كنت فى طريقى إلى المستشفى لطارئ خاص، وإذا بى أجده ملقى فى الشارع بجسده الأبيض الناصع البياض الذى يكسر حدة ظلام ميدان السد العالى بالدقى.
كان الجسد ينتفض، أنفاسه تدوى بصوت مرهق منهك القوى ولكنه يتمسك بالحياة لآخر لحظة ويتصارع مع الموت فى معركة كل كائن حى يشعر بدنو انتهاء فترة خدمته بالحياة...
لا تقوى عيناه على النظر إلى أى شىء، ولا يقوى على السير ولا على الوقوف ولا حتى يقوى على إصدار صوت، باختصار ليس لديه القوة لأى شىء لا يوجد به قوة الحياة، يحاول ساعيا وجاهدا بكل وهن أن يستقطب قوة من قوى الحياة بلا جدوى..
أقف أشاهده غير مصدقة أننى أشاهد روحا ربما تصعد وأنا أقف أشاهدها دون فعل شىء لإنقاذها، فإذا كنت مؤمنة بقدر الله وقدره هل يمنعنى هذا أن أبذل ولو محاولة لإنقاذ حياته، وإذا أنقذته لن أقف مهما كنت فى طريق القدر بالطبع. ....أفقت من تأملى له ووجدت نفسى أشهر محمولى لاتصل بالنجدة (لن أتصل ب 140 قطعا ) فوجدت " الجميع مشغول بتلقى البلاغات " بصوت مذيع نشرة العاشرة الرخيم...
ظلت الخطوط مشغولة لفترة طويلة ....
وظل هو يصارع الموت فترة طويلة أيضا...
سألت السايس –تلك الوظيفة العشوائية كعناصر كثيرة تبنى حياتنا- أخبرنى بضيق أن أحد الأشخاص سرقه ليبيعه غالبا فوجده مريضا فتركه فى الشارع يصارع الموت وهرب ....ياربى !!! لقد أعمى الفقر والعوز قلوب الناس إلى تلك الدرجة....
أحاول أن أسمع تنهداته وأنفاسه الذاهبة إلى المجهول لعله يوصى وصيته الأخيرة:
" أرجوكم لا توزعوا لحمى على المطاعم الفاخر منها والمغمور , أرجوكم أغيثونى حاولوا أن تهتموا بأى شىء آخر سوى لقمة العيش وثمن الأشياء المادية".
ياربى لقد صار البشر كائنات مزعجة لا يهتمون سوى بالعملى والمادى، حتى إيمانهم صار سطحيا! من ينقذنى المنطقة الفاصلة الواصلة بين الحياة والموت متعبة ومرهقة رغم كونى أرفض مجهول الموت أريد الخلاص والموت ففى الخلاص خلاص من شقاء الحياة وعذاب بنى البشر لى ولأقرانى ...
وهاهم يعذبونى ويشاهدوننى احتضر بلا مساعدة، لم أر آدميا يحنو على، كل من استخدمونى أساءوا استخدامى، وكل من عذبونى كانوا بشرا ...أنتم لا تستحقون حتى أن ألقى عليكم نظرتى الأخيرة، أنتم حتى لا تستطيعون الحياة التى تحيونها ولا النعم التى يهبها الخالق الصبور عليكم صبرا عظيما ...
سأترك هذا العالم الذى أنتم فيه، وها هى التى كانت تشاهدنى بكل حنو تمضى وتذهب دون أن تحاول أن تنقذنى ..."قد شغلنى مرضى الخاص عنه وذهبت إلى داخل المستشفى لانغمس فى أنانيتى الخاصة وشأنى الخاص.
خرجت من المستشفى لأسأل عنه السايس فيخبرنى أن جامع القمامة قد حمله فى عربته بعد أن فاضت روحه....
مسكين يا أيها الحمار المريض، رحمك الله من تلك الحياة....
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة