ربما لم يخطر على بال من أرسل لها الدعوة لكى تشارك فى لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية، أنها السيدة التى ستقلب المائدة، وتزعج الكثيرين من الجالسين حولها، وربما كانت سبباً فى طيران النوم من عيونهم، مما جعلهم يسارعون بإطلاق البيانات حتى يستعيدوا ثقتهم المفقودة.
اختارت شيرين أبوالنجا أن تترك لجنة تحكيم أكبر جائزة عربية للرواية، ولم يكن الخيار سهلاً أمامها، خاصة أنها اعتبرت «البوكر» تتويجا لسنوات من القراءة والمعرفة، تؤهلها لكى تزيح بيديها أعمالا متواضعة فنية، وهى التى دأبت منذ فترة ليست بالقليلة على أن تكتشف المواهب الشابة من الكاتبات المبتدئات.
«وش فقر» هكذا يحلو لها أن تصف نفسها، بعد أن انحازت للفقراء والتحقت بجامعة القاهرة بدلاً من أن تهلل لالتحاقها بالجامعة الأمريكية التى أهلتها لها نتيجة الثانوية العامة، وعشقها للأدب وحده هو الذى جعلها تقرأ كل ما يصل إلى يديها بشكل عشوائى ودون أى توجيه، مما حمسها للعب دور الناقد الأدبى.
لم تدخل هذه السيدة لجنة تحكيم البوكر بحثاً عن مقعد أو منبر، أو بحثا عن المتاعب، إنما دخلتها لتلعب دورها حتى لو اشتبكت مع من يختلف معها، وهو ما كان دافعها للتغلب على أى هواجس أو مخاوف مرضية قد تصيبها.
ورغم شهرة الجائزة، وهيبتها، مضت «أبوالنجا» فى طريقها، لا تعبأ إلا بالفن، ولا تنتصر إلا له فصبرت بعد أن اكتشفت أن التصويت للجائزة ربما يشبه قفزات «كرة الروليت» التى تهتز يمنة ويسرة لتختار الفائز دون نقاش.
ربما تكون لعبة الأرقام محببة لدى البعض، وربما تكون أكثر جاذبية وسحراً، إلا أن «أبوالنجا» لم تكن من هؤلاء الذين يجيدون التعامل مع هذه اللغة وألاعيبها، فعندما شعرت بسطوة الأرقام تجتاح نتائج الجائزة وقائمتها القصيرة أعلنت انسحابها فوراً فى لعبة لا تستطيع التعامل معها حتى لو كان المقابل رقماً كبيراً من أربعة أصفار دولارية.
قرار «أبوالنجا» المفاجئ بالانسحاب من لجنة البوكر أثار عاصفة من اللغط حولها فظن البعض أنه يرجع إلى رفضها خروج رواية علوية صبح من القائمة التى حملت توقيعها، إلا أن موجة الشك قوبلت بعاصفة من الاحترام للقرار الشجاع والمحترم فى آن، مثلما أكد ذلك الناقد الكبير جابر عصفور.
تلك الحالة من القيل والقال لم ترض «أبوالنجا» الثائرة دائماً، فصرحت أن استقالتها لأسباب فنية وليس من أجل عيون علوية، فاللجنة لم تكن على مستوى لجان تحكيم الأعوام السابقة، والتى جمعت أسماء مثل محمد برادة، ويمنى العيد، وفيصل دراج.
ورغم أن السفينة هى المأوى من عصف الماء والمنجى من الطوفان المحتمل، فإن أبوالنجا فضلت أن تأوى إلى جبل يحميها من هذا الطوفان الذى لن تتحمله أخشاب سفينة البوكر، وفضلت أن تكون خارج قائمة ربانها.
شيرين أبوالنجا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة