الفارق الكبير بين القرض والائتمان أدى إلى توسع مدمر لحركة البنوك، وتمثل فى قضايا هامة شهدتها ساحات المحاكم وأطلق عليه الإعلام تسميات مختلفة حيث واجه فيها المتهمون تهم الاستيلاء على المال العام والاشتراك فيها، وكان أبرز المتهمين فى تلك القضايا هم: حسام أبو الفتوح ومصطفى البليدى وإحسان دياب وكامل علبة، إضافة إلى قيادات بنكية بالبنوك المانحة للائتمان وعلى رأسهم قيادات بنك القاهرة الذين واجهوا مخاطر بالحبس الاحتياطى وإجراءات قانونية متعددة منها المنع من السفر والتحفظ على أموالهم طوال فترة التحقيقات وحتى انتهاء المحاكمة.
القرض فى مضمونه الحقيقى هو أن يتعامل البنك مع شخص طبيعى أو معنوى يريد مالا على سبيل القرض، وهو ما يستوجب على البنك الحصول على ضمان يغطى مخاطر القرض ويكفل للمسئول البنكى حقه بالكامل، وإن لم يفعل ذلك فإنه يعرض نفسه للمساءلة الإدارية بالتقصير والإهمال المتعمد فى عمله فيدخل فى دائرة جريمة الاستيلاء على المال العام والإقراض بوجه عام.
وفى كل الأحوال فإن القرض ليس هو النشاط الرئيسى للبنك ولا حتى المنتظر منه لأنه ليس بيتا للرهونات كما كان الأمر قديما فى الاقتصاد المصرى عندما كانت الجالية اليهودية تشكل عنصرا هاما من عناصر الاقتصاد، أما العملية الأساسية فهى العملية الائتمانية وهى عصب حركة البنك فهى تدور بين طرفين أولها "رجل الأعمال" صاحب الفكرة فى مجاله وهو الذى اقتنع بجدوى مشروع معين وأعد الدراسات اللازمة له والتى تغطى مراحل إنشائه وتشغيله وتسويق منتجه وتحقيق العائد المنتظر منه "بإذن الله" أما الطرف الثانى "رجل المال" والمتمثل فى البنك الذى يدرس المشروع فإذا اقتنع بجديته وجدواه تنفيذا وتسويقا يتفق مع رجل الأعمال على تمويله وليس إقراضه.
فالبنك حين يعد دراسته ائتمانية يراعى فيها سمعة العميل وموضوعية المشروع وجديته وينتهى إلى قبول تمويله ليدخل البنك شراكة فى المشروع ولكنها شراكة فى شكل ائتمان، حيث يكون الضمان الأساسى الذى يجب أن يتزايد هو الأمل القائم على سند من دافع فى ربحية المشروع، بمعنى أن تعثر المشروع بعد ذلك لن يؤدى إلى سقوط حق البنك بل سوف يظل هذا الحق قائما ولكنه يستمر كحق مدنى بعيد كل البعد عن الشبهة الجنائية، وجريمة تسهيل الاستيلاء على المال العام، وذلك لأن جريمة الاستيلاء على المال العام جريمة لحظية تتم أو لا تتم وقت عمل الدراسة الائتمانية.
وقد حسم القضاء المصرى هذا المعنى فى حكمين شهيرين أحدهما أصدره المستشار فاورق سلطان الرئيس الحالى للمحكمة الدستورية العليا، وكان ذلك الحكم فى قضية متهم فيها رجال الأعمال مصطفى البليدى- رحمه الله- والذى كان متعاقدا مع الاتحاد السوفيتى على تصدير مستحضرات تجميل بكميات كبيرة سوف ينتجها مصنعا يستورد البليدى خطوطه من الاتحاد السوفيتى، حيث قام بنك القاهرة وقتها بدراسة المشروع واقتنع بجدواه خاصة وأن تسويق المنتج مضمون لأنه موضع تعاون مع دولة كبيرة بحجم الاتحاد السوفيتى؟
لكن ما حدث مع بدايات عمل المصنع أن انهار تعاقد التسويق بانهيار الاتحاد السوفيتى وتفككه إلى دويلات، وبالتالى أصيب المشروع بخسارة فادحة وكانت النتيجة أن مصطفى البليدى أصبح مدينا لبنك القاهرة بملغ كبير يتزايد مع الوقت بإضافة الفوائد ووجهت إليه تهمة المشاركة فى الاستيلاء على المال العام مع نائب رئيس بنك القاهرة وعدد من قيادات البنك حيث لاقوا جميعا ما لاقوه من أهوال حتى انتهت إلى القضية بحكم تاريخى بالبراءة.
الحال مع البليدى تكرر مع حسام أبو الفتوح الذى كان متهما أيضا بالاشتراك مع قيادات بنك القاهرة ورئيس البنك فى جريمة الاستيلاء على المال العام وانتهت بعد سنوات طويلة من التحقيقات والتداول فى المحاكم بحكم براءة تاريخى أصدره المستشار إميل حبشى وكان الائتمان المطلوب بمناسبة إنشاء مشروع لسياراتBMW وجدير بالذكر أن صياغة القضية وما استغرقته من وقت وإجراءات أدت إلى سحب توكيل BMW من حسام أبو الفتوح المصرى، وذهب إلى شركة ألمانية وذهبت معها أرباح كثيرة من وراء إنشاء المصنع.
وهكذا وضع القضاء المصرى العظيم الأمور فى نصابها الصحيح وهو أن الائتمان لا يكون مكانه ساحات المحاكم الجنائية، وذلك لكى لا ترتعش أيدى القائمين على العمل البنكى عن عمليات الائتمان خوفا من التورط فى قضايا استيلاء على مال عام تأتى بعد تعثر مشروعات رجال الأعمال لظروف خارجة عن الإرادة لم تقدر فى وقت دراسة المشروع قبل سنوات.. فالتعثر أحد وجهى العملة لأى مشروع.
فإذا ارتعدت أيدى القائمين على العمل البنكى فعلى الاقتصاد السلام، وإذا لم تتوافر لهم الكوادر القادرة على الدراسات الجادة فعلى البنوك السلام ..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة