أثارت التصريحات التى أدلى بها الروائى السورى حيدر حيدر لمجلة دبى الثقافية فى عددها الحالى، استياء بعض الروائيين المصريين، خاصة من يكتبون الرواية التاريخية، كما اتخذ النقاد موقفا مشابها أيضا، وكان "حيدر" قد شن هجوما على الرواية التاريخية ذات الطابع التسجيلى أو الوثائقى واعتبرها نوعا من المصادرة على المؤرخ، وهروبا من مواجهة الواقع الراهن، وأكد "حيدر" أن اتجاه الكاتب لهذه الرواية يدل على نضوب الإبداع لديه وسهولة الاتكاء على التاريخ وسرقته روائيا، مشيرا إلى أن الأعمال الروائية التاريخية مجرد أعمال هابطة لا تحمل أى قيمة فنية، فهى رواية تتسلق التاريخ وتعيش كالطحالب على نسجه.
رفض الروائى أحمد صبرى أبو الفتوح صاحب "ملحمة السراسوة" منطق التعميم الذى تحدث به "حيدر"، واعتبره كاتبا محدود الموهبة وليس من أدباء الصف الأول فى العالم العربى، وبالتالى لا يستطيع أن يحكم حكما كهذا.
وفرق "أبو الفتوح" بين مصطلح الرواية التاريخية الذى أطلق على روايات من أمثلة "رادوبيس" و"عبث الأقدار" التى تتخذ من التاريخ وشخصياته محورا لها، والنوع الثانى من الروايات الذى يضفر التاريخ مع أحداث الرواية، وأضاف "عن نفسى أرفض وصف "ملحمة السراسوة" بالرواية التاريخية التى تكمل ثالوث الإبداع مع "الزينى بركات" للغيطانى و"السائرون نياما" لسعد مكاوى".
اتفق معه أيضا الروائى حسين عبد العليم، وعبر عن ذلك بقوله "كلام غير حقيقى على الإطلاق" وأضاف "الرواية التاريخية لا تعنى أن أسرد قصة حدثت فى التاريخية، بل أن أعرض لها بطريقة مغايرة تكون لها دلالة وذات مغزى"، وضرب "عبد العليم" المثل بـ "الزينى بركات"، مشيرا إلى أن "الغيطانى" لم يعمد إلى الهروب من الواقع، ولكنه استطاع أن يسقط التاريخ على الواقع بذكاء شديد.
وأضاف "وكذلك أيضا خماسية "مدن الملح" للروائى السعودى عبد الرحمن منيف التى تحدث فيها عن تاريخ الجزيرة العربية هو عمل لا يخلو من إبداع حقيقى ولا يخلو من رؤية"، وأعرب "عبد العليم" عن احترامه لحيدر وإعجابه بروايته "وليمة لأعشاب البحر".
"الرواية التاريخية ليست شيئا واحدا" هو ما أكد عليه الناقد الدكتور يسرى عبد الله، موضحا أن التاريخ قد يصبح أداة تثرى النص الأدبى وتضيف إليه وليس العكس، ولكن الأمر يتوقف على طريقة المعالجة الفنية، ولفت "عبد الله" إلى أن هناك العديد من الروايات التاريخية تعد نصوصا مهمة وفاعلة فى المشهد الإبداعى كالزينى بركات للغيطانى التى تعود إلى التاريخ لتكشف لنا جذور الأزمة التى نعيشها فى واقعنا المعاصر، وتتعامل مع التاريخ كقناع تكشف من خلاله واقعا أكثر بؤسا وشراسة، وأضاف "هناك روايات تاريخية أخرى تحكى لنا تاريخ من لم يقف عندهم التاريخ مثل "البشمورى" لسلوى بكر، مشيرا إلى أن هناك أعمالا أخرى تعود إلى التاريخ أيضا لتطرح تساؤلا مركزيا يتعلق بالهوية".