قبل سنوات حضرت صحفية إيرانية ضمن وفد رسمى إلى القاهرة، كانت ترتدى الشادور، ولا يكاد يظهر وجهها، خلال المقابلات الرسمية، ثم فوجئت بها فى بهو الفندق فى المساء ترتدى ملابس متبرجة جدا من تصميم مصمم الأزياء العالمى كريستيان ديور، ثم دخلت إلى ملهى الفندق وظلت ترقص حتى ساعة متأخرة من الليل.
هذه الصحفية ليست حالة فريدة، فإيران فى الواقع مجتمعان مختلفان، بل شديدا الاختلاف، أحدهما الذى يظهر أمام وسائل الإعلام، وتسيطر عليه الدولة، ويبدو مؤمنا بنظام الجمهورية الإسلامية، أو مستفيدا منها، والثانى داخل البيوت، ممن يلعنون هذا النظام الديكتاتورى، ويتمنون الخلاص منه.
وبينما تمنع السلطة وسائل الإعلام الأجنبية من نقل مشاهد إيران الحقيقية، تحول تليفزيون بى بى سى الفارسى إلى المحطة التليفزيونية الأولى التى يتابعها الشارع الإيرانى لدرجة أن مجلة نيوزويك الأمريكية اختارتها من بين أكثر عشرين شخصية هى الأكثر تأثيراً فى الإيرانيين.
ولا يمكن القول إن الشعب الإيرانى غير متدين، لكنه فى الواقع يرفض الدولة الدينية، لأنها صادرت الحياة العامة، وصنعت تحالفا بين المؤسستين الدينية والعسكرية اللذين تحالفا ضد المواطنين، وصادرا الحريات لصالح مشروع الدولة القائم على مرجعية عليا هى ولاية الفقيه، لا يستطيع أحد مخالفته باعتباره نائباً عن الله على الأرض.
وفى إيران الرسمية تعتبر أمريكا هى الشيطان الأعظم، والغرب تابع لهذا الشيطان، لكن داخل إيران غير الرسمية تنتشر تجارة الاسطوانات المدمجة وعليها أحدث الأفلام الأمريكية وألبومات المطربين الأمريكيين والأوروبيين، وتعتبر هذه التجارة ثانى أهم تجارة غير شرعية فى البلاد بعد تجارة المخدرات.
وإذا أردت معرفة إلى أين يتجه أى بلد فانظر إلى الناس: ماذا يرتدون؟.. وماذا يأكلون؟.. وماذا يشاهدون ويسمعون؟
فإذا كانت إيران الشعبية تعشق الحياة الغربية فى الملابس وقصات الشعر والأغانى ونوعية الأكلات التى يتناولها الناس داخل البيوت بعيدا عن أعين السلطة، فهذا يعنى أننا أمام دولتين داخل الدولة الإيرانية.. الأولى دولة رجال الدين والحرس الثورى.. والثانية دولة الشعب.. وبين الاثنين مساحة شاسعة لا تمكنهما من الالتقاء فى منتصف الطريق.. لذلك تبدو المظاهرات المتتالية المطالبة بالحرية هى التعبير الحقيقى عما يريده الشعب الإيرانى.. وعن حال جمهورية آيات الله ومستقبلها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة