"على اسم مصر.. التاريخ يقدر يقول ما شاء.. أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء" قالها "جاهين" وظلت نشيدا وطنيا وشعارا رسميا لكل من أحب مصر وأراد أن يغنى لها، جاهين الشاعر والرسام الذى كتب الشعر بريشته، ورسم الكاريكاتير بشعره، وضم الرسم والشعر معا فكتب للسينما.
حين تحل ذكرى ميلاد جاهين، تتوقف الأقلام عن الكتابة وتصمت الألسنة وتترك المهمة للعيون لتتفرغ لقراءة شعره، وربما تستعين بالألسنة لتغنيه أيضا، وربما قررت العيون أن تستمع بسينماه من خلال "أميرة حبى أنا"، وربما تجنح إلى الماضى وجراحه فتشاهد "عودة الابن الضال" الذى يفتح لنا جراح النكسة بعد أن كنا نظن أنها اندملت.
كان جاهين ثوريا حتى إنه لقب بشاعر الثورة فقد كان يكتب ليغنى "مطرب الثورة" عبد الحليم حافظ ويلحن كمال الطويل، ففى أشعاره الثورية "لم يكتب جاهين، شعارات باردة جوفاء بل استطاع أن يغوص فى أعماق الإنسان المصرى، ليستخرج منه كلمات عامية بسيطة وبليغة فى آن واحد، لم تكن فى كلماته أية ظلال لافتعال سياسى، بل كانت مشاعر عفوية صادقة، فتراه يقول "يا أهلا بالمعارك بنارها نستبارك ونرجع منصورين"، بعد أن آمن بقدرات عبد الحكيم عامر ورجاله فى قهر الإسرائيليين ليصدق عليه القول "خُدعَ الشعراء إن حلموا" فحلم "جاهين" بالنصر ولكنه خدع فى حلمه وغرر به.
وعلى قدر الحماسة كانت الصدمة فأصيب جاهين، بحالة من الاكتئاب بعد النكسة عام 1967 لازمته حتى وفاته، فامتنع عن كتابة الأغانى والأناشيد الوطنية ونحى منحى آخر فكتب أغان خفيفة مثل "ياواد يا تقيل" التى غنتها السندريلا سعاد حسنى، والطريف أن كمال الطويل الذى لازمه فى تلحين رحلة الثورة لازمه أيضا فى تلحين الأغانى الخفيفة، وكأنهما يعبران عن هزيمة وجدانية أكبر تغلغلت فى النفوس فخرجت فنا يعبر عن تبخر أحلام الوطنية والثورة والكفاح.
وكانت راجعين بقوة السلاح التى غنتها كوكب الشرق "أم كلثوم" عشية النكسة هى سبب كآبة جاهين، وسر انعزاله فبعد أن قال فيها "راجعين بقوة السلاح راجعين نحرر الحمى - راجعين كما رجع الصباح من بعد ليلة مظلمة"، حلت الليلة المظلمة دون أن يرجع الصباح "وعدى النهار" كما تغنى "حليم" وكتب الأبنودى.
ولعل أجمل ما كتبه جاهين بعد النكسة، رباعيته التى كتبها بعد أن أصيب بانسداد الشرايين عام 1981 وكان يحتاج إلى جراحه فكتب يقولى "يا مشرط الجراح أمانة عليك -وأنت فى حشايا تبص من حواليك -فيه نقطة سودة فى قلبى بدأت تبان -شيلها كمان والفضل يرجع إليك".
وفى مثل هذه الأيام عام 1930 ولد جاهين بشبرا، وفى 21 من أبريل من عام 1986 رحل، ولكنه سيظل حاضرا بشعره الذى يأبى على النسيان، سيظل شعره غنوة تبعث البهجة كما تشى بالألم، تغريدة تطرب أذنك وتسعد قلبك على قدر الحزن، وكأنها صوت الناى وسط الفرح.