◄◄الإخوان يرفضون معارضة الرئيس شخصياً ويوجهون حربهم للحزب والحكومة والوفد دخل على الخط بالجمهورية البرلمانية والغد قرر خوض لعبة الموت
قبل 5 أعوام كان الرئيس مبارك بعيداً تماماً عن أية انتقادات من جانب أحزاب المعارضة والقوى السياسية بكل أطيافها، ولم يكن الرئيس خصماً لها بل على العكس دائماً، كان الرئيس يظهر فى ثوب المنقذ لكل مطالب المعارضة فى مصر، ولكن جاءت التعديلات الدستورية فى المادة 67 بمثابة نقطة تحول حقيقى فى العلاقة بين المعارضة والرئيس، فالعلاقة أصبحت فى العديد من المواقف خصومة أكثر منها ألفة، وعلى الرغم من أن هذه الصورة غير موجودة بين العديد من قوى المعارضة الشرعية وغير الشرعية، إلا أن الظاهر فى الخصومة أصبح أكبر من الباطن فالكل أصبح طامعا فى كرسى الرئيس، مستخدمين أدوات القانون الذى كان للرئيس يد فى تعديله، فهو الذى دعا إلى تعديل المادة 67 عام 2005 وفتح المجال للانتخابات بين أكثر من شخص على منصب الرئيس بعد أن ظل هذا الملف يدار ولعقود طويلة منذ ثورة يوليو 1952 بطريقة الاستفتاء على شخص الرئيس، عبر تصويت الأغلبية داخل الاتحاد الاشتراكى أو مجلس الشعب، بعدها يجرى استفتاء صورى لاختيار الاسم الوحيد والمطروح من قبل نواب المجلس..
هذه التعديلات خلقت نوعا من العداوة الجبرية، والتى لا يمكن لأى محلل سياسى ان يصفها إلا بأنها خصومة شرعية، حيث كان الهدف منها المنافسة على منصب الرئيس فى ظل التعديل الدستورى الذى أظهر بالفعل خصوم الرئيس، وتحول اسم مبارك إلى مادة دسمة لانتقادات دائمة للقوى السياسية الشرعية وغير الشرعية..
من أكثر الأحزاب التى دخلت دائرة الخصومة العلنية مع الرئيس، هو حزب الوفد، حيث ترجمها فى برنامجه الجديد، والذى حمل عنوان «نحو جمهورية برلمانية» وتضمن خطابا مباشرا يدعو للتخلص من نظرية الرئيس الأوحد، والذى يملك فى يديه كل السلطات، وأنه ليس من المقبول أو المعقول أن يكون اتفاق واختلاف، أو حب وكره المواطنين لشخص بعينه، مدعاة للاتفاق أو الاختلاف مع الدولة، وأنه من غير المقبول أن تدخل مصر المستقبل، ومصير 80 مليون مواطن فى يد شخص واحد.
هكذا عبر البرنامج الجديد للوفد عن خصومة واضحة، ليس مع مبارك فقط، ولكن مع أى رئيس يملك كل هذه السلطات فى يديه دون رقيب أو حسيب، مؤكداً أن الحل يكمن فى جمهورية برلمانية هدفها إعادة توزيع السلطة، وتوسيع قاعدتها، بحيث يكون رئيس الدولة ضامناً لسلامة الوطن ووحدة أراضيه، وحكماً بين السلطات، وراعياً لأداء المؤسسات العامة لدورها بانتظام، وتتولى السلطة التنفيذية حكومة مسئولة أمام برلمان منتخب، وذلك بتعديل المواد 76 و77 و137 و138 و141 من الدستور، بهدف إلغاء القيود الواردة على حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وتقييد الفترة الرئاسية، وإعادة صياغة العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، بحيث يمنح رئيس الوزراء سلطات واختصاصات أكبر مع تقييد سلطة رئيس الدولة فى حل البرلمان عند الضرورة، دون سلطة إقالة الحكومة، هذه هى خصومة الوفد، والتى يبدو أنه لا رجعة فيها بعد أن أكد محمود أباظة رئيس الحزب، أن النظام القائم يرفض جميع دعوات الإصلاح.. مشيراً إلى أن التحول الديمقراطى فى مصر، لن يأتى من الرئيس، وأنه من الضرورى أن تتغلب القوى السياسية على اليأس والإحباط، مؤكداً أن من يعمل فى الحقل السياسى فى مصر يجب عليه أن يقاوم باستمرار اليأس من ناحية، كما عليه أن يقاوم الترغيب والترهيب من ناحية أخرى.
انقلاب آخر ضد الرئيس بدأ يخرج من داخل حزب التجمع والذى ظل لسنوات طويلة يرى أن وجود مبارك على رأس السلطة فى مصر، يحرم أى تيار إسلامى وبصفة خاصة جماعة الإخوان المسلمين من الوصول إلى سدة الحكم، فالتجمع ولسنوات طويلة، قصر عداءه على جماعة الإخوان، ولكن ومع الحراك السياسى فى مصر، انقلب الحال ووضع الحزب الرئيس مبارك أيضاً فى خانة الخصوم بل ووصل الأمر إلى أن يعلن التجمع أن حزب الرئيس هو السبب وراء سيطرة الإخوان على الشارع المصرى، لأنه يرى تحالفاً غير مكتوب بين الوطنى والإخوان على اقتسام الشارع، وهو ما ظهر فى الانتخابات البرلمانية عام 2005 من تحالفات بين مرشحى الوطنى والإخوان.
بهذه الرؤية خرج التجمع من حظيرة النظام وبدأ فى إطلاق صواريخه نحو الرئيس، وهو مالم يكن موجوداً فى الماضى، ودخل التجمع فى نفس خندق الوفد ليطرح البديل الحقيقى للرئيس من خلال إعطاء سلطات حقيقية لمجلس الوزراء والبرلمان، وأن التركيز فى الفترة الحالية يتطلب مجموعة من التعديلات التى تفتح الباب أمام التحول إلى جمهورية برلمانية، لاحظ أنه نفس النهج الوفدى.
ويطالب التجمع بإلغاء المواد التى تعطى صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، وإجراء تعديلات على المادة 76 المعدلة، والتى وصفت بأنها خطيئة دستورية، لتنص على أن ينتخب الرئيس بالاقتراع السرى المباشر على الأغلبية المطلقة، فإن لم يحصل أى من المرشحين على الأغلبية المطلقة، تعاد الانتخابات خلال 15 يوما بين الاثنين الحاصلين على أعلى الأصوات من بين المرشحين، ويحدد القانون الشروط الموضوعية الواجب توافرها فى المرشح للرئاسة، ويدعو التجمع أيضا إلى إجراء تعديلات على المواد 77 و93 و127 و133 و148 و141 و153 وإلغاء المادة 173 لتأكيد استقلال القضاء..
إذن فالتجمع حدد خصومته مع الرئيس بإجراء تعديلات جوهرية فى عملية انتخابه، مؤكدا أن مقولة الملك هو الملك، يجب أن تنسف، لأن الوضع الحالى إذا صار كما أراد الحزب الوطنى، فإن مصر سائرة وبلا شك إلى «التوريث» سواء لنجل الرئيس أو لأى قيادى فى الحزب الحاكم، وسيمنع ذلك اقتراب المعارضة حتى من خوض الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.
حتى وقت قريب، لم يكن مبارك موضع انتقاد داخل الحزب الناصرى، ولكن التركيز الأساسى كان حكومة الوطنى، حتى إن رئيس الحزب ضياء الدين داود لم يكن يهاجم الرئيس أثناء العصر الذهبى للحزب وحتى بعد اختفائه وظهور أحمد حسن كأمين عام للحزب أو ظهور سامح عاشور كنائب أول لضياء، لم يخرج أحد عن خط الحزب، فالجميع وقتها كان يرى أن النظام الحالى هو الامتداد الشرعى لثورة يوليو، ولكن وبعد دخول الحزب فى تحالفات مع أحزاب الوفد والتجمع وعندما شعر أن مصر مقبلة على سيناريو التوريث، ظهرت الخصومة للرئيس وأصبح مبارك موضع انتقاد دائم لكل التيارات الناصرية، وظهر اتجاه حقيقى يسعى إلى الاستعانة بالدكتور محمد البرادعى ليكون مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية عام 2011، ورغم نفى قيادات الحزب لهذه الفكرة، فإن لغة الخصومة مع مبارك داخل الحزب الناصرى بدأت تظهر للسطح بعد إصرار الحزب على مقاطعة انتخابات الرئاسة عام 2005، اعتراضاً على عدم تعديل المادة 77 والتى تجعل منصب الرئيس ليس له مدة زمنية محددة، وتحول الحزب الناصرى إلى خندق لصقور المعارضة للرئيس، خاصة وأنه الحزب الوحيد من الأحزاب الكبيرة الذى فشل لدورتين كاملتين فى أن يكون له ممثل تحت القبة، وهو ما أرجعه البعض داخل الحزب بأنه عداء تاريخى بين النظام والناصريين، خاصة أن قيادات الوطنى دائما ما تؤكد أنها امتداد لثورة يوليو، وهو ما يزعج القيادات داخل الحزب الناصرى.
حزب الغد جبهة «أيمن نور»، لم يرفع راية العصيان فى بداية حصوله على الموافقة من لجنة شئون الأحزاب، ولكن وبعد أن حصل نور على المركز الثانى فى الانتخابات الرئاسية عام 2005، ثم دخوله السجن وخروجه بعدها، بدأ العداء العلنى والواضح من أيمن للرئيس ولنجله وهو ما جعل نور يؤكد أنه ومنذ سنوات محسوب على قائمة أعداء الرئيس مبارك!! وظهرت خصومة أيمن للرئيس ملحوظة فى مطاردته لجولات ابن الرئيس فى المحافظات، فى الحملة التى أعلنها د. أيمن باسم حمله طرق الأبواب، ليدخل حزب الغد فى خصومة مباشره وعدائية مع الرئيس ونجله، عداوة وصفها البعض بأنها تشبه إلى حد كبير «رقصة الموت»، لأن نهايتها كان تدمير حزب الغد وتقسيمه بين جبهة نور وموسى مصطفى موسى فى محاولة من النظام للقضاء على أيمن نور حزبيا، حتى لا يكون منافساً شرساً للرئيس أو لنجله جمال فى انتخابات 2011 القادمة.
على النقيض تماما تقف جماعه الإخوان المسلمين موقفا غير عدائى للرئيس مبارك، رغم أنها أقوى فصيل معارض فى مصر، وأكثرهم تهديداً للنظام الحاكم كله، وربما السبب الرئيسى لموقف الموادعة للرئيس من جانب الجماعة، يعود بالدرجة الأولى إلى أن الإخوان غير طامعين فى منصب الرئيس أو حتى المنافسة عليه لسببين: الأول أنهم قوى غير شرعية فى نظر النظام، وبعض قوى المعارضة الرسمية، وبالتالى من الصعب خوض أى الانتخابات على كرسى الرئاسة، فهى ليست حزباً رسمياً ولن يكون باستطاعتهم جمع 250 توقيعاً لترشيح أحدهم، رغم وجود أكثر من 80 عضواً إخوانياً فى البرلمان، والسبب أن الأجهزة الأمنية لن تعطيهم الفرصة لعمل ذلك، وربما اعتقال العديد من قياداتهم فى عام 2005 وحتى الآن، يعود لأن بعض الأنباء ترددت عن نية أحدهم فى الترشح على منصب الرئيس، مثل عصام العريان وخيرت الشاطر وغيرهما..
والمفاجأة أن قيادات الإخوان دائمة الحديث عن الرئيس مبارك بصورة مثالية، رغم الضربات التى يوجهها نظامه لهم وبشكل يومى، فالمرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدى عاكف، دائما ما يبرر هجوم الرئيس على الجماعة، وهو ما حدث عندما وصفهم الرئيس مبارك لمجلة دير شبيجل الألمانية، حيث قال عاكف إن الرئيس مبارك تعرض لسؤال خبيث من صحافى مجلة «دير شبيجل» الألمانية، جعله يصف الإخوان المسلمين بأن لهم تاريخاً إرهابياً، مشيراً إلى أن تاريخ الإخوان ناصع البياض وباعتبارهم ابناً شرعياً للشعب.
ووصل الأمر إلى أن يقول الدكتور محمد حبيب - الرجل القوى داخل الجماعة والنائب السابق للمرشد - إن الإخوان يحرصون على ألا يكون بينهم وبين الرئيس محمد حسنى مبارك أى احتقان، لكونه رئيسًا للجمهورية، ورئيسًا لكل المصريين، وله مكانته ومنزلته التى يحرص الإخوان على المحافظة عليها، هذا هو موقف الإخوان من الرئيس والذى يمكن أن يتلخص فى أن الإخوان تجاهلوا عداءهم وخصومتهم معه، وتفرغوا لمشاكسة الحزب الحاكم وحكومته، هذا التجاهل جعل الإخوان يرحبون بالعديد من قرارات الرئيس، كما حدث فى قرارات التعديلات الدستورية عام 2005، ورغم تحفظهم على بعض القرارات الأخرى إلا أنهم لم يعلنوها صراحة، وإن ظهر بشكل آراء متفرقة من بعض قيادات الجماعة، إلا أن الرئيس لم يطرح على أجندة أعداء الإخوان حتى الآن.
لمعلوماتك...
◄ 24 عدد الأحزاب الشرعية فى مصر
محمود أباظة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة