"مسيحيو الشرق فى خطر" هو الموضوع المستحوذ على عدد كبير من صفحات الإعلام الأوربية الخاصة والعامة التى تروج لمقولة "نهاية التاريخ"، وعلى هذه الصفحات يُدعى بعض النشطاء المصريين للمشاركة والقيام بمعالجة "المشكلة القبطية" - كيفما يريدون وبلا رقيب.
فالأخير، وكما يعتقدون، وعن طيبة خاطر بالغة لايوجد إلا فى بلادنا المتخلفة لا فى العالم الحر الذى يعيشون فيه، حيث لا خطر عليهم ولا هم يحزنون على المسيحية والمسيحيين، فأوربا لديهم، وبالخطأ أيضًا، هى القارة المسيحية المثال، وآخر حصن ضد البربرية الأصولية المتأسلمة التى برأيهم قد بدأت ومنذ القرن السابع الميلادى برسم الخطط الجهنمية تليها النارية الحاقدة لتدمير قلاع حرية الرأى والرأى الآخر والإبداع بغير حدود والرأسمالية الحنونة الغارقة فى التسامح وعشق المترصدين للنيل منها، ليحل محلها فكر الإقطاع البدوى البشع المتمثل فى عفوية دولار الزيت والحجاب والنقاب ومآذن الظلام، وليزيد عليها كل ما يتعلق بما ذكره ماركس عدو الرأسمالية من مقولات عن "استبداد الشرق"، وفى صورة تجعل لملاحقة المسيحيين الأبرياء فى بلادهم، وهم الأصل فيها لا الدخيل عليها دائمًا، ثم فى العالم كله عنوانًا واحدًا هو "الإسلام لا التأسلم".
وبذا تكون سياسة إحياء النار من الرماد هواية لا أشك فى أنها وسيلة للهدم لا للبناء، فى وقت لا نحتاج فيه جميعًا إلى أكثر مما نعانيه، سواء فى الداخل أو الخارج، فكتاب الخارج الذين يصورون ما يحدث لأقباط مصر بالمذبحة ليعودوا ليلقوا بالمسئولية السياسية عنها على عاتق النظم بداية من رئيس الجمهورية، مرورًا بمجلس الشعب والشورى إلى معلقى كرة القدم البائسين ليندبوا بعدها قلة حصتهم من مناصب الدولة من وزرات السيادة حتى الراديو والتليفزيون، ما هم إلا عامل مساعد على استفحال الأزمة، من أزمات يومية تقبل النقاش والحل السريع والسهل، إذا أردنا والتى تنشأ بين فلان التقليدى - لا المتأسلم - وبين جاره القبطى - لا حامل الصليب العقائدى والذى هم بصدد تشكيله.
وبعد، فنحن قد تخطينا عصر الحاكم بأمر الله الفاطمى والذى لم يكن ليعبر عن طبيعة التعايش بين عناصر منطقتنا بأسرها، لا بلدنا المحدود جغرافيًا وسكانيًا فقط، من تسامح ومحبة، أكدها لنا من قبل عصره المثال الذى صلى فى فناء الكنيسة من المسلمين الأوائل وكان يقصد وقتنا التعيس هذا، فهو يرسل لنا الآن رسالة تقول لنا جميعًا، حذار من حق الشقيق، ورفقًا برفيق الدرب!
فإذا كنا نبحث فى هذا التاريخ المفترى عليه عما يمكن أن يفرقنا فسنجده وبسهولة تفوق الوصف، أما لو حاولنا أن نبحث فيه عما يمكن أن يجمعنا ويجعل من الصليب هلالاً مرة أخرى، فعلينا أولاً أن نعطى للتاريخ فرصة أخرى أخيرة ليستمر رغمًا عمن خطط له بالانتهاء وهم مفكرو الفتنة.
أستاذ العلوم السياسية – جامعة انسبروك - النمسا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة