هالة منصور

عصافير النيل: قصيدة فى حب الحياة واقتناص الفرح

الإثنين، 28 ديسمبر 2009 07:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مرت فترة زمنية طويلة منذ أن استطاع أحد الأفلام أن يمس قلبى بهذا القدر، بمعنى أن يضحكنى ويبكينى ثم يضحكنى ثم يبكينى، فيلم استطاع أن يخرج من قلب العتمة والأسى كل هذا القدر من اللحظات الإنسانية الممتعة والكاشفة والمؤثرة.

الفيلم وهو "عصافير النيل" مأخوذ عن رواية للكاتب الرائع إبراهيم أصلان، وإخراج المخرج المبدع مجدى أحمد على، والبطولة موزعة ما بين فتحى عبدالوهاب، دلال عبد العزيز، محمود الجندى، عبير صبرى، مشيرة أحمد ومها صبرى، الشخصيتان المحورتان فى الفيلم هما بسيمة التى قامت بدورها عبير صبرى وعبدالرحيم الذى قام بدوره فتحى عبدالوهاب، وحول قصة الحب التى تنشأ بين هاتين الشخصيتين يبدأ الفيلم وينتهى، وما بين البداية والنهاية تدور أحداث الفيلم الشيقة التى تنتقل بالفلاش باك ما بين الماضى والحاضر. نعلم لاحقا أن هذه الأحداث لابد وأن تكون فى الثمانينيات نظرا للمشاهد التى تضمنت صعود الجماعات الإسلامية المتطرفة فى مقابل الطالب اليسارى الذى يقف فى مواجهة مع الأمن وهؤلاء الجماعات.

يحكى الفيلم عن عبدالرحيم القادم من أعماق الريف ليجد لنفسه فرصة فى مصر المحروسة، وذلك بالعمل كموظف بهيئة البريد مع زوج شقيقته الموظف بنفس الهيئة، محمود الجندى الذى جسد هذه الشخصية لعب دورا من أجمل أدوار حياته أكد به مجددا على براعته كممثل وموهبته الكبيرة. يجمع الحب ما بين عبدالرحيم وبسيمة جارة أخته، ويقرر عبدالرحيم الزواج منها إلا أنها ترفض لأنها ترى أنه يشارك المجتمع الرأى فى أنها امرأة سيئة السمعة ولا يستطيع الدفاع عنها، وهكذا ترحل بعيداً عنه، ويبدأ هو فى الانتقال من امرأة لأخرى حتى يلتقيا فى النهاية مريضين فى أحد المستشفيات، إلا أنهما يحتفظان بنفس القدر من الحب لبعضهما البعض.

برغم وجود شخصيتين محوريتين فى الفيلم، إلا أن المخرج استطاع ببراعة فرد مساحة لكل شخصية من شخصياته بشكل لم يبخس أية شخصية منها حقها، كما أنه نجح فى رسم ملامح هذه الشخصيات بشكل واضح وبديع جعلنا ندور معها فى فلك من الحزن والشجن الذى لا يخلو كذلك من لحظات الفرح التى تحاول الأسرة المصرية البسيطة اقتناصها فى ظل واقع مقموع وملىء بالعبث.

واحدة من هذه الشخصيات نرجس التى لعبت دورها دلال عبدالعزيز، شقيقة البطل التى تعيش فى أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، والتى يذهب شقيقها عبدالرحيم للعيش معها، هذه الشخصية البسيطة المتسامحة التى تخاف من الظلام، قدمت دلال عبدالعزيز من خلالها دورا أقل ما يوصف به أنه رائع، ولا أدرى عدد المرات التى أبكتنى فيها هذه الفنانة أو أضحكتنى بأدائها القدير، كما لا أدرى أيضا عدد المرات أثناء الفيلم التى رسمت فيه الدهشة على وجهى بتمثيلها المقنع والممتع فى الوقت نفسه. أحد المشاهد الجميلة فى الفيلم الذى تألقت فيه دلال عبدالعزيز، ذلك المشهد المؤثر لغاية الذى تخرج فيه لاستقبال ابنها عقب خروجه من المعتقل. كذلك المشهد الجميل الذى يجمعها ومحمود الجندى وتستحلفه فيه بأن يضع ضوءاً داخل قبرها عندما تموت لمدة أسبوع إلى أن تعتاد على القبر. دلال عبدالعزيز قدمت دوراً كاشفاً للموهبة والطاقات التمثيلية العظيمة الموجودة داخل هذه الفنانة الكبيرة والتى لم تستغل بعد، كما أنه كشف فى الوقت نفسه عن مخرج قدير استطاع ببراعة تفجير هذه الطاقات وإخراجها للنور.

فتحى عبدالوهاب تفوق على نفسه مجددا فى هذا الدور، تلك الشخصية الريفية البسيطة المتسامحة التى لا تتوانى عن التعاطى مع ملذات الحياة بكل عفوية عندما تتاح لها، والتى أيضاً تتسامح مع نقائص الناس وهفواتهم حتى فى أقسى الظروف وأصعبها. شخصية عبدالرحيم استحق بها عن جدارة فتحى عبدالوهاب جائزة أحسن ممثل فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى 2009.

نجمان آخران تألقا فى هذا الفيلم هما رمسيس مرزوق مدير التصوير الذى تمكن ببراعة عن طريق الكاميرا والإضاءة من نقل أجواء المنطقة الشعبية بكل حكاياتها المليئة بالشجن والحزن، وكذلك المبدع دائما راجح داوود الذى وضع موسيقى الفيلم التصويرية واستطاع من خلالها إبراز وتأكيد اللحظات الإنسانية المؤثرة والجميلة.

حصل الفيلم حتى الآن على جائزتين، أحسن ممثل من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، وأحسن مونتاج من مهرجان دبى السينمائى الدولى 2009، وأعتقد أن هناك المزيد من الجوائز فى انتظاره.

لن أقف عند بعض المشاهد التى اتسمت بالإطالة، سواء فى أول الفيلم أو فى النهاية، لأن الفيلم فى مجمله معزوفة سينمائية جميلة قلما جادت بها السينما المصرية فى السنوات الأخيرة.

* مخرجة سينمائية فلسطينية





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة