فى رواية "الجريمة والعقاب" للأديب الروسى ديستوفسكى، ظهر المسيح فى مدينة إشبيلية فترك الناس صناديق النذور، وخرجوا من الكنائس وقت الصلاة، لا أغانى ولا ترانيم، وذهبوا لاستقبال المسيح العائد.
لكن الكاردينال وقف أمام يسوع مندهشا وقال: سيدى، أنك لست الشكل الذى نعتقد أن المسيح يشبهه، ولا ذلك هو الوقت الذى نتوقع أن تظهر فيه.
قال الكاردينال إن حقول الأرض ما زالت خضراء، وأن ينابيع المياه لم تجف بعد، ثم إنه لا ضرب الغلاء البلاد، ولا أصاب الوباء العباد.
وقال الكاردينال للمسيح إنك يا سيدى لن تنزل من السماء، إنما تخرج من أدمغة المؤمنين، فى الوقت الذى يكون المؤمنون فى أمس الحاجة لظهورك!!
رأى الكاردينال، أن المسيح قد صلب عقيدة المسيح بظهوره المبكر، فلا هو عليه السلام نص على أنه سوف يظهر فى الأناجيل، ولا الناس فى حاجة للبلبلة الإيمانية التى حدثت مع هذا الظهور.
ملاحظات كاردينال كانت الأكثر أهمية فى قصة عظيمة الدلالة.
هو قصد أن ظهوره عليه السلام أسطورة، لا حان وقتها، ولا ترتبت الظروف التى تؤهل لأن يتجاذب الناس أطراف حوار عن المسيح العائد.
ثم إنه عليه السلام ليس موجودا فى السماء، إنما موجود فقط فى عقول الذين قالوا "إنا نصارى".. بالشكل الذى يعتقدونه على الأرض، وبالطريقة والوقت التى يريدون أن يرونه فيه.
وجد الكاردينال نفسه وسط أحداث لا أراد تصديقها، ولا وجد فى عقيدته ما يجبره على ذلك، أما الذين صدقوا، فهم الذين أظهروا المسيح عليه السلام!! الملاحظة الأهم، أن عوامل ظهور المسيح هى التى تساهم فى أن يظهر المسيح.
ففى القرون الوسطى عرفت أوروبا ما يعرف بظهور "سمات السيد المسيح" على المطارنة والقساوسة والرهبان.
لم يعرف أحد وقتها، ما الذى أسال دماء كفوف وأرجل رهبان أوروبا، من نفس المكان الذى قيل إنهم دقوا فيه مسامير الصلب بجسد المسيح.
كانت ظاهرة، فقد شحبت الوجوه، وأصاب الرهبان الهرم.. والوهن، ونزفوا حتى ماتوا.. وماتت معهم أسرارهم .. وتفاصيل معاناتهم أيضا!
لكن فى القرن التاسع عشر انكشفت الأسرار، ثم تكلم عن تلك الظواهر، وظواهر أخرى فرويد وكارل يونج، قبل أن يفتح عالم الاجتماع الشهير أوجست كونت ملف "سطوة المجتمع على خيالات المؤمنين".
وقال يونج إن الإيمان أحيانا ما يطلق الإشاعة، وإن المؤمنين هم الذين يضيفون إليها، ويحذفون منها، حتى تستوى، وتكتمل فيصير اتجاها عاما.
قال يونج أيضا، إن الرهبان ماتوا فى القرون الوسطى بسمات المسيح، حبا فى المسيح، وإن المؤمنين هم الذين أخرجوا المسيح من عقولهم للواقع.
أما فرويد فرأى أن شدة التعذيب هو الذى أخرج السيدة مريم العذراء للقديسة كاترين، والقديسة دميانة، والقديس أوغسطين.
النظريات نفسها هى التى جعلت الفرنسيين يتكلمون عن ظهور السيدة مريم لجان دارك، وهم يعدموها حرقا، قبل أن يعلنوها قديسة. وهى نفسها التحليلات التى أجازت ظهور "أم النور" فى كنائس الزيتون بعد هزيمة 1967.
ظهورات العذراء فى الوراق وشبرا ليست قضية كبرى، لكن الأزمة فى تزايد موجات الاقتناع الشعبى، وتوقف المرور.. وزحام محطات المترو، وأخيرا ازدياد حالات "النشل" بين المؤمنين فى.. مناطق "الظهور"!!