبين الادعاء والواقع.
لقد كانت القوات الإسرائيلية تتوغل فى عمق سيناء، بينما كانت الصحف المصرية وعلى رأسها جريدة الأهرام (ورئيس تحريرها، آنذاك، السيد محمد حسنين هيكل)، وكذا الإذاعة المصرية، (خاصة إذاعة صوت العرب وعلى رأسها، آنذاك أيضا، السيد أحمد سعيد) يتحدثون عن اختراق الجيوش المصرية للحدود وقصف ضواحى تل أبيب، وإسقاط عشرات الطائرات الإسرائيلية. والمضحك أو المبكى أن القصة تكررت وبعد أكثر من خمس وثلاثين سنة فى العراق، على يد السيد محمد سعيد الصحاف صاحب تعبير (العلوج) الشهير. والمحزن أنه لم يقدم أى من ثلاثتهم (هيكل وسعيد والصحاف) كلمة اعتذار حتى الآن عما ارتكبوه من أخطاء، ولن يفعلوا.
ما سبق يمثل استعراضا خاطفا لنوعية الإعلام الذى نعيش فى ظله، والذى يحتاج منا إلى إعادة نظر شاملة، سواء على مستوى المنهج الفكرى الحاكم له، أو على مستوى العاملين فيه، وعلى كافة المستويات. لقد كنا ملوك الإعلام الموجه، ومع ذلك تهزمنا تلك القناة القطرية، ألا يدعونا ذلك إلى عمل شىء يوقف هذا المد الإعلامى الهادر، والذى يستهدفنا عيانا بيانا. ألا يدعونا ذلك إلى أن يجلس الإعلاميون معا لدراسة هذه الإشكالية الصعبة، بدلا من التلاسن السيئ بين بعضهم البعض.
أرى فى النهاية أن واجبنا الأساسى الآن هو الإسراع بإعادة ترتيب البيت الإعلامى، من الداخل، حتى تعود له الريادة من جديد.
د. حسن فرحات يكتب: هيا ننسى ممارساتنا الإعلامية الخاطئة
السبت، 05 ديسمبر 2009 10:19 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة