خالد صلاح

الإسلام فى 2010 .. إنهم يفجِّرون المدارس

الأربعاء، 30 ديسمبر 2009 10:11 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا الحدث يضاعف من فزع العالم من هذا الدين ويفتح الباب لصراعات وضغوط يتعرض لها المسلمون المقيمون فى الغرب ويهدد مصر والعواصم العربية بتفجيرات جديدة من نفس النوع.

حسنا.. إن كنت تريد أن تسمع تقديرى الشخصى لأهم الأحداث المصرية والعربية والعالمية فى 2009، إن كنت تريد أن تعرف الحدث الذى أعتقد جازما أنه الأكثر تأثيرا على الإطلاق من بين كل الوقائع التى شهدناها من حولنا على المستويين المحلى أو الدولى، فاسمح لى أن أرشح بكل يقين وبلا تردد، (تفجيرات المدارس الابتدائية والإعدادية فى باكستان)، هذه التفجيرات العنيفة والقاسية التى تتعرض لها المدارس فى هذا البلد الإسلامى على أيدى مسلحين متطرفين من حركة طالبان.

أنت تقول الآن -ربما- وما شأنى أنا بذلك؟ وما علاقتى بما يجرى فى باكستان؟ وما الذى نخسره نحن هنا فى القاهرة أو فى الإسكندرية أو الصعيد أو فى أى قرية مصرية، إن كان حفنة من المتطرفين يفجرون المدارس فى بلادهم، ويزرعون الخوف، ويشيعون الفزع، ويهددون الأمن بين الأطفال والشباب فى ربوع هذا البلد البعيد عن حدودنا الجغرافية الذى لا نعرف عنه شيئا تقريبا؟!

لا أستطيع أن ألومك إن كنت ترى أن مباراة مصر والجزائر هى الأكثر أهمية، أو الإعلان عن موافقة مجلس الشورى على قانون زرع الأعضاء، أو مشاركة فيلم «المسافر» فى مهرجان فينيسيا، أو استقالة وزير النقل المهندس محمد منصور فى أعقاب مأساة قطار العياط، أو خطاب باراك أوباما فى جامعة القاهرة، وكلها أحداث لها تأثيرها المحلى المباشر علينا جميعا، فرحا أو حزنا، لكن اسمح لى أن أقدم لك دلالة هذا الحدث (الباكستانى) عليك وعلى عائلتك وعائلتى، وعلينا جميعا.

إنهم يفجرون المدارس فى باكستان باسم (الإسلام) كما يفهمونه هم، وكما يظنون فيه ظن السوء، الطالبانيون نقلوا معركتهم مع السلطة والجيش، وعلى كراسى الحكم من ميدان السياسة إلى بيوت الناس، وإلى فصول العلم فى هذا البلد المسلم الذى يمتلك وحده أول قنبلة نووية فى العالم الإسلامى.

قرروا أن يدمروا صورة هذا الدين الرائع الراقى، ويحولونه من نور يضىء الطريق إلى الحرية، إلى ظلام يدهس العلم والعقل والواقع والتاريخ والمستقبل فى حزمة واحدة، هؤلاء الطالبانيون نسفوا أكثر من 189 مدرسة خلال النصف الثانى من عام 2009، معظمها مدارس للبنات فى مراحل التعليم المختلفة، هكذا فى ضربة واحدة، يعلنون أنهم ضد التعليم المدنى، وضد تعليم البنات فى العالم الإسلامى، هكذا وفى ضربة واحدة يرفعون السلاح ليس فى مواجهة المحتل، أو لتحقيق الأمن بين الناس، لكنهم يرفعون السلاح لتعود المرأة إلى البيت قسرا بلا تعليم وبلا أمل، وتعود المدارس إلى استراتيجيات الهدم والظلام، وتغييب العقل باسم الإسلام، وأشهد أنا أن الإسلام برىء من ظلامهم وظلمهم وغدرهم وقسوتهم على الناس.

لم يمر أسبوع واحد منذ مطلع عام 2009، إلا وكان الدم حاضرا فى الأحداث الباكستانية، لم يمر يوم واحد إلا وكان الضحايا يتساقطون غيلة وغدرا، ولم يمر شهر واحد فى 2009، إلا وكانت مدارس البنات تسقط الواحدة تلو الأخرى فى إعلان غاشم، للعداء والحرب على كل قيم الرقى والحرية والتقدم الذى كان الإسلام أول من زرعها على وجه الأرض، سقطت المدارس فى (وادى سوات) غرب باكستان، وفى منطقة (خيبر) فى الشمال الغربى، وفى منطقة (هانجو)، وفى عدد آخر من المناطق القبلية والحدودية، جرى تفجير مدارس حكومية وخاصة، دون أن يلتفت هؤلاء الذين (يجاهدون) ضد التعليم، إلى أنهم يعتدون على أموال الناس التى جمعوها من فتات أرزاقهم، ليشيدوا بها أماكن للعلم، ولم يلتفت هؤلاء الذين (يجاهدون) لانتصار الظلام، إلى أنهم يعادون الإسلام نفسه بترويع الآمنين بفرض إرادتهم بقوة القتل والدمار، لا بقوة العلم والحكمة.

اضطرت المؤسسات الباكستانية إلى غلق العديد من المدارس الخاصة، واضطرت الحكومة إلى اتخاذ تدابير مماثلة حتى لا تعرض حياة البنات والأطفال للخطر، ولم يفلح العلماء الباكستانيون المعتدلون فى تصويب هذا المنطق الأحمق، الذى بنى عليه هؤلاء المتطرفون حربهم على المدارس، لم يفلح معهم قول الله، أو قول رسوله، أو قول صحابته الكرام، لأن الله ورسوله وهذا الدين الخالد بأكمله، صار خنجرا فى أيدى التطرف، وصار قنبلة للتفجير، ولغما للقتل، على عكس رسالة الله إلى رسوله وإلى الناس.

أزمة هذا الفعل الآثم، أنه منسوب إلى الإسلام، ويجرى تحت رايته، وأزمة هذا الفعل الآثم أنه يأتى فى الوقت الذى يتعرض فيه الإسلام للحصار والمعاقبة، خوفا من أن ينتقل فيروس القتل والتفجير من باكستان أو أفغانستان إلى العالم بأسره، العالم يخاف من هذا الدين الذى يقتل أتباعه خصومهم فى العقيدة، دون أن يسمحوا لهم بالاستماع إلى كلمة الله أو أحاديث رسوله، العالم يخاف من المهاجرين المسلمين، عربا كانوا أو آسيويين أو أفارقة، العالم يحاصر المآذن والمساجد والجاليات، العالم يتحسس مسدسه حين يرى اللحية أو الحجاب، العالم يخاف لأنه يسأل: ما الذى يمكن أن يفعله هؤلاء المسلمون بنا إن كانوا يقتلون أنفسهم بأيديهم، ويفجرون المدارس، ويحاربون الفتيات، ويرفضون التعليم، ولا يريدون سوى حمل السلاح بلا طريق أو غاية؟

أزمة هذا الفعل الآثم أيضا أن هذا التطرف الغاشم يشرب من نبع واحد، ويتبع أساليب واحدة، ولا يتوقف عن الانتشار بين بلدان العالم الإسلامى، فإن كان الطالبانيون الباكستانيون قد أفزعوا جهاز الدولة على هذا النحو، وبثوا الرعب فى قلوب الناس، وأجبروا العائلات المسلمة على منع بناتها من المدارس، فإن التجربة نفسها يمكن أن تنتقل كالفيروس عابر الحدود من باكستان إلى الخليج، ومن الخليج إلى الشام، ومن الشام إلى مصر، ومن مصر إلى المغرب، والتجربة الأفغانية علمتنا أن هذه العدوى واردة، إن لم تكن حتمية فى بعض الأحيان، وتجربة تنظيم القاعدة علمتنا أيضا أن باكستان قد تكون معملا لتجريب التكتيكات الجديدة فى التطرف والإرهاب، قبل أن يبدأ التنظيم فى تعميمها على سائر البلدان المسلمة تحت شعار مواجهة (الكفر وحماية الإسلام) بالوهم وسوء الظن فى تعاليم الله ورسوله، أنت تذكر طبعا ما جرى من عمليات تفجير محلات الفيديو فى الثمانينيات، وتذكر أيضا السيارات المفخخة أمام البنوك العامة والخاصة فى نهاية التسعينيات، وتذكر بالتأكيد ما جرى لنا وللمسلمين جميعا بعد تفجيرات برجى التجارة فى نيويورك، والمترو فى لندن.

هذا الحدث لا تتوقف آثاره على 189 مدرسة فجرتها طالبان، ولا على العائلات الباكستانية التى تعرضت لهذا القهر، ولا الدماء التى سالت فى هذه الهجمات المفزعة، ولا البنات المسلمات اللاتى حرمتهن الجماعات الإسلامية المتطرفة من التعليم، لكنه حدث عابر للحدود الجغرافية، يضاعف من فزع العالم من هذا الدين، ويفتح الباب لصراعات وضغوط يتعرض لها المسلمون المقيمون فى الغرب، كما يفتح الباب لانتشار هذا المنهج الضال فى عواصم إسلامية أخرى تحت الشعارات الزائفة نفسها، وبالتفاصيل التدميرية التى يطبقها الطالبانيون فى باكستان.

هذا هو الحدث الأول، حسب ظنى، فى عام 2009، وهذا هو الخطر الأكبر القادم، ربما فى 2010، وإن كنت على يقين بأن الله ورسوله وتعاليم هذا الدين بريئة من هذه الجريمة الطاغية، فإننى لا أبرئ علماء الدين فى مختلف البلدان العربية والإسلامية من هذه الجريمة، فهم أيضا مشاركون بالصمت فى تمرير هذا الإثم، وهم أيضا يتحملون وزر ما يجرى، إن كانوا يعجزون عن المواجهة، وعن حماية هذه الرسالة التى قرر الله أنها نور للأرض، فيما يرغب بعض أبنائها أن يحولوها ظلاما يطمس العالم.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة