«عظم الله أجركم فى مصاب الإسلام الحسين» هكذا يتناقل المسلمون على المذهب الشيعى التحايا مع بعضهم البعض مع اقتراب ذكرى مقتل الإمام الحسين بن على حفيد النبى محمد، والتى يبدأ إحياؤها مع أوائل شهر المحرم، وحتى ليلة العاشر منه، لكن مرقد الإمام بالقاهرة خلا فى ليلتى التاسع والعاشر من المحرم هذا العام من أى مظهر من مظاهر إحياء الذكرى، حتى إن عدد زوار المقام كان أقل من الأيام العادية على عكس الحال فى السنوات الماضية حين كانت ساحة المشهد الحسينى تضج بالزوار من مصر، والعراق، والهند، والكويت، وغيرها، تسرى بينهم همساً خفيفاً وسريعاً فى آن عبارات «عظم الله أجركم». فلماذا مر التاسع والعاشر من المحرم 1431 هجرى على سماء المشهد الحسينى بلا إحياء لذكرى الإمام الشهيد؟ هل هى عودة العراقيين إلى بلادهم، أم أنها الظلال الكثيفة لاعتقال حسن شحاتة ومن معه، أم هى تحذيرات القرضاوى من المد الشيعى، والعلاقات المتوترة مع ايران، أم أنها التقية يحتمى بها شيعة مصر.
الصحفى العراقى حازم العبيدى يرصد معنا اختفاء شيعة العراق من ساحة الحسين فى القاهرة هذا العام، فيما يتوافد الملايين منهم نحو مرقده فى النجف، مرجعا تقلص أعداد العراقيين فى مصر، فبعضهم أعيد توطينه فى أوروبا وأمريكا، أما بعضهم الآخر فقل ماله، وتدهورت أحواله، وضيقت عليه السلطات المصرية فى الحصول على إقامة فقرر العودة باعتبار أن «موت هناك كموت هنا».
ويقول العبيدى إنه خلال التواجد الكثيف للعراقيين بالقاهرة لم تكن هناك قيود أمنية على زيارتهم للمشهد الحسينى، لكن كان هناك الكثير من التهويل فى وسائل الإعلام، مثلاً لم يحدث أن كانت هناك «مجالس عزاء حسينية» فى بيوت الشيعة العراقيين إذ إنها مكلفة بشكل لا يتناسب مع أوضاعهم فى مصر.
أما عن استبدال الشيعة المصريين الإحياء العلنى للذكرى بمجالس عزاء فى منازلهم، فيؤكد المستشار الدمرداش العقالى الكاتب الشيعى أن تلك الطقوس ليست من صلب العقيدة، فالإنسان يستطيع أن يكون شيعياً مخلصاً دون ممارستها، صحيح أن الحقوق العامة توجب حرية الاحتفال بالمناسبات الدينية، لكن إذا كانت زيارة مرقد الحسين ستقودك إلى ما وراء الشمس فلا داعى منها، مشيرا إلى أن حركة الاعتقالات الواسعة خلال الشهور الماضية والتحريض الذى يمارسه الوهابيون على الفضائيات وعلى رأسها تحذيرات القرضاوى من المد الشيعى، رفع من الهواجس الأمنية لدى السلطة، خاصة فى ظل توتر العلاقات المصرية الإيرانية. ويذكر المستشار الدمرداش العقالى بمركز علوم آل البيت للدراسات الإسلامية بالدقى، إنه ما كاد أن ينظم مجلس عزاء حسينى فى عاشوراء إلا وتم إغلاقه، واعتقال معظم مؤسسيه.
فهل يمارس شيعة مصر مبدأ «التقية» فى إحياء عاشوراء، يقول الدكتور أحمد راسم النفيس، الكاتب الشيعى والأستاذ بطب المنصورة، إن الانكماش الذى يمارسه الشيعة فى مصر بشكل عام هو نتيجة لخوفهم من ضياع مستقبل الشباب الذى اعتنق المذهب الشيعى دون أن يكون له ميل سياسى أو انتماء حزبى ثم يفاجأ بنفسه فى المعتقل بلا جريمة ارتكبها سوى أنه شيعى، ويقول إن أغلب القضايا التى تم تلفيقها لشيعة مصريين كانت نتيجة تسريب أسمائهم إلى الأجهزة الأمنية.