يقول الإمام محمد عبده إن "القوانين التى تفرض العقوبات على الجرائم وتقدم المغارم على المخالفات ليست هى التى تربى الأمم وتصلح مـــن شئونهـا، فإن القــوانين لم توضع فى العالم إلا للشــواذ والهفــوات والسقطات أمـــا القوانين العـامة المصلحة فهى قواميس التربية لكل أمة".
لا تهدف هذه الورقة إلى التقليل من دور القضاة أو المحاكم، ولكنها تبسط وتسهل طريقة إخراج الأحكام عن طريق تنظيم قانونى خاص يجمع بين خصائص التحكيم والقضاء العادى المتخصص، وكما نجحت محاكم الأسرة والمحاكم الاقتصادية والمحاكم العمالية عن طريق وضع تنظيم قانونى خاص لها، فإن الوقت قد حان لوضع تنظيم قانونى لحوادث السيارات وما قد ينشأ عنها من وفاة وعجز وإصابة وتلفيات.
فى هذه الورقة نستعرض التخصص كآلية جديدة مبتكرة للتقليل من حوادث السيارات عن طريق أحكام مالية سهله وموجزة ولا تخضع لقوانين الإجراءات والمرافعات ولا تقبل الطعن إلا بالبطلان . إن سلامة الطرق وحرص القائدين للمركبات يحققان الهدف المنشود.. وعن طريق أحكام سريعة نهائية ملزمة بالتعويض يتحقق الردع الكافى لحمل السائقين على الحرص والتأنى.. إنها دعوة لمحاربة الإرهاب المرورى عن طريق عقوبات مالية سريعة وفاصلة وناجزة.
ولا يمكن التعويل على تشديد العقوبات فى جرائم الإصابة الخطأ والقتل الخطأ برفع سقف العقوبات أو جعلها جناية. فتلك الجرائم هى جرائم مصادفة، قد يقع فيها أى شخص، وليس مرتكبها مجرماً بطبعه. وهذه الورقة تناول فيها حلا قانونيا لحوادث التلفيات والإصابى أو القتل الخطأ. لأن بداية كل حادثة سائق مستهتر إذا ما أيقن أن التلف الذى يحدثه فــى (حديد السيارات) يترتب عليه عقوبة مالية سريعة ناجزة لحرص أشد الحرص على التحوط والحـذر، بدلا مـن إتلافه (لعظام) الأبرياء و(أرواح) الضحايا، وأذى لذويهم وأهلهم.
حوادث السيارات كارثة قومية
واقتراحى الذى أرجو أن يلقى القبول والمناقشة حتى يصدر به قانون، أو نص يضاف إلى القانون، وهو "تنظيم قانونى جديد لتنظيم بعض إجراءات التقاضى فى حوادث السيارات وما ينشأ عنها"، فقد ارتفعت حوادث السيارات بمصر بدرجة هائلة حتى وصل الأمر إلى أ أول التنبيهات التى توجه للأجانب والسياح من سفاراتهم بمصر أن يتوخوا الحذر من القيادة. وارتفع عدد ضحايا حوادث الطرق ارتفعت إلى أرقام مفجعة وطالت الجميع للأسف. بالإضافة إلى ارتفاع قيمة أسعار السيارات، وبالتالى ارتفاع كلفة التلفيات. ناهيك عن التأخر فى الفصل فى تلك القضايا لسنوات "التعويض المدنى" و"التأمين الإجبارى لتعويض المصابين". وهذا يكلف المواطنين الوقت والمال والجهد، ومن ثم لابد من التخلص من بطء الإجراءات القانونية لكون التنظيم القانونى الخاص لا يخضع لإجراءات التقاضى العادية. وأخيراً الفصل فى الجنائى والمدنى من محكمة واحدة.
وهذا الاقتراح سيحقق الفوائد التالية:
* الردع للسائقين عـن طريق سرعة الفصل فى تقدير التلفيات والحكم بها على المتسبب فى الحادث – فالحكم فى قضايا تلفيات السيارات قد يصل لجلسة واحدة.
* سرعة الفصل تعنى سرعة إعادة الحق وإننى أتذكر أحد السادة المستشارين التى دمرت سيارته حال وقوفها واستمر فى دعواه المدنية ست سنوات.
* بعد تطبيق التنظيم القانونى الخاص سيفكر كل سائق فى اتباع قواعد المرور وأحكامة لكون الأحكام فيه نهائية وسريعة وبالطبع ستكون ملزمة لسداد التلفيات.
س- ومن سيقوم بذلك الدور؟
ج- سيقوم القضاة بذلك.
س- وما فكرة التنظيم القانونى الخاص؟
ج- أن تكون هناك مجموعة من النصوص القانونية المتعلقة بحوادث السيارات، وما ينشأ عنها مثل تلفيات السيارات والإصابات الخطأ والقتل الخطأ، وقانون التأمين الإجبارى والتعويضات المدنية عن الأضرار الأدبية والمادية والموروثة، أى الجرائم التى يكون المعيار فيها أى وسيلة تسير على الطريق (أتوبيس، سيارة، نصف نقل، النقل، الجرارات، الموتيسيكلات بأنواعها) ويكون تسبب قائدها فى وقوع جناية أو جنحة على أفراد أو ممتلكات.
س- وما تلك القوانين المقترح ضمها تحت تنظيم قانونى واحد؟
ج- 1- قانون المرور 2- المواد 238، 244، 378/6 من قانون العقوبات، قانون التأمين الإجبارى رقم لسنة 2007، وكذا ما يتم الاتفاق علية من صيغة تصالح عن تلك الحوادث أو التلفيات أو الإصابات والقتل الخطأ يتم صياغتها فى صيغة حكم قضائى. بالإضافة إلى ما يلزم للحكم فى الدعوى المدنية والتعويضات المادية والأدبية والتلفيات.
س- وهل سيؤثر ذلك على أعمالهم؟
ج- فى أى من الحالات فالقضاة الآن هم الذين يحكمون فى تلك النزاعات.
س- وما آلية التنفيذ؟
ج- أن يخصص فى كل محكمة ابتدائية دوائر تحكيم متخصصة فى حوادث السيارات وما ينشأ عنها.
س- وما التشكيل لتلك المحكمة (الهيئة)؟
ج- يشكل من ثلاثة قضاة معهم خبير استشارى (مهندس فنى) رأيه غير ملزم، ولكن يقدم تقريراً للمحكمة غير محضر الشرطة وما ورد فيه.
س- وما إجراءات التقاضى أمام تلك المحكمة؟
ج- ينص فى التنظيم الخاص لتلك المنازعات على الآتى: تقدم النيابة العامة الدعوى إلى المحكمة المختصة بالمحكمة الابتدائية التى وقع فى دائرتها الحادث، وتكون تلك المحكمة ملزمة بالفصل فى الدعوى بحكماً جنائيا واجب النفاذ وبالتعويضات المدنية النهائية.
س- وهل يجوز إستئناف تلك الأحكام؟
ج- لا يجوز استئناف التلفيات التى تكون أقل من 10,000 عشرة آلاف جنيه أو الإصابات التى لا تزيد مدة علاجها عن عشرين يوماً أو الأحكام الصادرة بالتعويض المدنى الذى يقل عن عشرة آلاف جنيه ولا الأحكام الصادرة بالصلح الاتفاقى.
س- أمام من يتم استئناف باقى الأحكام؟
ج- تنشأ فى كل محكمة إستئنافية دوائر استئنافية متخصصة لنظر طعون الاستئناف التى ترفع إليها.
س- وما طبيعة الأحكام التى تصدر من تلك المحاكم؟
ج- أحكامها نهائية نافذة – طالما لا يجوز استئنافها فى بعض الحالات، كما أنها تفصل فى الدعاوى المدنية المتعلقة والناشئة عن تلك الحوادث.
س- وهل سيكون هناك رسوم أمام تلك الهيئات؟
ج- تكون الرسوم على نفقة المخالف ويقدرها الحكم الصادر.
س- وإلى من ستؤول تلك الرسوم؟
ج- إلى الصندوق الحكومى لتغطية الأضرار الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع المنصوص عليه فى قانون التأمين الإجبارى؟
س- وما قيمة الرسوم تحديدا؟
ج- تختلف بحسب قيمة النزاع وهى تقديرية وتصل لمئات وآلاف الجنيهات.
س- وكيف يكون التنفيذ؟
ج- التنفيذ التلقائى (فى الصلح) أو التنفيذ جبرا (بحكم).
وكانت تلك إطلالة على الحل القانونى لتلك المشكلة التى تفاقمت فى العلم كله حتى وصلت إصابات الطرق اليومية فى العالم إلى 140,000 مصاب منهم 3000 شخص يلقى حتفه، 150000 مصاب بعجز مستديم . علما بأن دول الخليج تخسر سنوياً عشرة مليارات دولار منها السعودية 5,6 مليار دولار. أما الوضع فى مصر فهو موصوف بالتضارب فى الأرقام فوزارة الصحة قدرت عدد القتلى عام 2008 بـ 7449 والمصابين 93 ألف بينما قدرت الداخلة الإصابات بنحو 6999 شخص، وأخيرا قرر المسئول من الاتحاد الأوروبى الخبير بأكاديمية الشرطة بألمانيا والمنسق فى مصر أن الوفيات 12 ألف قتيل.
اقتراح القانون رقم - لسنة - بتنظيم إجراءات التقاضى فى المنازعات الناشئة عن حوادث السيارات.
مادة 1 ينشأ فى كل محكمة ابتدائية محكمة للفصل فى المنازعات التى تنشأ عن حوادث السيارات وتسمى محكمة حوادث السيارات، ويكون تعيين مقارها وعددها بقرار من وزير العدل.
مادة 2 تشكل المحكمة من ثلاث قضاة يكون أحدهم على الأقل بدرجة رئيس بالمحكمة الابتدائية ويعاونهم خبير فنى إستشارى - وتؤلف الدائرة الاستئنافية من ثلاث مستشارين بمحكمة الاستئناف يكون أحدهم على الأقل بدرجة رئيس بمحكمة الاستئناف.
مادة 3 تختص هذه الهيئات بنظر المنازعات الناشئة التى تقع من قائدى السيارات وما فى حكمها .
مادة 4 تطبق تلك الهيئات قانون المرور، المواد 238،244،378/6 من قانون العقوبات، والقانون رقم 72 لسنة 2007 الخاص بالتأمين الإجبارى فى حوادث السيارات، وكذا ما يتم الاتفاق علية من صيغة تصالح عن تلك الحوادث أو التلفيات او الإصابات و القتل الخطأ يتم صياغتها فى صيغة حكم قضائى . بالإضافة إلى ما يلزم للحكم فى الدعوى المدنية والتعويضات المطالب بها والتى يكون سببها السيارات وما فى حكمها.
مادة 5 تقدم النيابة العامة الدعوى إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الابتدائية التى وقع فى دائرتها الحادث وتكون تلك المحكمة ملزمة بالفصل فى الدعوى بحكماً جنائيا واجب النفاذ وبالتعويض المدنى النهائى.
مادة 6 لا يجوز استئناف التلفيات التى تكون أقل من 10,000 عشرة آلاف جنيه أو الإصابات التى لا تزيد مدة علاجها عن عشرون يوما أو الأحكام الصادرة بالتعويض المدنى الذى يقل عن عشرة ألاف جنيه ولا الأحكام الصادرة بالصلح الاتفاقى من تلك المحكمة.
مادة 7 تكون الرسوم على نفقة المخالف ويقدرها الحكم الصادر من المحكمة .
مادة 8 يجوز أن يطلب من وقع علية الضرر من المحكمة أن تقصر حكمها على التعويض المدنى فقط، وفى هذه الحالة لا تقضى المحكمة إلا بالغرامات المقررة فقط بحسب المواد المنطبقة على الواقعة، ويستثنى من ذلك تطبيق الظروف المشددة على الواقعة .
مادة 9 فى حالة عدم تطبيق الاحكام الصادرة عن المحكمة يتم التحفظ على السيارة المتسببة فى الحادث لحين تنفيذ الحكم وإلا بيعت بالمزاد العلنى لمصلحة المتضرر وتؤول الفروقات للأسعار إلى الصندوق الحكومى لتغطية الأضرار الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع المنصوص عليه فى قانون التأمين الإجبارى، ويكون قرار البيع الإجبارى قابلا للاستئناف .
مادة 10 ينشأ فى كل محافظة سجن مخصص للمتهمين فى ذلك القانون وتشرف علية وزارة العدل ويديرة مجموعة من الظباط ولا يجوز لهم تطبيق لوائح السجون فيه .
مادة 11 للمحكمة فى أى حالة عليها الدعوى أن تأمر بحبس المتهم إحتياطيا لحين الفصل فى الدعوى لمدة لا تزيد عن ستون يوما .
مادة 12 يتبع أمام المحكمة المختصة ودوائرها الاستئنافية القواعد والإجراءات المقررة فى هذا القانون وتطبق فيما لم يرد بشأنة نص خاص أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية وأحكام القانون المدنى فى شأن التعويضات .
مادة 13 يتعين الاختصاص بالنسبة لتلك الجرائم وما ينشأ عنها وللأفراد والشركات المؤمن لديها تلك السيارات للمحكمة الواقع بدائرتها الحادث .
مادة 14 تحرر محاضر الشرطة الخاصة بهذا القانون على نماذج معدة سلفا يصدر بها قرار من وزير الداخلية.
ملاحظات من الواقع العملى للقضايا المتعلقة بحوادث السيارات
أولاً: الجنح
ما الذى يتم عمليا حال وقوع حادث سيارة؟
1- يتم تحرير محضر شرطة (عادة لا تتم معاينة للحادث وإن تمت لا يظهر منها من المخطئ، ولا يتم استعمال أدوات الإثبات الحديثة مثل التصوير الفوتوغرافى لموقع الحادث والطريق والعلامات ودلائل الحادث).
2- يتم عرض المحضر على النيابة العامة والتى بدورها تحيله للمحكمة .
3- تنظر المحكمة الجنحة ونكون عملياً أمام عدة حالات:
أ / صدور حكم غيابى – وفى هذه الحالة يظل المتهم هارب ولا ينفذ عقوبته – ولا يستطيع المتضرر إقامة دعوى تعويض عن الأضرار المادية والأدبية والموروثة سواء قبل المتهم أو المالك أو حتى أمام شركات التأمين طبقاُ لقانون التأمين الإجبارى إلا بعد مضر ثلاث سنوات ليسقط الحكم .
ب / صدور حكم غيابى – معارضة – استئناف غ – معارضة استئنافية – نقض وفى هذه الحالة يتم نظر الدعوى أمام قاضى – قاضى – ثلاث قضاة – ثلاث قضاة – ثلاث مستشارين – ومن قبله النيابة . وتستمر الدعوى الجنائية لسنوات. ثم تنظر دعوى التعويض أمام ثلاث قضاة – واستئنافها أمام ثلاث مستشارين – ثم محكمة النقض.
ويكون جملة من نظر تلك الواقعة من قضاة حوالى 24 قاض .
ثانياً : الدعوى المدنية والتعويضات
لما كانت الدعوى المدنية تدور وجوداً وعدماً مع الدعوى الجنائية ولا يجوز الفصل فيها إلا بعد صيرورة الحكم الجنائى نهائى وبات – فمن ثم فهى معطلة أيضاً ولا يستطيع المتضرر مادياُ وأدبياً من أن يقيم دعواه بالتعويضات إلا بعد الفصل جنائيا .
ملاحظات تخيلية لما بعد التطبيق:
1- المحكمة المتخصصة لهذه المنازعات ستحقق سرعة الفصل الجنائى والمدنى فى ذات الوقت وستنظر أمام ثلاث قضاة ثم ثلاث مستشارين فى أياً من الحالات .
2- القاضى الجنائى حينما يصدر حكمه الجنائى فهو القادر على تحديد قيمة التعويض عملياً .
3- تحقيق الردع الكافى لكل سائق متهور عن طريق عدالة ناجزه، وعقوبات فى سجون مخصصة لهؤلاء المخالفين تحت إشراف وزارة العدل.
4- شركات التأمين ستكون أمامها رؤية واضحة لما ستقوم بدفعه سنوياُ بما سيحقق لها دراسات إكتوارية واقعية فعلية، فلا تتعرض لمخاطر تأمينية غير متوقعة .
5- وقف نزيف الدم وما يترتب عليه من أثار اقتصادية واجتماعية وسياحية.
* رئيس محكمة بجنوب القاهرة
القضاة يطالبون "العدل" بتبنى قانون هيئة تحكيم حوادث السيارات
انقسام بالمعارضة على مشروع قانون "التحكيم الفورى فى حوادث الطرق"
التحكيم الفورى فى حوادث الطرق
المستشار حسام مكاوى يقدم اقتراحا بتنظيم قانونى لمنازعات حوادث السيارات.. أحكام مالية سهلة وموجزة.. لا تخضع لقوانين الإجراءات والمرافعات.. ولا تقبل الطعن إلا بالبطلان
الإثنين، 28 ديسمبر 2009 02:52 م